تترقب جماهير كرة القدم بطولة كأس العالم المقبلة التي تنطلق يوم الأحد وسط انتشار الأوبئة والتوترات الأمنية المختلفة. لا يزال فيروس كورونا يشكِّل تحدياً حقيقياً رغم انحسار مضاعفاته، كما تؤثر الحرب الروسية ـ الأوكرانية بشكل أو بآخر على هدوء المنطقة. وفي خضم هذه التحديات التي يواجهها القيّمون على استضافة «المونديال»، زادت معدلات الإصابة بالكوليرا في بعض مناطق الشرق الأوسط الأمر سوءاً، الأمر الذي يتطلب ربما إجراءات مضاعفة لمنع انتشار هذه البكتيريا بين السياح والمشجعين.وسوف تستفيد قطر من السياق التاريخي فيما يتعلق بآليات الاحتواء، إذ إن تضارب مواعيد المسابقات الرياضيّة مع الحروب والأوبئة ليس بشيءٍ جديد. سبق وأن توقف النشاط الرياضي مرات عدة وبشكلٍ متفاوت تبعاً لنوع الحدث الحاصل، واستطاعت العديد من الدول التأقلم، كما متابعة نشاطها الرياضي ولو بطريقةٍ مختلفة، كتغيير نظام اللعب أو المكان والزمان أو التأجيل.
فخلال الحرب العالمية الأولى عام 1914، والتي كان مسرحها أوروبا رغم مشاركة دول أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية، توقفت أغلب المسابقات الرياضية بشكلٍ كامل خلال الفترة الممتدة بين عامَي 1914 و 1919 على خلفية أعمال العنف بين الدول خصوصاً إنكلترا وألمانيا، دون إغفال تفشي وباء الإنفلونزا الإسبانية. أما في الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939 وانتهت عام 1945، نجت كرة القدم في العديد من الدول إثر تعديل نُظمِ بعض البطولات واستحداث أنظمة أخرى، مثل إنشاء دوري الحروب أو دوريات الشمال والجنوب.
لم تكن الحروب العقبة الوحيدة أمام الرياضة فيما مضى، حيث شكلت الأوبئة تحدياً كبيراً أيضاً. سببت الحمى القلاعية حالة ذعر في مطلع الألفية الجديدة (رغم أنها تصيب الحيوانات ونادراً ما يصاب بها البشر)، ما أدى إلى تأجيل وإلغاء أحداث رياضية وترفيهية عدة.
وفي عام 2003، تسبب انتشار متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) في الصين بتأجيل قرعة كأس العالم للسيدات ليتقرر فيما بعد نقلها إلى أميركا، كما أجّل الاتحاد الآسيوي لكرة القدم مباراتين في تصفيات أولمبياد أثينا 2004 بشكل اضطراري نتيجة تفشي المرض الذي يصيب الجهاز التنفسي، وتأجلت العديد من الأحداث الرياضية الأخرى في العام المذكور.
وشهد عام 2009 أيضاً على تفشي وباء آخر عُرِف باسم فيروس إنفلونزا الخنازير الذي أصاب ما يقارب أحد عشر مليون شخص حول العالم. تسبب الفيروس المستشري حينها في إلغاء منافسات بطولة اتحاد أميركا الشمالية والوسطى لكرة القدم (كونكاكاف) لمنتخبات الناشئين تحت 17 عاماً، ودورة ألعاب البحر الكاريبي والسباق النهائي لسباقات السيارات السياحية (GPA) في المكسيك. بعدها، انتشر فيروس إيبولا في القارة السمراء عامَي 2014 و2015، وتسبب في نقل نسخة 2015 من بطولة كأس الأمم الأفريقية إلى غينيا الاستوائية بدلاً من المغرب، التي رفضت استضافة البطولة خوفاً من تفشي المرض على أراضيها، كما تحولت عدة ملاعب كرة قدم إلى مراكز لعلاج الوباء حينها. وفي عام 2016، تفشى فيروس زيكا الذي ظهر في البرازيل ناشراً الذعر بين الرياضيين المشاركين في أولمبياد ريو دي جانيرو، واستمرت الدعوات لإلغاء تلك الدورة. أعلنت وقتها منظمة الصحة العالمية أن فيروس زيكا يعد حالة طوارئ صحية عامة ذات أهمية دولية، إلا أنّ الألعاب الأولمبية لم تتوقف لكن غاب عنها عدد من الرياضيين.
