في الخامس والعشرين من شباط/ فبراير الماضي اتخذ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا» ومن خلفه الاتحاد الدولي «فيفا» قراراً بنقل مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا من مدينة سان بطرسبرغ الروسيّة إلى العاصمة الفرنسية باريس، وذلك ضمن ما عُرف بـ«سلة العقوبات» الأوروبيّة على روسيا على خلفية «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا. حينها أرادت الدول الغربية «محاصرة» روسيا والضغط عليها حتى عبر الأحداث الرياضية، إلا أن ما حصل ارتدّ سلباً على الاتحادين الأوروبي والدولي لكرة القدم نظراً إلى الأحداث والاضطرابات التي رافقت نهائي باريس خلال نهاية الأسبوع.لم يتم نقل المباراة النهائية (فاز فيها الريال بهدف دون رد على ليفربول) فجأة أو قبل أيام قليلة من سان بطرسبرغ إلى باريس، بل حصل هذا الأمر قبل حوالي ثلاثة أشهر من موعد المباراة النهائية، وبالتالي كان هناك متّسع من الوقت أمام السلطات الفرنسية من أجل التحضير للمباراة عبر اتخاذ إجراءات صارمة وحقيقية حول ملعب «ستاد دو فرانس» في ضاحية سان دوني بالعاصمة، إلا أن ما حصل أظهر ضعفاً كبيراً في التنظيم.
جماهير نادي ليفربول الإنكليزي وريال مدريد الفرنسي بدأت بالتوافد إلى باريس قبل حوالي أسبوع من موعد النهائي، وكما يحصل قبل أي استحقاق كروي، خاصة عندما يكون على مستوى قاري، يُفترض بالأجهزة الأمنية والسلطات المولجة تأمين الحماية اتخاذ التدابير اللازمة، ولكنّ الأمر كان عبارة عن فوضى عارمة، ووصلت الأمور إلى ما هو أبعد من الفشل الأمني، وذلك عندما انتشرت آلاف البطاقات المزوّرة التي اشتراها المشجعون بأسعار مضاعفة. تدافع أمام بوابات الملعب، وصدامات مع الشرطة، وأعداد كبيرة من المشجعين الذين دخلوا من دون بطاقات، فيما وجد آلاف المشجعين من الذين اشتروا بطاقات صحيحة أنفسهم خارج الملعب، لتحصل فوضى تؤجل المباراة لمدة 36 دقيقة كاملة عن موعد انطلاقها.
وعصر يوم أمس أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية أن 105 أشخاص اعتُقلوا وتم وضع 39 قيد التوقيف الاحتياطي بسبب أعمال الشغب التي رافقت المباراة. وحاولت السلطات الفرنسية التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على المشجعين الإنكليز، وليس على ضعف التدابير الأمنية أو الفشل التنظيمي، فقال وزير الداخلية الفرنسية جيرالد دارمانان في تغريدة على تويتر: «الآلاف من المشجعين البريطانيين بدون تذاكر أو مع تذاكر مزوّرة الذين حاولوا اقتحام الملعب». وقال مصدر مقرب من الحكومة أمس الأحد إن المشكلة جاءت من «الآلاف من التذاكر المزوّرة» التي خلقت طوابير عند بوابات الملعب.
اعتبرت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبين وزعيم اليسار جان لوك ميلانشون أن ما حصل هو إهانة لفرنسا


وفي وقت كان يُفترض بالاتحاد الأوروبي لكرة القدم اتخاذ إجراءات صارمة فوراً، إلا أنه اكتفى بالإعراب عن «تعاطفه» مع المتضررين من هذه الأحداث، معتبراً أنه «سيراجع هذه الأمور بشكل عاجل مع الشرطة والسلطات الفرنسية ومع الاتحاد الفرنسي لكرة القدم».
ولكن الرد على محاولات تنصل المسؤولين الفرنسيين من المسؤولية جاء سريعاً من زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبين، وزعيم اليسار جان لوك ميلانشون. ووصفت لوبين ما حصل بأنه «شعور بالإهانة» فيما اعتبره ميلانشون «فشلاً كاملاً لاستراتيجية الشرطة» معتبرَين أن فرنسا «غير قادرة» على تنظيم أحداث كبرى. وقالت لوبين في تصريحات مساء أمس: «هناك شعور بالإهانة لأن العالم كله يراقبنا وكل العواصم التي شاهدت ذلك لاحظت أن فرنسا لم تعد قادرة على تنظيم أحداث كبرى من دون ثغرات». وأضافت: «إنه تأكيد على أن دولتنا تنهار تحت أقدامنا. هذا هو الواقع. لم نعد نعرف كيفية تنظيم حدث كبير على الرغم من موعد الألعاب الأولمبية في غضون 18 شهراً، وهو أمر مقلق للغاية»، مندّدة بـ«عدم كفاءة» وزير الداخلية جيرالد دارمانان ومدير شرطة باريس ديدييه لالمان.
من جهته قال ميلانشون في تصريحات صحافية: «الصورة مؤسفة. إنها مقلقة لأننا نستطيع أن نرى بوضوح أننا لسنا مستعدين لأحداث مثل الألعاب الأولمبية». وتابع: «إنه فشل كامل لاستراتيجية الشرطة. يجب أن يكون هناك تفكير أساسي لإعادة الشرطة الفرنسية إلى موقع يجعلها فعّالة»، لأن «دور الشرطة هو منع حدوث أخطاء، ولكن هذه المرة على عكس ذلك، قاموا بتفاقم الأمور».
وفي السياق ذاته خرجت العديد من الأصوات البريطانية المندّدة باتهام السلطات الفرنسية للمشجعين الإنكليز بافتعال الشغب، معتبرةً أن ما حصل هو فشل في التنظيم.
والأكيد أن السلطات الفرنسية ستكون تحت ضغط كبير خلال الأسابيع المقبلة بسبب هذا الفشل الأمني، وذلك مع اقتراب موعد الألعاب الأولمبية التي تستضيفها البلاد عام 2024 ويحضرها مئات الملايين من العالم.
الدول الأوروبية تدفع مجدداً ثمن قراراتها الاعتباطية، وخاصة أن روسيا نظّمت عام 2018 بطولة كأس العالم في ظل أجواء تنظيمية شبه مثالية.