تغيّر مفهوم الموسم التحضيري خلال السنوات القليلة الماضية. لم تعد حدود الدوريات كافية بالنسبة للأندية، بل أصبحت «اختبارات اللياقة البدنية» تقام بمعظمها «خارج الديار». تشهد على ذلك الجولات التحضيرية لفرق إنكلترا، حيث رست الأندية الستة الكبرى أخيراً ضمن بلدانٍ مختلفة لتحصيل فوائد متباينة.افتتح مهاجم آرسنال الجديد غابرييل خيسوس (جاء من مانشستر سيتي مقابل 45 مليون جنيه إسترليني) رصيده من الأهداف مع آرسنال بعد أن سجل هدفين في أول ظهور غير رسمي له مع النادي في فوزه (5-3) على نورمبرغ.
من جهته، حط الجار اللندني تشيلسي رحاله في الولايات المتحدة (موطن مالكه الجديد) وهو يطمح لأن تشهد الجولة التحضيرية على الظهور الأول للوافد الجديد رحيم ستيرلينغ. أما توتنهام، فقد عانى لاعبوه الأمرّين خلال حصة تدريبية شاقة استمرت ساعتين في أجواء شديدة الحر بالعاصمة الكورية سيول.
ولعل أبرز ما يُنتظر خلال التحضيرات هو الظهور الأول لمهاجم مانشستر سيتي إيرلينغ هالاند الذي سافر إلى أميركا بهدف لعب مباراتين استعداداً للموسم الجديد، في حين أن المباراة الأكبر كانت من نصيب مانشستر يونايتد ضد ليفربول والتي انتهت بفوز الأول عصر يوم أمس في تايلاند بنتيجة (4 ـ 0).
الأهداف من هذه المباريات والجولات كثيرة، إلا أن المستفيد الأكبر هي الإدارات التي تحقق أرباحاً كبيرة من التسويق مقابل تهديد اللاعبين بالإصابات.

عقود الرعاية
يعد الموسم التحضيري نموذجاً تجارياً في عالم كرة القدم الحديث وفرصةً تسويقية مهمة لزيادة وصول العلامة التجارية إلى أقصى حد في الخارج، حيث يكرس كل ناد فصل الصيف من أجل استقطاب المزيد من المشجعين في جميع أنحاء العالم، وبيع أكبر كمية من المتعلقات الخاصة بالنادي وعلى رأسها القمصان.
تعكس الأرقام بشكلٍ أوضح أهمية هذه الأسواق، إذ سبق وأن حصدت أندية الدوري الإنكليزي الممتاز عام 2015 عائدات بقيمة 500 مليون جنيه استرليني من السوق الآسيويّة، وهي جزء كبير من صفقة حقوق البث البالغة 5.5 مليار جنيه استرليني التي أبرمتها «Sky» و «BT». وفي مثالٍ آخر، باعت مجموعة أبو ظبي المتحدة حصة 13% من نادي مانشستر سيتي إلى مجموعة تقودها شركة «China Media Capital Holdings» مقابل 400 مليون دولار أميركي، على خلفية رحلة الفريق الأولى إلى آسيا عام 2015. أما الاستفادة الأكبر ربما من هذه المباريات فقد حققها مانشستر يونايتد قبل عقد من الزمن.
حصدت أندية الدوري الإنكليزي عام 2015 عائدات بقيمة 500 مليون جنيه استرليني من السوق الآسيويّة


في هذه النقطة يجب العودة إلى عام 2012، حين سافر «الشياطين الحمر» لمدة 16 ساعة إلى شنغهاي في الصين. لعب يونايتد حينها مباراة واحدة ضد شنغهاي شينهوا من أجل المساعدة في إطلاق شراكة جديدة مع جنرال موتورز (GM). كانت الرحلة شاقة في ظل الرطوبة وفارق التوقيت، لكنها عادت على الفريق الإنكليزي بفوائد جمة حيث صُدِم المسؤولون التنفيذيون في الشركة بمدى شعبية يونايتد لدرجة أنهم منحوا النادي 63 مليون جنيه استرليني سنوياً مقابل الرعاية (كان رعاة يونايتد في ذلك الوقت، أون، يدفعون 20 مليون جنيه استرليني سنوياً).
وبعيداً من الأندية، يحقق منظمو هذه اللقاءات أيضاً أرباحاً مذهلة عن طريق بيع الإعلانات وحقوق البث التلفزيوني وتذاكر باهظة الثمن. لعل أبرز المباريات التحضيرية، تلك التي جمعت مانشستر يونايتد وريال مدريد على ملعب ميشيغن عام 2014 بحضور 109000 مشجع.
والأكيد أن هذه الأرقام ارتفعت اليوم بشكل هائل، حيث توقع بعض الجهات أن تزيد أرباح ليفربول من جولته الحالية في آسيا وأستراليا على 14.5 مليون يورو.

إصابات محتملة
إذاً، هي جولة مربحة للأندية والمنظمين على حد سواء. win-win. ولكن ماذا عن اللاعبين؟
يعد اللاعبون العنصر الأبرز في كل فريق. هم أصول الأندية القيّمة والعامل الأساسي لتحصيل العائدات. لا شك بأن الجولات التحضيرية تعود بمنافع مختلفة على اللاعبين، غير أن التبعات السلبية المترتبة عن الجهد قبيل الموسم قد تفوق الإيجابيات.
المباريات الودية وجلسات التدريب المكثفة في الحرارة والرطوبة، مع إرهاق الجسد والعقل بسبب اضطراب الرحلات الجوية الطويلة تعتبر سيئة بما فيه الكفاية، لكن الأحداث خارج الملعب هي التي تقلق اللاعبين. في هذا الصدد، قال مسؤول تنفيذي سابق في نادي مانشستر يونايتد لشبكة ESPN: «الجولات التحضيرية بلا هوادة. يكرهها اللاعبون. إنهم يتدربون ويلعبون ويحاولون الراحة، ولكن إذا كانت هناك فجوة مدتها ساعة واحدة في الجدول، فسوف يلتقون بالرعاة أو يوقّعون قمصاناً لمشجعين وكبار الشخصيات أو يُطلب منهم الظهور أمام إعلان تجاري لأحد شركاء النادي». من جهته، وصف مصدر في ليفربول لشبكة ESPN رحلة الفريق إلى تايلاند وسنغافورة، حيث سيلعب «الريدز» أمام كريستال بالاس يوم الجمعة، «بالجولة التجارية» قبل عودة المدرب يورغن كلوب إلى «العمل الحقيقي» بمعسكر تدريبي في النمسا.
ومن المرجح أن يشهد الموسم المقبل معدل إصابات مرتفعاً في ظل صعوبة التحضير قبل الاستحقاقات المكثّفة، على رأسها بطولة كأس العالم المقامة في قطر. ما هو أكيد، سعي الأندية وراء الربح الوفير من دون الأخذ في الحسبان صحة اللاعبين.