رغم الأزمات الكبيرة والمتلاحقة، تبقى مباريات كأس العالم لكرة القدم متنفساً مهماً جدّاً لمختلف الشعوب حول العالم، وخاصة أنه يحضر مرّة واحدة كل أربع سنوات. لبنان في هذه الحالة ليس استثناءً، إذ رغم الانهيار الاقتصادي والأزمات السياسية المفتوحة على مصراعيها، يمكن رؤية التحضيرات لاستقبال العرس الرياضي العالمي. الأعلام ارتفعت على الشرفات في معظم أحياء العاصمة بيروت وضواحيها، والصراع البرازيلي ـ الألماني يبدو ظاهراً كما في السابق بين مشجعي المنتخبين، مقابل خيبة أمل كبيرة لمشجعي إيطاليا الغائبة عن كأس العالم للمرة الثانية توالياً، واللافت أن «الطليان» كثر في لبنان، ومعظمهم توجّهوا اليوم لمؤازرة الأرجنتين في قطر 2022. من هنا، تبرز في هذا المونديال أعلام المنتخب الأرجنتيني، فاللبنانيون في السنوات الأخيرة مشجعون حقيقيون لنجم «التانغو» ليونيل ميسي، وخاصة أنه سيخوض المونديال الأخير في مسيرته الاحترافية. علَم آخر حاضر، هو البرتغالي، بما أن أسطورة «برازيل أوروبا» كريستيانو رونالدو سيلعب بدوره موندياله الأخير.هو الجنون الموسمي الذي يسيطر على بيروت بدأت ملامحه تظهر، وجولة في المدينة تعطي فكرة عن العشق الكبير لكرة القدم. الشوارع الضيقة لأحياء ما يُعرف بـ«بيروت الغربية» مزدانة بأعلام البرازيل وألمانيا والأرجنتين... مع أرجحية واضحة «للماكينات الألمانية» التي تحظى بشعبية كبيرة في هذه المنطقة، وخاصة في منطقة برج أبي حيدر. أما في ضاحية بيروت الجنوبية، فالكفة تميل لـ«السيليساو» البرازيلي، حيث يتذكّر الجميع هناك رونالدو دا ليما (الفينومينو) «صانع المجد في مونديال 2002، ومذلّ الألمان في النهائي حين سجل هدفين»، على ما يقول واحد من المشجعين المتعصبين الذين يرتادون المقاهي لمشاهدة المباريات يوميّاً في منطقة «الصفير»، مع عدد من رفاقه.
يتذكّر أحد مشجعي البرازيل في الضاحية الجنوبية كيف أعدّوا تابوتاً لتشييع المنتخب الفرنسي في مونديال 2006


صحيح أن حدّة رفع الأعلام العملاقة في الأحياء تراجعت، لمصلحة الأعلام الصغيرة على الشرفات كما هو واضح بسبب ارتفاع الكلفة بشكل هائل، إلا أن هذا لا يلغي وجود ما يُعرف بـ«خطوط تماس» بين الأحياء الشعبية، حيث يجتمع البرازيليون في مقهى، والألمان في مقهى آخر في الضاحية الجنوبية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مشجعي المنتخبات الأخرى، وبالتالي ممنوع مرور «البرازيليين» من حيّ «الألمان» خلال المباراة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى «الأرجنتينيين» حيث تصبح العداوة أكبر. يتحدث علي صالح، وهو أحد مشجعي البرازيل في منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية، كيف كان إخوته يرفعون أعلام البرازيل سابقاً، ويقول: «اليوم بات الموضوع مكلفاً جداً. العلم الصغير بـ 200 ألف ليرة كحدّ أدنى، والكبير الذي يُعلّق على المبنى كلّه بات سعره بالدولار، سنكتفي بالعلم الصغير».
قصص المونديال لا تنتهي. ففي منطقة المريجة ـ تحويطة الغدير، يتذكر أحد مشجعي البرازيل ماذا حصل في مونديال 2006، ويقول: «حينها كنّا في الـ 15 من العمر، أحضر مشجعو البرازيل تابوتاً ليحرقوا فيه علم فرنسا التي كانت تلعب مباراة ربع النهائي أمام البرازيل، لكن الفرنسيين فازوا بالمباراة بهدف دون رد، فجلس مشجعو البرازيل يبكون قرب التابوت، والجميع يشاهدهم من على الشرفات». وفي الشارع ذاته، يتذكّر صاحب محل للحلاقة الرجالية كيف رمى جاره كنبة من الشرفة، حين كانت ألمانيا متعادلة مع السويد حتى الدقائق الأخيرة من دور المجموعات، وحينها سجل توني كروس هدفاً في الدقيقة 95 لتعمّ الاحتفالات المنطقة.
وليس بعيداً عن بيروت، يبدو واضحاً أن ظهور الأعلام أضعف. في مدينة صيدا بالجنوب، تتركز الاعلام بكثرة في المقاهي الكبيرة، مقابل أعلام أقل في المقاهي الشعبية التي تنتشر على الكورنيش البحري. هناك يتجمع الشبان لمشاهدة المباريات طوال فترة المونديال، وخلال نهاية كل أسبوع في الأيام العادية، وبالتالي فإن «الحماسة ستكون على أشدها» بحسب ما يقول أحد أصحاب المقاهي هناك، ويضيف: «يتجمع مشجعو البرازيل في جهة، ومشجعو ألمانيا في الجهة الأخرى من القهوة ويبدأ التزريك»، ويضيف: «في السنوات الأخيرة، برز مشجعو الأرجنتين بشكل أكبر بسبب ميسي، والعداوة بين الأرجنتينيين والبرازيليين باتت أكبر من أي منتخبات أخرى، ولكن التشجيع يبقى في إطاره الودي» يختم حديثه مع «الأخبار».

(أ ف ب )

الجماهير تتهيّأ للمونديال، والأعمّ الأغلب من المشجعين الشباب سيشاهدون المباريات في المقاهي، وذلك بسبب ارتفاع كلفة الاشتراكات في المنازل، والتي تصل في المتوسط الى 90 دولاراً للاشتراك في باقة المونديال. وفي السياق أيضاً، يقول رواد المقاهي في صيدا وبيروت إنهم سيرتدون قمصان المنتخبات القديمة، وليست تلك الخاصة بمونديال 2022، على اعتبار أن أرخص سعر لقميص يتجاوز الـ 15 دولاراً أميركياً، على اعتبار أنه الموسم، وبالتالي التجار يرفعون أسعارهم بشكل مبالغ فيه.
وكما في بيروت والمدن الكبرى، كذلك في القرى والأطراف حيث بدأ اللبنانيون يستعدّون للمونديال، وهذا الأمر يبدو واضحاً من خلال صفحات مشجعي الأندية والـ«ألتراس» على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين أنهوا تجهيز الأماكن لمشاهدة المباريات بشكل جماعي.
إذاً هي «حمّى» المونديال التي تضرب العالم ضربت بطريقها لبنان، على أمل أن يكون المنتخب اللبناني يوماً ما مشاركاً في العرس العالمي، ليتزيّن البلد كله بالعلم اللبناني.