قبل سبع سنوات تماماً اتُّخذ القرار: كرة السلة الأوسترالية إلى آسيا. قرارٌ أسعد في تلك اللحظة العديد من محبّي اللعبة الذين رأوا فيه فرصةً لمشاهدة نجومٍ كبار ينشطون في أهم دوري في العالم أي الدوري الأميركي للمحترفين.لكن الأوستراليين كان لديهم أفكاراً أخرى، فهم لم يرسلوا يوماً نجوم دوري العمالقة لمواجهة المنتخبات الآسيوية، ولا يكترثون أصلاً إذا ما فازوا بلقب البطولة القارية التي أحرزوا آخر نسختين منها، إذ إن لديهم حسابات مختلفة تماماً وأبعد من الملاعب.
تلك الملاعب الآسيوية لم يقصدها الأوستراليون سعياً إلى رفع مستوى منتخبهم، إذ يكفيهم أن نجومهم الكبار يلعبون في دوري العمالقة الأميركي، وبالتالي يأتون إلى أي بطولةٍ وهم في جهوزيةٍ تامة للصعود إلى منصة التتويج، وهو ما ثبُت في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية الأخيرة عندما أحرزوا الميدالية البرونزية مؤكدين أحقيّتهم بالوقوف في المركز الثالث على لائحة ترتيب المنتخبات العالمية.

تستفيد أوستراليا من وجودها في آسيا رياضياً أكثر من استفادة الآسيويين منها

العودة إلى عام 2015 تكشف القصة كاملة، إذ إن رجل الأعمال المعروف بأب نهضة كرة السلة الأوسترالية وتجديدها، لاري كستلمان، دفع وغيره من المستثمرين كثيراً من أجل نقل بلاده إلى آسيا، والسبب هو تجاري بحت.
عامذاك اعتقد الآسيويون أنهم سيستفيدون من الأوستراليين. هو أمرٌ صحيح إذا ما توقفنا عند مسألة الاحتكاك بمستوى فني عالٍ لمنتخبٍ يقدّم دائماً مواهب مميّزة تنتظر شقّ طريقها إلى العالمية. لكن الواقع أن الاستفادة التجارية كانت لأوستراليا أكثر منها لآسيا إذا ما قارنا بين السوقين المعنيين.
هدف كستلمان وجماعته كان غزو الأسواق الآسيوية، من الصين حيث تنافس شعبية كرة السلة نظيرتها كرة القدم، إلى الفليبين حيث تعدّ اللعبة الشعبية الأولى، وكوريا الجنوبية وإندونيسيا ووصولاً إلى سنغافورة، وهو أمر كان واضحاً عندما عملوا على فتح الباب أمام مشاركة فريق سنغابور سلينغرز السنغافوري في الدوري الأوسترالي في موسم 2006-2007، لكنه سرعان ما انسحب منه عام 2008.
تلك الخطوة كانت مقدّمة لخطوات جذب الآسيويين إلى السوق الأوسترالي، والهدف هو إدخال الرعاة والمستثمرين منهم وأيضاً بيع حقوق النقل التلفزيوني الخاصة بالبطولة المحلية، فكان العمل الحثيث على استقدام لاعبين آسيويين وتوزيعهم على الفرق وأبرزهم حالياً لاعب ارتكاز المنتخب الصيني زو كي الذي يدافع عن ألوان ساوث إيست ملبورن فينيكس.
ببساطة يعمل الأوستراليون على نسخ التجربة الأميركية التي جذبت الأسواق الآسيوية إليها، إذ كان يكفي أن يضم أحد فرق الـ NBA لاعباً صينياً مثلاً لتصبح كل الصين مهتمة بالدوري، وهو ما عرفه عالم كرة السلة في حالة النجم السابق ياو مينغ الذي أصابت عملية بيع قمصانه في متاجر الدوري الأميركي المنتشرة في كل المقاطعات الصينية أرقاماً قياسية وغير مسبوقة، وذلك في موازاة تمسّك فريق هيوستن روكتس به وحرصه على القيام بجولاتٍ سنوية في بلاد المليار ونصف نسمة، وقد سار على خطاه العديد من الفرق الأميركية الأخرى.
أما النتيجة النهائية فكانت «لا» لاعبي NBA في المشاركتين الأوستراليتين في بطولة آسيا، ولا منتخباً آسيوياً قادراً على إسقاط «البومرز»، ولا أمل لأي منتخبٍ أقلّه في المستقبل القريب لإزاحة المنتخب الأوقياني القوي عن «العرش الآسيوي المحتل».

