بالتأكيد مضحك ذاك الساحر البرازيلي الذي توعد قبل ليلة «استاديو مينيراو» التاريخية، اول من أمس، بأن يعطّل «الماكينات الألمانية» حتى يتيح لمنتخب بلاده تحقيق الانتصار. هل أخطأ ساحرنا في تركيب سحره؟ بالتأكيد، اذ إن الصورة في «مينيراو» كانت واضحة مساء الثلاثاء: السحر انقلب على الساحر، وكان الجميع متفقاً بعد المباراة - «المذبحة المونديالية» على ما وصفتها صحيفة «آس» الإسبانية - على أن اللاعبين الذين يرتدون القميص الأحمر والأسود هم من صنعوا السحر في بلاد سحرة الكرة.
هذا السحر بطبيعة الحال كانت خلفه كتيبة منضبطة ومنسجمة من اللاعبين الأقوياء ذهنياً وبدنياً، الذين لا يكلون ولا يملون من الجري مع او من دون كرة، ويتميزون بالأداء الجماعي، لكن هذا لا يمنع من وجود لاعبين ممتازين بالمهارات والكفاءة الفردية، التي وظفها المدرب يواكيم لوف على نحو مميز لخدمة المجموعة، والخروج بهذا المظهر البهيّ. ولعل اللافت أن هؤلاء العناصر المنتشرين في كافة الخطوط، كانوا الأكثر ثباتاً - بخلاف مباراة الثلاثاء، التي برز فيها الجميع - في المستوى في مجمل البطولة وهم، بحق، من نجوم هذا المونديال.
البداية بطبيعة الحال مع الحارس مانويل نوير، إذ يمكن القول إن ملاعب البرازيل أظهرت بالكامل المقدّرات الرهيبة التي تختزنها موهبة حارس بايرن ميونيخ، ونصبته ملكاً على حراس المرمى في العالم. هذا ما يُجمع عليه النقاد، وما ذهب إليه مواطنه العملاق أوليفر كان، اذ صحيح أن النسخة البرازيلية من كأس العالم تميزت بـ «ظاهرة» تألق الحراس، إلا أن نوير يبقى الأكثر ثباتاً، وتحديداً القوة في الشخصية.

يملك «المانشافت» مهارات فردية
صنع الفارق
ومن الحراسة الى الدفاع، ونجمه الأول في هذا المونديال، ألا وهو ماتس هاملس، صاحب الرقم 5 التاريخي الذي ارتداه «الأسطورة» فرانتس بكنباور. فمن يشاهد هاملس لا يمكن الا ان يعود بالذاكرة إلى «القيصر»، من خلال قوته الدفاعية المذهلة، وإجادته أداء دور «الليبرو»، كالهجمة التي قادها في الهدف الثالث أمام البرازيل، فضلاً عن تسجيله الأهداف حيث يملك هدفين حتى الآن في البطولة، ثانيهما كان حاسماً امام فرنسا في ربع النهائي، إضافة إلى أناقته في اللعب وهدوئه وذكائه في ايصال الكرة الى زملائه، حيث يجدر بالذكر هنا ان نسبة نجاح تمريراته في البطولة وصلت الى 81،5 %. أما اللافت فهو أنه لم يرتكب سوى 4 أخطاء على المنافسين، وهذا الرقم الأخير يختصر كفاءته الدفاعية ومدى إجادته التدخلات «النظيفة»، التي تفيد فريقه. ويكفي القول إن مباراة الجزائر التي غاب عنها مدافع بوروسيا دورتموند، أظهرت مدى ثقله في التشكيلة الألمانية، حيث اضطر خلالها نوير الى أداء دور «الليبيرو»، والخروج من مرماه لقطع الكثير من الكرات الخطيرة.
ومن الدفاع الى الوسط، و«ملكه» في هذا المونديال: طوني كروس. صدقوا ان لاعب وسط بايرن ميونيخ مرر حتى الآن 498 كرة، الكثير منها كان كرات سانحة للتسجيل، إضافة الى تمتعه بذكاء حاد وقوة بدنية مميزة، تجعله قادراً على كسب الجل الأكبر من الالتحامات مع الخصوم، فضلاً عن قراءته الذكية للعب، التي يترجمها بتلك التمريرات الطويلة والصائبة من الميمنة إلى الميسرة، او بالعكس، والتي يخفف بها الضغط عن منتخبه، ويفتح منفذاً هجومياً مفاجئاً على الخصوم، وهذا ما رأيناه في العديد من المناسبات، لتأتي مباراة البرازيل وتتوج مجهود هذا النجم بهدفين رائعين، وتمريرات أروع جعلته أفضل لاعب في هذه الموقعة التاريخية.
ومن الوسط الى الهجوم، حيث يختتم توماس مولر النجومية الفردية في التشكيلة الالمانية. فقد أظهر «المدفعجي» الجديد عن شخصية مرعبة للمدافعين والحراس في هذا المونديال، من خلال حاسته التهديفية الرهيبة، وتحركاته الذكية، التي جعلت رصيده 5 أهداف في البطولة حتى الآن، حيث لا تزال الفرصة أمامه لمعادلة او تخطي النجم الكولومبي جيمس رودريغيز صاحب 6 أهداف.
في حقيقة الأمر، يبدو كأن التاريخ يعيد نفسه في المنتخب الألماني بين جيل مونديال 2014 وجيل مونديال 1974، إذ إن نوير يمكن تشبيهه بسيب ماير، اما هاملس، فهو «بكنباور الجديد»، بينما تذكرنا مهارات كروس، بتلك التي كان يملكها وولفغانغ أوفيراث، والى مولر الوريث الشرعي لـ «ابن العائلة» غيرد مولر.
تبقى فقط الكأس الذهبية يوم الأحد في ملعب «ماراكانا» في ريو دي جانيرو، حتى يكتمل المشهد كما كان عليه في ملعب «اولمبيا شتاديون» في ميونيخ عام 1974.