آخر الفيروسات «المستجدة» هو كورونا، الذي لم يشهد العالم تأثيراً أشدّ فتكاً منه خلال العقد الأخير. ورغم سرعة انتشاره وإلحاقه الضرر بالأشخاص، استطاع القطاع الرياضي التأقلم معه ولو بدرجات أقل مما حدث مع غيره من الظواهر التي أجلت أو أوقفت بعض الأنشطة.

إجراءات في الدوحة
وللحؤول دون تفشي الأوبئة وضمان الحفاظ على الأمن خلال كأس العالم المقبلة، اتخذت الدولة المستضيفة العديد من الإجراءات الحازمة.
أمنياً، وقّعت قطر عدة اتفاقات مع حكومات وشركات أمن خاصة ومنظمات حكومية دولية لعقد تدريبات وتجارب محاكاة شارك فيها آلاف الموظفين، واستضافت مؤتمراً أمنياً دولياً كبيراً للعمل على أن يكون كأس العالم «أكثر الفعاليات الرياضية في العالم أمناً وسلامة»، بحسب ما قاله قائد عمليات أمن البطولة.
شملت تدابير حفظ الأمن تركيب 15 ألف كاميرا أمنية مزوَّدة بتقنية التعرف على الوجه، واستدعاء مئات المدنيين للخدمة العسكرية الإلزامية من أجل إدارة الحشود عند مواقع التفتيش في الملاعب، إضافةً إلى استثمار 1.1 مليار دولار للحؤول دون أي انتهاك للأمن السيبراني خلال فعاليات البطولة.
تسبّب فيروسا إنفلونزا الخنازير وإيبولا بإلغاء منافسات رياضية كثيرة عامَي 2009 و2014


ووقَّعت قطر مذكرات تفاهم وتعاون مع تركيا وفرنسا والولايات المتحدة والمغرب وباكستان وبريطانيا ودول أخرى، لتوفير المعدات الأمنية والأفراد وتبادل الخبرات، كما أعلنت عن اتفاقات شراكة مع «منظمة الشرطة الجنائية الدولية» (الإنتربول)، و «المركز الدولي للأمن الرياضي» (ICSS)، و «وكالة تطبيق القانون الأوروبية» (اليوروبول).
على الصعيد الصحي، أعلنت اللجنة المنظمة لكأس العالم 2022 عن تعليمات السفر والعودة المتعلقة بفيروس كورونا قبل بداية البطولة. ولن تفرض قطر ضرورة تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا على الجماهير الراغبة بحضور المونديال، لكن على جميع الزوار ممن تبلغ أعمارهم فوق 6 سنوات أن يُبرزوا نتيجة فحص «PCR» سلبية تم أخذ مسحتها خلال مدة لا تزيد عن 48 ساعة من وقت مغادرة بلدهم أو نتيجة فحص المضادات السريع (Rapid Antigen Test) في غضون مدة لا تزيد عن 24 ساعة من وقت المغادرة، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الصحة القطرية.
ستكون الكمامات إلزامية في وسائل النقل العامة وفي المنشآت ولن يخضع الزوار للعزل بصرف النظر عن تلقيهم اللقاح من عدمه أو عن البلد الذي سيأتون منه.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون على جميع الزوار ممن هم فوق الـ18 عاماً تحميل تطبيق «احتراز» على هواتفهم النقالة بمجرد وصولهم إلى قطر، مع ضرورة ظهور شاشة خضراء على التطبيق (تؤكد خلو الشخص من فيروس كورونا) عند الدخول إلى أي مكان عام مغلق.
في حال اكتشاف أي إصابة بالفيروس، «سيخضع المصاب لتدابير العزل الصحي وفق إجراءات الوزارة من خلال العزل 5 أيام ثم ارتداء الكمامة 5 أيام»، وأضاف البيان أنه بإمكان زوار قطر الحصول على خدمات الرعاية الصحية في أي من المستشفيات والمراكز الصحية في الدولة، كما أن الخدمات الصحية للحالات الطارئة والعاجلة في المستشفيات الحكومية ستتوافر «بالمجان لحاملي بطاقة هيّا».