كرة القدم خاسرة أيضاً
في كرة القدم كانت قصة انتقال أوستراليا إلى آسيا مختلفة تماماً. هنا يمكن القول أن في هذه النقلة إفادة فنيّة للمنتخب الأوسترالي لسببٍ بسيط أنه كان يتدرّب بالمنتخبات الضعيفة التي يواجهها في قارته من دون أن يجد منافسة حقيقية سوى بشكلٍ نسبي من نظيره النيوزيلندي.
قبل عام 2006 وهي السنة التي انضمت أوستراليا في مطلعها رسمياً إلى الاتحاد الآسيوي للعبة، حاول اتحادها الحصول على الضوء الأخضر بشأن هذه الخطوة من دون أن ينجح فيها، لكن همساً في الكواليس ربط بين حصول ألمانيا على شرف استضافة كأس العالم في السنة المذكورة وبين نقل «السوكروز» إلى آسيا. لكن كيف؟
يذكر كثيرون اسم تشارلي ديمبسي (توفي في عام 2008). هو الرجل المثير للجدل الذي شغل منصب أحد أعضاء اللجنة التنفيذية في «الفيفا» والتي صوّتت على ملفات الترشيح لاستضافة مونديال 2006. صوت ديمبسي الذي غاب عن الجولة الأخيرة من التصويت رجّح كفّة ألمانيا على جنوب أفريقيا بواقع 12 صوتاً مقابل 11. وقتذاك كان من المفترض أن يدعم النيوزيلندي البلد الأفريقي بعد خروج إنكلترا من السباق إلى الاستضافة، لكنه تجاهل الموضوع، فأصبح المتهم الأول بعدم نيل جنوب أفريقيا شرف الاستضافة.
ما حصل بحسب مصدرٍ عاش المرحلة كان مؤامرة لا مجرد لعبة تصويت، إذ إن ديمبسي خدم بلاده أوّلاً، فنيوزيلندا نسيت طعم التأهل إلى كأس العالم منذ عام 1982 حيث كانت مشاركتها الأولى والوحيدة. أما السبب فهو سيطرة أوستراليا على كرة القدم الأوقيانية، وبالتالي كانت الاتفاقية التي كان «عرابوها» وجوهاً آسيوية معروفة وحليفة لرأس الحربة في اللجنة المنظمة للمونديال الألماني «القيصر» فرانتس بكنباور، وتقضي بالموافقة على نقل أوستراليا إلى آسيا مقابل ذهاب تعاون ديمبسي بما يتناسب مع مصلحة الملف الألماني، وهو ما حصل بعيداً من ما حكي قبل سبعة أعوام عن رشى وشراء أصوات. أما النتيجة فكانت سريعة: نيوزيلندا تتأهل إلى كأس العالم 2010 وتساهم بإقصاء إيطاليا من الدور الأول!
مؤامرة آسيوية - ألمانية نقلت أوستراليا إلى آسيا


بطبيعة الحال، وكما في كرة السلة خسر الآسيويون هنا وانزعج كثيرون منهم من الوجود الأوسترالي الذي دأب على خطف بطاقةٍ مونديالية منهم، ولو أن في هذه النقلة حسنة للكرة الآسيوية بالنظر إلى الاستفادة من الاحتكاك مع منتخبٍ ينشط غالبية لاعبيه في كرة القدم الأوروبية. أضف إلى أن السوق الأوسترالي انفتح أكثر على آسيا تجارياً فارتفعت القيمة المالية للمباريات التي يكون الأوستراليون طرفاً فيها.
باختصار، قد تكون أوستراليا ضيفةً مفيدة أو ثقيلة، لكن الأكيد أنها مزعجة بالنسبة إلى كبار آسيا في كرة القدم وكرة السلة على حدٍّ سواء، ما يجبر هؤلاء على رفع مستوى تحديهم لأنفسهم من أجل الارتقاء إلى مستوى منتخباتها وانتزاع صفة البطولة الدائمة منها.