منذ أوائل شهر تشرين الثاني الجاري، بدأ اللبنانيون بالتوافد إلى قطر لاغتنام «الحدث التاريخي» والاستفادة من وظائف العمل التي وفّرتها بطولة كأس العالم 2022 بـ«الجُملة».آلاف عقود العمل الظرفيّة التي تستبق المونديال بأيام وترافقه، أبرمها لبنانيون مع شركات قطرية خاصة في قطاعات مختلفة، بدءاً من قطاع الفنادق وخدمات الضيافة ومواكبة تدفّق الزوار في مطار حمد الدولي، مروراً بقطاع النقل العام والخاص، وليس آخرها قطاع الإعلام من صحافيين ومصوّرين، وغيرها.
نسأل ماريان التي قصدت قطر للعمل في شركة ضيافة وتقديم خدمات للاتحاد الدولي لكرة القدم طيلة فترة المونديال عن انتشار اللبنانيين في قطر، فتجيب: «ليس في قطر غير اللبنانيين»، وتقصد الموظفين طبعاً وليس المشجّعين. ورغم أنها تقضي معظم وقتها في التدريب على المهنة التي لم تمارسها من قبل، التقت صدفة بأكثر من 15 لبنانياً ولبنانيّة جاؤوا للعمل ظرفيّاً أثناء البطولة، «عدا عن أني تفاجأت بابنة خالي آتية من البحرين لتعمل في مجال الطهو». تخرّجت ماريان للتوّ من كلية الهندسة الزراعية، وأثناء بحثها عن فرصة عمل على تطبيق «لينكد إن» وجدت عرض العمل في قطر، فلم تتردد في الذهاب وخوض تجربة تراها «جميلة جداً، فكل شيء منظّم بعناية ومُأمّن، بما فيه السكن في شقق مفروشة».
من جهته، يجد تشارلي أنّ فرصة العمل في «الحدث التاريخي»، كما يسمّيه، «لا تعوّض من الناحية المادية ولجهة الخبرة المتكسبة». لذا أخذ إجازة غير مدفوعة من عمله في إحدى الشركات اللبنانية، و«طار» إلى قطر في 11 الشهر الجاري ليستقبل المشجعين في الملاعب، ويساعدهم على الجلوس في مقاعدهم مستفيداً من إتقانه للغات العربية والإنكليزية والفرنسية. يتضمّن العقد 48 ساعة عمل أسبوعياً، لا يعرف ما إذا كان ذلك سينهكه أم لا. ما يعرفه جيداً أنّ «كل شيء في هذا البلد يبعث الحماسة والجميع مفعم بالحيوية». لذلك لا يأبه كونه لا ينام إلا قليلاً، «فالمدينة كلها لا تنام نظراً لضخامة الحدث ومشقّة خلق غابة داخل الصحراء، ما ينجح القطريون في تحقيقه»، على حدّ تعبيره.
سيكونون «مشجعين مأجورين» في خلال المباريات التي لا يمتلك طرفاها قاعدة جماهيرية


لا يصرّح الموظفون اللبنانيون عن البدل الذي يتقاضوه لقاء عملهم الظرفيّ في قطر، يتهرّبون من الإجابة، ويعدنا أحدهم بالتصريح بعد أن تسدل ستائر المونديال وتنتهي مدة العقد. من جهتها، تجد سيلين المستحقات التي ستحصل عليها بدل 40 يوم عمل في قطر «جيدة» لدى مقارنتها بالرواتب المتقهقرة في لبنان، بل «أفضل من أي عمل آخر في لبنان»، لكنها «بشكل عام عاديّة»، ولا تخفي أن «الرواتب تختلف بين موظف وآخر في المنصب نفسه بحسب الجنسية»، متأسفة «كيف أصبحت اليد العاملة اللبنانية رخيصة الثمن» على حد وصفها.
تعمل سيلين لمصلحة شركة متخصّصة في تقديم خدمات المطاعم والفنادق تعهدت مع الفيفا لتقديم خدمة الأكل والشرب للمشجعين داخل الملاعب. وصلت إلى قطر في الأسبوع الأول من الشهر الجاري من أجل التدريب، وستبقى حتى نهاية المونديال. هي عادة غير مهتمّة في الشأن الرياضي، حتى إنّها لم تحضر أي مباراة. لكنها تجد عملها كنادلة في الملاعب الشاسعة «متعباً وممتعاً في آن واحد». نسألها عن ساعات العمل، فتجيب: «لم يصدر البرنامج بعد»، ثم تجري حساباتها: «يأتي الناس قبل نحو ساعات من انطلاق المباراة ويغادرون بعد نحو ساعة، ومع احتساب مدة المباراة مع الوقت الإضافي وساعات استعدادنا مسبقاً لاستقبالهم تصل ساعات عملنا إلى حوالي الثماني».
منذ نحو شهر، وصل حسن درويش إلى قطر وأبرم عقد عمل لسنتين مع وكالة تسويق وعلاقات عامة. مهمّته كتابة محتوى وإدارة العلاقات العامة لزبونته الوحيدة: «قطر للسياحة»، «أكتب بياناتها الصحافية وأترجم بعضها من اللغة الأجنبية إلى العربية، كما أرسل الدعوات إلى وسائل الإعلام»، يشرح. ومع أنّ عمله ليس متعلقاً بالمونديال بشكل مباشر إلا أن للمونديال «فضلاً كبيراً في الفوز به». كيف؟ يجيب: «كل النشاطات السياحية التي تنظّم في قطر بشراكة مع قطر للسياحة ولدت من رحم الحدث الكبير المسمّى بالمونديال». ويعطي مثلاً: «في الدوحة، حوّلوا الدرب الذي يؤدّي إلى الملاعب على الكورنيش البحري إلى ما يشبه وسط بيروت، يعجّ بالمطاعم والمحال التجارية». وفي حين «كانت قطر للسياحة تصدر بياناً صحافياً واحداً في الأسبوع، صرنا نصدر بيانين اثنين في اليوم الواحد».
وفي سياق متصل، فقد خلق المونديال وظيفة غريبة بعض الشيء، وهي تشجيع المنتخب القطري. وقد تم توظيف لبنانيين لهذه الغاية، مهمتهم حفظ عبارات تشجيع المنتخب القطري لاستخدامها في مبارياته، كما سيكونون «مشجعين مأجورين» في خلال المباريات التي لا يمتلك طرفاها قاعدة جماهيرية. وهكذا ينحصر دورهم في تعبئة النقص في المشجعين لئلا تلتقط عدسات المصورين صوراً لمدرّجات فارغة، والتصفيق، وخلق أجواء حماسية مصطنعة.