يقول المدرب الإيطالي الشهير أريغو ساكي إنه لا يستغرب خسارة منتخبات أوروبا وفوز نظرائها من أميركا الجنوبية بكأس العالم المقامة في القارة اللاتينية. يتكلم ساكي على المونديالات بشكلٍ عام، لا فقط عن مونديالي البرازيل.
المونديال الحالي لا يختلف أبداً عن سابقيه، وهي مقولة تختصر كل ما يجري الآن في الملاعب. في مونديال 1930 استضافته الأوروغواي وفازت به. مونديال ١٩٥٠ استضافته البرازيل وفازت الأوروغواي أيضاً. مونديال ١٩٦٢ استضافته تشيلي وفازت به البرازيل. مونديال ١٩٧٠ استضافته المكسيك وفازت به البرازيل. مونديال ١٩٧٨ استضافته الأرجنتين وفازت به. مونديال ١٩٨٦ استضافته المكسيك وفازت به الأرجنتين. واليوم في مونديال ٢٠١٤، تستضيفه البرازيل، ومن المرجح أن يفوز به منتخب من القارة نفسها.

لكن ما هو السبب؟

لا شك في أن الطقس الحار والرطوبة العالية في تلك البلاد من الأسباب التي سببت تفوق منتخبات أميركا الجنوبية على أوروبا، وخاصة إسبانيا وإنكلترا وإيطاليا. أندريا بيرلو كان واضحاً في قوله إنه كان يلعب في كأسين عالميتين مختلفتين، حيث تختلف درجات الحرارة بين مدن الشمال التي تعرف درجة حرارة مرتفعة، ومدن الجنوب التي تعيش أجواء باردة. هذا ما جعل «الفيفا» يسمح بوقتٍ مستقطع ضمن المباراة، ليمنح فرصة للاعبين للاسترخاء وشرب المياه، وذلك للمرة الأولى. لكن هذا السبب لا يعدّ رئيسياً في إخفاق الأوروبيين، بل السبب يعود إلى تفوّق اللاتينيين عليهم.
تقدّمت كرة أميركا الجنوبية المعروفة بامتلاكها مهارات فردية رائعة، تُصدّر منها الى أوروبا. معتادون هم على تقديم كرة هجومية استفادوا منها لفرض أنفسهم في البطولة. لكن الأهم هو أن معظم هذه المواهب تعلمت الانضباط في المدارس الأوروبية. تعلموا هناك على الانضباط، والانضباط هذا من مبادئ الكرة الأوروبية التي تفتقده، منذ زمن، أميركا الجنوبية. يولد النجم وينمو في أميركا ويتعلم في أوروبا، ما يضمن تحسنه من كل النواحي.
كما تعلموا قوة المنافسة. لذا إنها النسخة الأكثر تقارباً في المستوى بين المشاركين. لم يعد هناك منتخب كبير وآخر صغير لا يعتبر إلا حصّالة أهداف. انتهى هذا الزمن الى غير رجعة، وهذا مفرح، إذ يدل على أن مستوى المنافسة سيكون متقارباً دائماً. المستوى المتقارب لربما سيجعل في المستقبل عدد المنتخبات المشاركة من أميركا الجنوبية يساوي عدد المنتخبات من أوروبا.
هذا التحسّن ليس طارئاً على الإطلاق. في مونديال جنوب أفريقيا 2010، وصلت أربعة منتخبات لاتينية الى دور ربع النهائي. وفي المونديال الحالي، ضمنت 5 منتخبات من أصل 6 تأهلها إلى الدور الثاني: البرازيل، الأرجنتين، تشيلي، كولومبيا والأوروغواي. ومنذ انطلاق المونديال، تمكنت أميركا الجنوبية، عبر السنين، من رفع عدد المقاعد المتأهلة. أما أوروبا التي تحصل على الرقم الأعلى، حيث يتأهل عنها 13 من ضمن الـ 32، أي أكثر من عدد منتخبات أميركا الجنوبية والشمالية معاً، لم يتأهل سوى 5 إلى دور الـ 16: هولندا، اليونان، فرنسا، بلجيكا وسويسرا.
نمت الثقافة الرياضية وكبرت مع المدربين أيضاً. المدربون، الجزء الرئيسي من هذا النجاح الذي حققوه ولا يزالون. تمكنوا من تجهيز اللاعبين ذهنياً وبدنياً بشكل ممتاز. وعلى صعيد التنظيم، لا يهمّ أياً منهم هوية الخصم، من المستوى الأول كان أو الثاني، تبقى كل الخطوط الدفاع والوسط والهجوم مصطفّة بشكلٍ مميّز، تفوّقوا به على بعض المنتخبات الأوروبية.
كل هذا التفوّق، تريد به أميركا الجنوبية استعادة اللقب الغائب عنها منذ فوز البرازيل بالبطولة للمرة الخامسة في تاريخها عام 2002، لكن الأمر لا يقتصر حالياً على «السيليساو»، الأرجنتين أو الأوروغواي فقط، فهذه كأس العالم، بنسخة المفاجآت.