حقّق موناكو نجاحاً هائلاً في أسواق الانتقالات خلال السنوات الماضية، من خلال تطويره مواهب شابة ثم بيعها بأسعار كبيرة جداً. النجاح الضخم تعكسه لغة الأرقام، فخلال السنوات الخمس الأخيرة، باع النادي لاعبَين كانت تكلفتهم حوالى 132 مليون يورو فقط، محققاً أرباحاً مالية تفوق 4 أضعاف المجموع الذي دُفع في السوق. كان موناكو يمتلك المهاجم الفرنسي كيليان مبابي (صفر مليون) بسبب تصعيده من الأكاديمية، أوريلين تشاوميني (تعاقد معه مقابل 18 مليون يورو)، جيمس رودريغيز (تعاقد معه مقابل 45 مليوناً)، توماس ليمار (مقابل 4 ملايين)، مارسيال (مقابل 5 ملايين)، بينجامين ميندي (مقابل 13 مليوناً)، برناردو سيلفا (مقابل 16 مليوناً)، فابينيو (مقابل 6 ملايين)، يوري تيليمانز (مقابل 25 مليون يورو). وفي المجموع، تمكّن النادي من تحقيق أرباح مالية صافية من بيع هؤلاء اللاعبين بحوالى نصف مليار يورو (533 مليون يورو).لم يكن نجاح موناكو وليد الصدفة، بل جاء تبعاً لسياسات مدروسة. شكّل موسم 2016/2017 الانطلاقة «الترويجية» للاعبين، حين فاز الفريق بلقب الدوري على حساب باريس سان جيرمان ووصل إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا. وبعد ذلك الموسم تراجع موناكو محلياً وأوروبياً، غير أنّ حركة بيع اللاعبين استمرت بنسقها التصاعدي.

كامبوس في الواجهة
النجاح وإن نُسب للجهاز الإداري عموماً، لا بد من تخصيص الجزء الأكبر للمدير الرياضي السابق لويس كامبوس. اكتسب كامبوس سمعةً جيدة كأحد روّاد مكتشفي المواهب في اللعبة، بعد أن ساهم في إطلاق مسيرة أمثال برناردو سيلفا، توماس ليمار، أنتوني مارسيال، نيكولاس بيبي، فابينيو... وفي ظل موهبته المتميزة في اكتشاف اللاعبين، تصارعت العديد من الأندية لضم كامبوس في السنوات الماضية أمثال ريال مدريد ومانشستر يونايتد وتشيلسي وبرشلونة لكنه حطّ رحاله أخيراً في باريس سان جيرمان.
الرجل الذي وصفته الصحف الفرنسية بأنه «الرجل الخفي» أو «السيد كامبوس الغامض»، كان أبرز من وضع أسس فوز موناكو المثير بلقب دوري الدرجة الأولى الفرنسي عام 2017، ومن المرجّح أن يساهم في تغيير سياسة باريس سان جيرمان في أسواق الانتقالات المقبلة.
لعب كامبوس كرة القدم طوال فترة شبابه قبل أن يتابع دراسة التربية البدنية في جامعة بورتو البرتغالية ليصبح بعدها مدرّباً، سالكاً طريق مواطنه جوزيه مورينيو. يكمن الفارق بأن مسيرة كامبوس التدريبية لم تشهد نفس نجاح «السبيشل وان»، وهو ما جعله يتجه إلى عالم الإدارة في نهاية المطاف.
عمل كامبوس مع موناكو وليل وقادهما إلى اللّقب المحلي


كان كامبوس أحد مؤسسي شركة «Training to Play (T2P)»، وهي شركة توفر المعدات وأقراص «DVD» للتدريب والبرامج التكتيكية لأندية كرة القدم. أحد أبرز ابتكارات الشركة هو تطبيق يسمى «لوحة مورينيو التكتيكية»، مخصّص للرجل الذي سمي باسمه. وبفضل التقدير المتبادل، أصبح كامبوس ومورينيو حليفين مقربين تشاركا الكادر التدريبي عام 2012 في ريال مدريد، لتتعزّز بعدها سمعة كامبوس كواحد من أذكى العقول في اللعبة.
غادر كامبوس مدريد إلى موناكو عام 2013، وعمل في البداية كمستشار لرئيس النادي فاديم فاسيليف، ثم أصبح مديراً رياضياً. وباستخدام شبكاته الواسعة، شرع في تجميع فريق من اللاعبين الشباب الصاعدين، جميعهم يتمتعون بقيمة كبيرة عند إعادة البيع، وغيّر تباعاً سياسات أسواق الانتقالات. كان النهج الجديد هو العثور على الشباب الواعدين، وتطويرهم، ومنحهم منصة لعرض مواهبهم ثم التخلي عنهم بمبالغ ضخمة لتمويل الجيل المقبل، الأمر الذي ميّز موناكو في عالم الإدارة خلال السنوات الأخيرة. ومن بصمات كامبوس الفارقة رفقة موناكو، جعل أكاديمية الفريق أفضل أكاديمية في فرنسا عبر توظيف أفضل شبكة كشفية في أوروبا وإشراك أفضل المواهب في كل مجموعة ضمن فئة أكبر من سنهم حتى يتمكنوا من التطور بشكل أسرع.
غادر كامبوس بعدها نادي الإمارة إلى مدينة ليل في الشمال ومع مرور الوقت لعب البرتغالي دوراً محورياً في نهضة الفريق الشمالي حيث انتقل من خطر الهبوط إلى صدارة الدوري خلال 5 سنوات، وحقّق اللقب على حساب باريس سان جيرمان أيضاً موسم 2022/2021.
تجربة جديدة يخوضها الرجل في باريس، تأمل من خلالها الإدارة القطرية للنادي الباريسي أن تفوز بدوري أبطال أوروبا، وهي البطولة التي صرفت من أجلها أموالاً طائلة دون نتيجة، فهل يكون تغيير الأسلوب مقدمة للظفر بكأس «ذات الأذنين». الأشهر المقبلة ستكشف التفاصيل.