في عام 2002 استضافت كوريا الجنوبية واليابان نهائيات كأس العالم عبر ملف مشترك. في ذلك الوقت شكل الأمر تحديّاً حقيقيّاً للاتحاد الدولي لكرة القدم «FIFA»، وكذلك الاتحاد الآسيوي، لناحية تأمين التنظيم بأفضل صورة ممكنة في بلدين، وأماكن متباعدة. نجحت الاستضافة، وحققت الدولتان أرباحاً ماديّة ومعنويّة من البطولة، وكذلك فتحتا الباب أمام تقديم ملفات مشتركة لاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى، على اعتبار أنه الملف الوحيد المشترك خلال 22 نسخة لنهائيات كأس العالم، بما فيها مونديال قطر المقبل.بعد هذه البطولة لُعبت نهائيات كأس العالم في ألمانيا 2006 وجنوب أفريقيا 2010 والبرازيل 2014 وروسيا 2018، وكان وضحاً أنه مع تقدم السنوات ترتفع كلفة الاستضافة، نتيجة الحاجة إلى تأمين الملاعب ومرافقها، إضافة إلى البنية التحتية اللازمة لاستقبال ملايين الزوار والمشجعين، ليأتي مونديال قطر 2022 وتدفع من أجله الكلفة الأكبر في التاريخ. هذا الأمر ساهم مع غيره من الأسباب بفتح الباب مجدداً أمام الملفات المشتركة، لتعود نغمة كوريا الجنوبية واليابان 2002. ومن الأمور التي ساعدت على عودة الملفات المشتركة أيضاً هي بطولة كأس أمم أوروبا التي استضافتها أوكرانيا وبولندا عام 2012، ودوري الأمم الأوروبية 2020 (لُعبت في عام 2021 بسبب تفشي فيروس كورونا) والتي أقيمت في 13 مدينة أوروبية مختلفة. الفكرة في توزيع المباريات على مختلف الدول الأوروبية بدأها رئيس الاتحاد الأوروبي السابق لكرة القدم ميشال بلاتيني، معتبراً أن الأمر سيتيح الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من الدول الأوروبية لاستضافة الكأس، وللمشجعين مشاهدة مبارياتهم في بلدانهم، وبالتالي تقريب كرة القدم من الجماهير الأوروبيّة على مجال واسع. نجحت الخطة، وحقق المنتخب البرتغالي اللقب حينها، ولكن الأهم كان أن العائدات السياحية لم تذهب إلى مكان واحد، أو بلد بعينه بل هي توزعت على أكثر من دولة. يضاف هذا الأمر إلى أن الدول المُضيفة لم تتكلف مبالغ هائلة على تأمين المنشآت أو بناء ملاعب جديدة، على اعتبار أنها استخدمت الملاعب المتاحة لديها، والتي تستخدمها المنتخبات والأندية في البطولات المحلية والمشاركات الخارجية، مثل دوري أبطال أوروبا.
هذه الفكرة نجحت، وهي تلاقي رواجاً بالنسبة إلى الدول التي تريد استضافة فعاليات كأس العالم مستقبلاً، وبالفعل فقد فاز ملف كندا والولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك بحق استضافة مونديال عام 2026 المقبل، وتقدمت السعودية ومصر واليونان بملف مشترك لاستضافة مونديال 2030، لتنافس ملفات أخرى بينها ملف أوروبي ثلاثي لكل من إسبانيا والبرتغال وأوكرانيا، وملف أميركي جنوبي تقدمت به الأوروغواي والأرجنتين وتشيلي والباراغواي.
إذاً هي مرحلة جديدة دخلتها البطولات الكبرى لناحية الاستضافة، فتوزيع البطولة على بلدين متجاورين أو ثلاثة بلدان متلاصقة جغرافياً يعزز السياحة في هذه الدول، ويقلل كلفة تأمين المنشآت والصرف على البنى التحتية، دون أن يربك المشجعين القادمين من باقي الدول، على اعتبار أنهم يختارون السفر إلى البلد الذي يستضيف مجموعة منتخب بلدهم، أو مجموعة المنتخب الذي يودون متابعته. هذا الأمر الأخير يتيح أيضاً فرصاً أوسع وأقل كلفة لتأمين الإقامة، بسبب أن توزيع المباريات يؤمن مرافق إقامة إضافية، وعدداً أكبر من الفنادق حيث يقل الضغط على منطقة بعينها، وبالتالي تكون الخيارات أقل كلفة بسبب غياب الاحتكار والضغط على الفنادق والأماكن التي تؤمن الإقامة.