حقّق لبنان فوزاً روتينياً على الهند في بطولة آسيا لكرة السلة الأسبوع الماضي. لبنان «الصغير» بحجمه وعدد سكانه يفوز على بلدٍ يُقدّر عدد سكانه بمليار و380 مليون نسمة.هنا يتبادر إلى الذهن سؤال فوري، مفاده كيف لبلدٍ بهذا الحجم الصغير التفوّق على من يفوقه حجماً وطبعاً قدرةً اقتصادية، وكيف يمكن لبلدٍ لديه هذا الكمّ الهائل من السكان ألا يجد خمسة لاعبين جيّدين لخلق فريقٍ سلّوي قوي؟
الإجابة بسيطة لأن النجاح السلوي لا يرتبط بعدد سكان البلد أو بأكثر رياضة يمارسها هؤلاء أو بعدد الملاعب والأندية ولا حتى في بعض الأحيان بالبنية الجسدية للشعب.
أسبابٌ مشتركة لنجاحات دولٍ صغيرة جغرافياً وديموغرافياً في عالم كرة السلة (الأخبار)()

البعض قد يتفق مع هذا الكلام والبعض قد يناقشه، لكنّ أمثلةً صارخة حول بلدانٍ صغيرة مثل لبنان فرضت نفسها عالمياً في عالم «الباسكت» وباتت رقماً صعباً فيها ومصدرةً للنجوم الكبار إلى البطولة الأقوى أي الدوري الأميركي للمحترفين، ولعلّ ليتوانيا وسلوفينيا هما المثال الأوضح حول هذه القضية، وأسباب نجاحهما في المستديرة البرتقالية تفسّر كل شيء.
هذان البلدان اللذان خرجا من كنف الاتحاد السوفياتي لم يشدّا انتباه العالم إليهما سوى من خلال كرة السلة، ولو أن سلوفينيا تخطّت ليتوانيا على صعيد النجاحات الرياضية في ميادين مختلفة، منها كرة القدم انطلاقاً من الألفية الجديدة عندما تأهّلت إلى كأس أوروبا 2000 ومن ثم إلى كأس العالم مرتين عامي 2002 و2010. وفي موازاة الاطّلاع على الأرقام التي تقول إن عدد سكان ليتوانيا هو مليونان و750 ألف نسمة، وعدد سكان سلوفينيا هو مليونان و100 ألف نسمة، يتبادر سريعاً السؤال الآتي: كيف لهاتين الدولتين التحوّل إلى قوتين عظيمتين في عالم كرة السلة، حيث تحتل الأولى المركز التاسع في تصنيف الاتحاد الدولي للعبة، والثانية المركز الرابع على اللائحة؟

وراثة في ليتوانيا
قصة نجاحات ليتوانيا في كرة السلة تعطي فكرةً عن أسباب نجاح لبنان في هذه اللعبة. وهنا الحديث عن الإرث والاستمرارية، بمعنى أن هذه الرياضة تحوّلت إلى «ديانةٍ ثانية» في البلاد بحسب ما يُقال هناك لسببٍ بسيط، هو أن الأجيال توارثتها منذ بداية القرن الماضي.
هو فعلاً التاريخ، إذ إن أي ليتواني يمكن أن يخبر قصة تفوّق بلاده على هذا الصعيد، والتي بدأت عندما تعرّف الشعب إلى كرة السلة في عشرينيات القرن الماضي بمساعدة من مواطنين أميركيين يحملون أصولاً ليتوانية، فكان النجاح السريع عندما فاز المنتخب الليتواني ببطولة أوروبا عام 1937. هذا اللقب شكّل مفترق طرق لأن الآباء بدأوا يشجعون أبناءهم على ممارسة اللعبة، والأجداد يطلبونها كوصيّة من أبنائهم من أجل دفع أحفادهم باتجاهها، فولدت بالتالي الاستمرارية التي خلقت أوتوماتيكياً نظاماً سلويّاً عاماً في البلاد، إذ أصبحت الحصص الرياضية في الكثير من المدارس عبارة عن لعب كرة السلة ولا شيء سواها!
لنأخذ مثلاً ملموساً حول هذه الظاهرة، وهو «الأسطورة» المحلية أرفيداس سابونيس الذي لمع في الدوري الأميركي في منتصف التسعينيات وحتى مطلع الألفية، وها هو نجله دومانتاس يسير على خطاه في أيامنا هذه.
مشهدٌ قديم يعكس مشهداً حالياً نلمسه في لبنان، حيث تغزو اللعبة المدارس والجامعات التي تنظّم بطولات جديّة تحظى بمتابعة جماهيرية، في وقتٍ يفضّل فيه الأهالي أن يمارس أولادهم هذه اللعبة على حساب رياضات أخرى بعدما لمسوا أنها يمكن أن تؤمّن لهم مصدر عيشٍ وبحبوحة.
ليتوانيا وسلوفينيا نموذجا نجاح سلّوي يشبه واقعنا اللبناني


