إذا ما أردنا أن نختار المنتخب الأكثر ثباتاً في المستوى وجمالية في الأداء في مونديال 2014 حتى الآن، فلا يمكن إلا أن يقع الاختيار، وبالإجماع، على المنتخب الكولومبي.في حقيقة الأمر، شكل الكولومبيون مفاجأة بدت سارة للجميع في هذا العرس العالمي، حيث قدموا كرة قدم هجومية ممتعة بمجموعة مترابطة ومنسجمة من اللاعبين الواعدين.

صحيح أن كولومبيا وقعت في مجموعة سهلة هي الثالثة مع اليونان وساحل العاج واليابان، لكن نتائجها الكبيرة والتي حصدت من خلالها العلامة الكاملة، مسجلة 9 أهداف وتلقت شباكها هدفين فقط، جاءت لتعكس مدى قوة «لوس كافيتيروس» وهذا ما تأكّد أكثر عندما غلبت الأوروغواي في دور الـ 16 بهدفين نظيفين لترتفع من مصاف «المفاجأة» في البطولة إلى «الحصان الأسود»، ولمَ لا «المرشحة» للقب؟
ما أظهرته كولومبيا في هذا المونديال حتى الآن جاء بالدرجة الأولى نتاجاً لفكر مدربها الأرجنتيني خوسيه بيكرمان، الذي استطاع توظيف مجموعة من المواهب الواعدة في تشكيلته وإخراج أفضل ما لديهم. الحديث عن المواهب في «لوس كافيتيروس» هو اللافت طبعاً بالنظر إلى أن هذه البلاد لم تقدم مرة هذا الكم منهم في تشكيلة واحدة، فإذا ما عدنا إلى تشكيلة مونديال 1990 في إيطاليا التي وصلت للمرة الأولى في تاريخها الى الدور الثاني في كأس العالم، قبل أن تخسر أمام كاميرون روجيه ميلا وفرانسوا أومامبييك، فإنها كانت تعتمد على «أسطورة» البلاد وصاحب الشعر الأشقر الكثيف الشهير، كارلوس فالديريما، وعلى المهاجم فريدي رينكون والحارس «البهلواني» رينيه هيغويتا، أما في مونديال 1994 فكان جديد الكولومبيين المهاجم فاوستينو أسبريلا.

ما شاهدناه من جيمس رودريغيز وخوان كوادرادو وتيوفيلو غوتييريز وجاكسون مارتينيز في هذا المونديال كان مذهلاً، وهو، دون مبالغة، أنسى المتابعين جيل فالديريما بين 1990 و1994 تماماً. شبان متحمسون، متفاهمون، ويمتلكون القدرات الفردية التي تتيح لهم إيجاد الحلول في الأوقات الصعبة وعندما تعجز المجموعة، وهذا ما يتمثل بتمريرات كوادرادو واختراقاته وأهداف رودريغيز الساحرة، وتحديداً تسديدته «الطائرة» من خارج منطقة الجزاء أمام الأوروغواي، حيث بدا أن هذا اللاعب الموهوب سائر ليس فقط لإطاحة أسطورة فالديريما في كولومبيا، بل ليكون أحد أهم النجوم في العالم.

ما أظهرته
كولومبيا جاء نتاجاً لفكر بيكرمان
بالطبع، لا يمكن إغفال قوة الدفاع في التشكيلة الكولومبية، والمتمثلة تحديداً في الثنائي كريستيان زاباتا، الذي لم يقدم موسماً ناجحاًً مع ميلان الإيطالي، والمخضرم ماريو يبيس الذي بدوره لم ينجح مع «الروسونيري» ليجد نفسه في الموسم الماضي خارج أسواره، منتقلاً الى أتالانتا، لكن نجاحهما في المونديال جاء ليؤكد العمل الكبير الذي قام به بيكرمان، وتحديداً في الشق الذهني لدى لاعبيه، وهذا ما كانت تعاني منه كولومبيا دوماً.
وللدلالة أكثر على قوة كولومبيا، يكفي القول إن لاعبين كفريدي غوارين، لاعب انتر ميلانو الايطالي، وأدريان راموس الذي اشتراه بوروسيا دورتموند الألماني لتعويض رحيل البولوني روبرت ليفاندوفسكي الى بايرن ميونيخ وكارلوس باكا لاعب إشبيلية، ليس لهم مكان في التشكيلة الأساسية لبيكرمان.
المهم أن كولومبيا باتت في ربع النهائي للمرة الأولى في تاريخها، أما الخصم فهو البرازيل. بالتأكيد، فإن «الأسطورة» بيليه يبدو أكثر المتخوفين من «لوس كافيتيروس» الآن، كيف لا، وهو الذي رشحهم في مونديال 1994 للقب، وإذا بهم يخرجون من دور المجموعات. وأكثر، فإن مشاركتهم حينها تضرّجت بدماء أندريس ايسكوبار الذي تعرض للاغتيال بعد عودته الى بلاده لتسجيله هدفاً عن طريق الخطأ أمام الولايات المتحدة. فهل يكتب التاريخ أن «لوس كافيتيروس» أطاحوا منتخب بيليه نفسه من المونديال، وأين؟ في قلب البرازيل.