إنه «كلاسيكو الأرض» من جديد، وهذه المرّة بين فريقين يعيشان أفضل حالاتهما هجومياً بعيداً من المشاكل الدفاعية التي ستكون نقطة مفصلية في تحديد هوية الفائز بينهما.ريال مدريد لم يتغيّر عنه في الموسم الماضي، بينما تغيّر برشلونة إلى الأفضل، ولو أن تعثره الأخير أوروبياً أثار بعض علامات الاستفهام، لكن الفريق يبدو مليئاً بأصحاب الإمكانات الاستثنائية التي تسمح له بتكرار ما فعله في الموسم الماضي عندما أنهى 6 مباريات لم يفز بها على غريمه التقليدي بتغلّبه عليه 4-0، من دون أن يمنعه من مواصلة المشوار نحو التتويج باللقب الـ 35 في تاريخه.
اليوم، يجد «البرسا» نفسه في موقفٍ قوي لاستعادة عرش «الليغا»، وهو موقف يمكن أن يعزّزه في حال عودته من العاصمة الإسبانية بالنقاط الثلاث لأنه سيفضّ الشراكة مع «الميرينغيز»، حيث يفصل بينهما حالياً فارق الأهداف فقط.

مباراة مفتوحة مرتقبة
تفاصيل صغيرة ستفصل بدورها بين الفريقين لتحديد هوية الفائز بينهما، وهي تتمحور بين الشق الفني والآخر الإحصائي الذي يمكن أن يوضح الصورة أكثر، لكن التوقعات تشير الى مواجهة قوية ومليئة بالأهداف لن يذهب فيها قطبا الكرة الإسبانية الى اللعب المغلق، ولو أن الحذر ضروري وخصوصاً من جانب الفريق الزائر الذي بدا أنه يعاني مشكلات دفاعية تسبّبت باهتزاز شباكه ثلاث مرات خلال لقاء إنتر ميلانو الإيطالي، مساء الأربعاء، في دوري أبطال أوروبا.
الفريق الملكي يبدو مرتاحاً، فهو حقق الفوز في 7 من أصلِ 8 مبارياتٍ أخيراً في الدوري الإسباني الذي شهد 7 انتصاراتٍ متتالية لبرشلونة أيضاً. لكن الفارق أن الريال بدا صلباً أكثر من «البلاوغرانا» ولو أن الأخير حافظ على نظافة شباكه في آخرِ 6 مبارياتٍ في «الليغا».
خلال هذه المباريات، بدا جليّاً أن نقطتَي القوة الأساسيتين هما الحارس الألماني مارك أندريه تير شتيغن الذي أنقذ الفريق في الكثير من المباريات، والهداف البولندي روبرت ليفاندوفسكي الذي سجل 9 أهداف في 8 مبارياتٍ محلية، وبدا كأنه يلعب مع برشلونة منذ زمنٍ طويل بسبب اندماجه السريع مع المجموعة وفعاليته الرهيبة التي سبق أن أظهرها مع بايرن ميونيخ الألماني ونقلها معه الى كاتالونيا.
الواقع أنه لا يمكن أن يتخايل أحدٌ الفريق الكاتالوني من دون تير شتيغن و«ليفا»، ولو أن برشلونة يملك مفاتيح أخرى سيكون لها دور في القمّة المنتظرة إذا ما ذهب الريال الى اللعب المفتوح.
برشلونة هو من الفرق القليلة في العالم التي يمكنها مجاراة «الملكي» في اللعب المفتوح


وفي هذه النقطة تحكي الأرقام، فقد سجّل ريال مدريد 19 هدفاً حتى الآن مقابل 20 لبرشلونة. وجاءت خمسة من أهداف الريال من كراتٍ ثابتة، وهي نقطة الضعف التي يعانيها خصمه الذي سجل مرةً واحدة من كرةٍ ثابتة، لكنه يتفوّق في اللعب المفتوح الذي سمح له بتسجيل 16 هدفاً مقابل 11 لفريق العاصمة الإسبانية.
وهنا بيت القصيد، إذ إن «البرسا» الذي سجّل ثلاث مرات من هجمات مرتدة مقابل هدفين للريال بهذه الطريقة، ربما يكون من الفرق القليلة في العالم التي يمكنها مجاراة «الملكي» على هذا الصعيد، وهو الذي يخافه عالم الكرة بوجود البرازيليين فينيسيوس جونيور ورودريغو والأوروغوياني فيديريكو فالفيردي. في المقابل، حاول المدرب شافي هرنانديز نسخ التجربة المدريدية لتعويض اهتزاز خط دفاعه، فاستغل لعب أي فريقٍ بدفاعٍ متقدّم أمامه أو مغامرته من دون حساباتٍ لضربه في العمق وبسرعة قياسية، ما يجعل من البرازيلي رافينيا، وأكثر من الفرنسي عثمان ديمبيلي مفتاحين أساسيين في المعادلة الهجومية المنتظر أن تقدّم استعراضاً كبيراً إذا سقطت الرهبة عند اللاعبين الجدد الذين يخوضون أوّل «كلاسيكو»، وإذا ما قدّم خط الدفاع المطلوب، وهو الذي يحتاج الى تعديلات بعدما سقطت فكرة جعله إسبانياً مئة في المئة، وذلك في ظل تواضع مستوى أمثال المخضرم جيرار بيكيه والشاب إيريك غارسيا.

الشباب ضد الخبرة
عنصر الشباب النشيط الذي يرى فيه برشلونة خلاصه قد لا يكون السلاح الأقوى في هذه الموقعة، إذ بكل بساطة يتفوّق الكرواتي لوكا مودريتش والألماني طوني كروس على أيٍّ كان في منتصف الميدان.
صحيحٌ أن برشلونة عاد الى زمن شافي اللاعب وهو الأكثر استحواذاً بنسبةٍ بلغت 66 في المئة في المباراة الواحدة، مقابل 58 بالمئة للريال، فإن نجاح الأخير في التمرير وصل الى رقمٍ رهيب هو 90 في المئة، ما يترك اقتناعاً بأن أي لاعب شاب سيكون الى جانبهما (الفرنسي أوريليان تشواميني أو مواطنه إدواردو كامافينغا)، سيرتقي بلا شك الى مستوى التحدي.
هذا التحدي الذي يبدو غير متكافئ بالنسبة الى المدرّبَين، إذ إن تجربة شافي مدرباً على أعلى مستوى تبدو نقطة في بحر أحد أفضل المدربين الذين مرّوا على تاريخ ريال مدريد وأوروبا وهو الإيطالي كارلو أنشيلوتي.
الأخير يتفوّق ذهنياً بلا شك، إذ تبدو ثقته أكبر بفريقه والدليل أنه لم يعمد الى إجراء تغييراتٍ جذرية عليه هذا الموسم، بينما لا يمكن للاعب الوسط الخلّاق السابق أن يضع كامل ثقته بفريقٍ لم يصل حتى الآن الى صورةٍ نهائية له، لكنّ فوزاً على الريال سيكون بمثابة العملية التجميلية التي ستجعل منه الأحلى على الإطلاق بنظر محبيه.