في ليتوانيا تحوّلت كرة السلة إلى أداة انتصارٍ ذاتي، تماماً كتلك الأداة التي استخدمها المنتخب اللبناني في خضمّ حرب تموز 2006 خلال مشاركته في كأس العالم، وأيضاً تلك التي يستخدمها حالياً منتخبنا للانتصار على الوضع الصعب الذي ترزح تحته البلاد وإعطاء الشعب أملاً جديداً. هو الأمل نفسه الذي بحثت عنه ليتوانيا من خلال كرة السلة خلال الفترة السوفياتية، حيث اعتبرها السكان المحليون أداةً لمحاربة «فريق الظالم» كما أسموه وهو نادي سسكا تحديداً، فكان نادي زالغيريس كاوناس محرّك معركتهم التي حوّلت الشوارع إلى صحارى خالية خلال كل مباراة مع الضيف العدو.
طبعاً لم يكن هذا النجاح ليحصل لولا وجود الموهبة الفطرية لدى اللاعبين الليتوانيين، والتي ترافقت مع ظهور جيلٍ يتمتع ببنيةٍ جسمانية رهيبة أوصلت الكثيرين منه إلى الـ NBA، ولو أن هذه النقطة قد لا تكون حاسمة في ما خصّ النجاحات وإلا لكان «الفايكينغ» النرويج أو تلك البلدان التي تولّد رجالاً بأجسامٍ ضخمة أبطالاً للعالم بشكلٍ دائم. باختصار ليتوانيا يمكن تشبيهها بالبرازيل في كرة القدم، إذ إن الحمض النووي لمواليدها مجبول بكرة السلة، والنتيجة كانت ميداليات في كل البطولات، وعلى رأسها 3 ألقاب في «اليورو باسكت».

تحدّي الذات في سلوفينيا
هذه الميزة نفسها ظهرت في سلوفينيا التي قدّمت رياضيين أولمبيين أبطالاً خلال الحقبة اليوغوسلافية لا بل إن قائد منتخب يوغوسلافيا (إيفو دانو) الفائز ببطولة العالم لكرة السلة عام 1970 كان سلوفينياً.
لكن ما عزّز كرة السلة هو وجود الأرضية الجيّدة للنمو، بمعنى أن اللعبة حظيت باهتمام أصحاب رؤوس الأموال فأصبحت الدورة الاقتصادية قوية فيها، وتمكّنت من الحفاظ على مستواها المالي رغم أن البلاد لا تُعتبر من الأغنى في أوروبا أو لديها قدرة إنتاجية - اقتصادية بالمليارات. الأمر عينه تجده في لبنان الآن إذ رغم الأزمة وانخفاض منسوب الصرف في السوق السلوي بقيت اللعبة جاذبة للمستثمرين، فعاد أخيراً «الفريش دولار» إليها ومعه عاد النجوم المحليون إلى الساحة وتالياً سيعود العنصر الأجنبي كاملاً ابتداءً من الموسم المقبل.
بطبيعة الحال، العودة إلى سلوفينيا التي تُوّجت بطلة لأوروبا قبل 5 أعوام، تكشف عن أهمية الرياضة عامةً بالنسبة إلى سكان البلاد حيث يحظى الرياضيون بالاحترام، ويوجد نظام دعم مؤسّسي واسع النطاق ومستقر نسبياً من خلال مثلث الدولة، الاتحادات الرياضية والأندية، أوصل النجم لوكا دونتشيتش في سنّ الـ 13 إلى ريال مدريد الإسباني ليصبح اليوم أحد أبرز نجوم دوري العمالقة مع دالاس مافريكس.

فرض لبنان نفسه رقما صعبا في كرة السلة الآسيوية بعد ان هزم كبار القارة


أما الدافع الأول للنجاح فهو ما يمكن أن يجعل أي دولة صغيرة كبيرة في كرة السلة أو غيرها، إذ تؤكد مصادر عدة أن ممارسة السلوفينيين للرياضة لا يهدف غالباً إلى كسب المال، فهم بطبيعتهم يعملون بجدّ ولديهم الدافع لإثبات شيء ما لأنفسهم أو لجيرانهم، وذلك انطلاقاً من طموح جارف يدفع الأهالي إذا لزم الأمر إلى تأمين الدعم المادي لأبنائهم من أجل الاستمرار في الرياضة التي باتت جاذبة للمستثمرين الهادفين إلى المساهمة في حصد النجاحات العالمية عبر الرياضات الفردية أو الجماعية.
إذاً هو الإرث، والثقافة المجتمعية، والذهنية البشرية. ثلاثة أسباب للنجاح، والثلاثة باتت لزاماً لكرة السلة اللبنانية السائرة مجدّداً نحو العالمية، وهي مسألة لا تدعو للاستغراب بحُكم معرفة تاريخ وواقع اللعبة في بلادنا، وبعد سرد قصة النجاح المستمرّة للنموذجين الليتواني والسلوفيني.



مواجهة صعبة مع الصين


يواجه منتخب لبنان لكرة السلة الساعة (16:00 عصر اليوم بتوقيت بيروت) نظيره الصيني في ربع نهائي كأس آسيا التي تستضيفها إندونيسيا. ومع انتهاء الدور الأول، صُنّف المنتخب اللبناني في المركز الأول من بين الدول الآسيوية المشاركة في البطولة متقدماً على أستراليا الثانية وكوريا الجنوبية الثالثة وإيران الرابعة ونيوزيلندا الخامسة، بفضل أدائه الرفيع في مبارياته الثلاث ضمن الدور الأول وضمن معايير فنية محددة.
ويستفيد لبنان اليوم من نجمه علي حيدر الذي التحق أخيراً بالمنتخب بعد أن غاب عن مباريات الدور الأول بداعي الإصابة بفيروس كورونا.