لا يقتصر الصراع القاسي في كأس العالم 2014 على اللاعبين الموجودين على المستطيل الأخضر. بل إن هذا الأمر يتعداهم إلى صراعاتٍ أخرى ترتبط بهم من دون أن نتابعها مباشرة على غرار ما نتابع المباريات. وقد يعتقد كثيرون أن اللاعبين هم الفائزون بكل شيء في نهاية المطاف، من شهرة ومجد وأموال وغيرها. لكن يتبيّن أنّ هؤلاء اللاعبين ومنتخباتهم ـ بمكانٍ ما ـ هم مجرد أدوات لحدثٍ يحصد كثيرون منه أرباحاً مخيفة في قطاعات مختلفة.
واللافت أن هؤلاء اللاعبين، في خضم ركضهم خلف الكرة وتمريرها وتسديدها، ينصب مجهودهم إيجاباً بعيداً من الشباك التي تحمل إليهم أجمل اللحظات. فهناك، في مكانٍ بعيد عنهم، يجلس رؤساء شركات ومديرون تنفيذيون يحصون الأرباح والأموال التي يحصدونها من جراء لمعان هذا النجم أو ذاك أو أي من المنتخبات الـ 32 التي كانت في المونديال.

إذاً، اللاعبون ليسوا وحدهم على أرض الملعب، أو ـ إذا صح التعبير ـ ليسوا الرابح الوحيد. وفي هذا الإطار يمكن أخذ شركتا «أديداس» و«نايكي» لصناعة التجهيزات الرياضية، مثالاً صارخاً على الأعمال التجارية الناجحة، وذلك من خلال توظيف هؤلاء النجوم لديهما بغض النظر عن المبالغ الهائلة التي تدفع لهم.
منذ اللحظة الأولى لنهاية مونديال 2010، دخلت كلٌّ من «أديداس» و«نايكي» في سباقٍ لكسب أكبر قدر من النجوم والمنتخبات والأندية، وذلك ضمن تنافسهما للسيطرة على الأسواق العالمية المختصة بهذا القطاع الذي يشهد إقبالاً هائلاً.
ومع وصول ألمانيا والأرجنتين (أديداس) وهولندا والبرازيل (نايكي)، إلى الدور نصف النهائي، انطلق الصراع من جديد بين المصنّعين الألماني والأميركي، حيث يريد كلٌّ منهما مطابقة الشعار الذي أطلقه عشية انطلاق المونديال، ويتمثّل بالحصول على كل شيء. وكل شيء بالنسبة إليهما يكون عبر وصول منتخبين يرعيانهما إلى المباراة النهائية، لما في الأمر من رمزية كبيرة، ولما فيه من فائدة تجارية كبيرة.
ولا يبدو خفياً أن «أديداس» و«نايكي» تسيطران على السوق الرياضي حول العالم بنسبة 70%. ورغم سيطرة «نايكي» عبر عائدات البيع بـ 25 مليار دولار سنوياً مقابل 20 ملياراً لـ«أديداس»، فإن الأخيرة تتفوق على منافستها على صعيد كرة القدم بـ 500 مليون دولار من الأرباح سنوياً بفعل رعايتها لأكبر الأندية الأوروبية وأهم المنتخبات والنجوم.
وبالفعل، حاولت «نايكي» مجاراة «أديداس» منذ مدة، ولهذا السبب كانت قد أوعزت إلى الاتحاد البرازيلي بمنح نيمار القميص الرقم 10 بدلاً من الرقم 11 الذي اعتاد ارتداءه عندما بدأ مشواره مع «السيليساو»، وذلك لكي تضعه في مواجهة الرقم 10 الأشهر عند «أديداس»، أي النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي. وما يحصل يمكن وصفه بالحرب الباردة بين المعسكرين حيث يعمل كلٌّ منهما على جمع أكبر عددٍ ممكن من نجوم المستديرة إلى جانبه لكي يكون لديه أدوات تسويقية أقوى.
وفي الوقت الذي ترعى فيه «نايكي» 10 منتخبات في المونديال الحالي، مقابل 9 منتخبات لـ«أديداس»، فإن قميصَي المنتخبين الألماني والأرجنتيني كانا قد أصابا مستوى جنونياً في المبيعات حتى أواخر الشهر الماضي، بلغ مليوني قميص بالنسبة إلى «المانشافت» وحده. وهذه المسألة تشكل ضربة أخرى لـ«نايكي» التي أبهرت بإعلاناتها الخاصة بالمونديال، وخصوصاً أن «أديداس» كانت شريكة للاتحاد الدولي منذ مونديال 1970، وهي حاضرة في كل مباراة عبر الكرات المعتمدة في كل المباريات. وهذه الشراكة لن تفك قبل عام 2030 مقابل نحو 70 مليون دولار تدفعها الشركة الألمانية إلى «الفيفا» كل أربع سنوات.
مبلغ كبير، تدفع «أديداس» و«نايكي» مثله وأكثر بشكلٍ متواصل، إذ إن ميسي وحده يحصل من الأولى على 3.34 مليون دولار سنوياً لمجرد ارتدائه الحذاء الخاص بها، بينما يحصل اتحاد بلاده على 11 مليوناً في السنة، مقابل 37 مليوناً يحصل عليها الاتحاد الألماني.
أرقام مذهلة، لكنها تعكس من دون شك حجم «البيزنس» الرهيب في عالم كرة القدم، ومدى الأرباح الخرافية التي تهطل على الشركات الراعية في بطولةٍ مثل كأس العالم.