مذهلة، لا شك، هي المفاجآت التي حققتها منتخبات الصف الثاني أو الثالث في العالم في مونديال البرازيل، ورائعة هي المباريات التي كانت فيها هذه المنتخبات طرفاً، لكن يبقى للمواجهات بين الكبار نكهة خاصة ورونق مختلف. موقعة الكبار موعدها اليوم عندما تصطدم «الماكينات» الألمانية بـ«الديوك» الفرنسية. وبطبيعة الحال، إن لقاء المنتخبين في الدور ربع النهائي للمونديال، وعلى ملعب «ماراكانا» التاريخي، يزداد أهمية وحماوة.
إذاً، نحن اليوم أمام موقعة كلاسيكية نارية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ويتداخل فيها التاريخي، عبر المواجهات السابقة بين المنتخبين، بالجغرافي من خلال الجيرة بين البلدين وصراعهما السياسي والثقافي والاقتصادي على ريادة القارة الأوروبية.
ما بدا لافتاً في الأيام والساعات الأخيرة هو الأجواء التي يعيشها الفرنسيون قبل اللقاء. فالقارئ للصحف والمواقع الفرنسية لا بد أن يلمس تهيباً هناك من المنتخب الألماني الذي كانت له الغلبة دائماً عليهم، وذلك من خلال استعراض تاريخ «المانشافت» وقوته في بطولة كأس العالم وتاريخ مواجهاته مع فرنسا وحاضره ونجومه، وطبعاً وقبل كل ذلك، استعادة لقطة التدخل العنيف لهارالد طوني شوماخر على باتريك باتيستون في نصف نهائي مونديال 1982، التي أطلق فيها الفرنسيون مذ ذاك لقب «جزّار إشبيلية» على الحارس الألماني. صحيفة «فرانس فوتبول» الشهيرة استعرضت تفوق «المانشافت» على «الديوك» منذ مونديال 1982 على صعيد المنتخب والاندية المحلية، وفي تقرير آخر لها تساءلت: «إذاً، من هو الأقوى؟»، معتبرة أن المستوى هذه المرة شديد التقارب من خلال مقارنتها بين اللاعبين الألمان والفرنسيين في مختلف الخطوط.

ستدار «أم العارك»
في وسط الملعب بين أهم النجوم

أما صحيفة «ليكيب»، فقد أجرت استطلاعاً لقرائها حول من هو الأفضل، فحصلت ألمانيا على نسبة 51% من الأصوات مقابل 49% لفرنسا، وذلك استناداً الى قوة الحارس مانويل نوير والحلول الموجودة لدى يواكيم لوف على مقاعد البدلاء وخبرة اللاعبين في هذه البطولة، وهذا ما يعطيهم الأفضلية النسبية، حسب المستطلعين الفرنسيين.
أما من جانب الألمان، فبدا لافتاً التعاطي «باستعلاء» مع المباراة، حيث أخرجت صحفهم ومحطاتهم التلفزيونية ما «يسرّ» خاطر الفرنسيين من «أسطورتي» الحراسة، اوليفر كان، وتحديداً (أو قل استفزازاً) شوماخر، حيث قلل الأول من شأن منتخب «الديوك»، قائلاً في حديث لمحطة «زد دي أف»: «إنه (منتخب فرنسا) ليس منتخباً كبيراً، وهو أبعد ما يكون عن ذلك»، معتبراً أن الفرنسيين «بدوا ضعفاء جداً أمام نيجيريا». أما صحيفة «بيلد»، فنقلت عن شوماخر قوله: «أتوقع نتيجة اثنين لواحد، أتوقع أن نفوز على الفرنسيين».
التاريخ مهم طبعاً ومؤثر، وما يقال هنا ويُرَد عليه هناك له مفعوله أيضاً، لكن تبقى الكلمة الأخيرة للاعبين على أرض الميدان. القول بأن فرنسا لم تظهر أمام نيجيريا كما كان عليه حالها في دور المجموعات تحديداً امام سويسرا (5-2) حيث انتظرت الدقائق الأخيرة لحسم التأهل، وبأن ألمانيا بدت شبحاً امام الجزائر لمنتخبها الذي اكتسح البرتغال في المباراة الأولى 4-0، فإن هذا الأمر لن يقلل، قطعاً، من شأن مواجهة اليوم، اذ إن لهذه المباراة ظروفها وحيثياتها التي تتخطى كل المعايير، وكيف اذا كانت في ربع نهائي المونديال، وفي ملعب «ماراكانا»؟
ما يبدو واضحاً أن الطرفين، وتحديداً الألمان، يسعيان لمحو الصورة المخيبة الأخيرة، وهذا، لا شك، سيزيد من ندية المواجهة وحماستها. وما يبدو واضحاً أيضاً ان المباراة ستكون تكتيكية بامتياز بإدارة المدربين يواكيم لوف وديدييه ديشان. واذا كان الثبات في التشكيلة ونوعاً ما في المستوى ما ميّز «الديوك» حتى الآن، فإن أسئلة كثيرة بانتظار أن يجيب عنها «يوغي» اليوم وما اذا كان سيخسر مجدداً - بيده - ورقة فيليب لام في مركز الظهير الأيمن، وخصوصاً بعد تصريح قائد «المانشافت» السابق، ميكايل بالاك، الذي اعتبر فيه أنه اذا عاد لام الى مركز الظهير فإن ألمانيا «ستحرز اللقب»، وهل سيجدد الثقة بـ«الكسول» مسعود اوزيل أم سيعتمد على النشيط اندريه شورله؟
وبطبيعة الحال، إن «ام المعارك» بين الطرفين ستكون في وسط الملعب حيث تزخر صفوف الاثنين بخيرة النجوم، وبالتأكيد فإن الأعين ستكون مركزة على المهاجمين كريم بنزيما، من جهة فرنسا، وتوماس مولر، من جهة ألمانيا، نظراً إلى خطورتهما في هذا المونديال وتأثيرهما الكبير في منتخبيهما وامتلاكهما كلمة الحسم.
اذاً، ألمانيا من هنا وفرنسا من هناك، وبينهما 90 دقيقة و«ماراكانا» وشاطئ كوباكانا وحلم الكأس الغالية، وبعدها، بالتأكيد، دمعة وفرحة: إما لباريس أو لبرلين.