سواء فازت هولندا بكأس العالم أو لا، فإنها ستخرج بغنائم كثيرة من مونديال البرازيل. هولندا التي ذهب منتخبها الى البرازيل عاشت حالة استسلام قبل بداية النهائيات. هو أمرٌ قد يكون مبرراً لاعتبارات عدة، أولها أن «البرتقالي» ذهب بقيادة مدربٍ فقد الهولنديون الثقة به منذ زمنٍ بعيد، وتحديداً منذ فشل على رأس جيلٍ ذهبي ضمّ أمثال دينيس بيرغكامب وباتريك كلايفرت وكلارنس سيدورف وإدغارد دافيدز، في حمل المنتخب الى كأس العالم 2002، ليرحل بعدها تاركاً المهمة إلى ديك أدفوكات.

فان غال عاد، وقد اعتبرت عودته مفروضة بحكم علاقاته الطيّبة مع القيّمين على الاتحاد الهولندي لكرة القدم، وهو أمر أقلق الجمهور الهولندي. وهذا القلق ازداد أكثر مع كشف المدرب المثير للجدل أنه سيترك تدريب المنتخب الوطني لخوض مغامرة جديدة على صعيد الأندية، وتحديداً مع مانشستر يونايتد الإنكليزي.
وهذه النقطة قيل إنها أثّرت في انتقال المشجعين الهولنديين الى البرازيل بنفس الحجم الذي شهدناه خلال نهائيات كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا، من دون أن يكون هناك تأكيدات أو إحصاءات دقيقة حول هذه المسألة.
إلا أن اعتباراً آخر يبرز على صعيد الاستسلام قبل بداية المونديال، وهو يتعلق باللاعبين أنفسهم، إذ تخيّل الهولنديون أن منتخبهم يتمتع بتشكيلة ضعيفة، وخصوصاً مع استبعاد فان غال لأسماء خبيرة، حتى إن لاعب الوسط ويسلي سنايدر الذي كان نجماً فوق العادة في مونديال 2010، حيث بلغ «البرتقالي» النهائي، ظهرت شكوك حول استدعائه الى التشكيلة المونديالية. كذلك، وعلى صعيد اللاعبين، أخذ البعض بعين الاعتبار أن نجوم المنتخب الهولندي مرّوا بفتراتٍ سيئة هذا الموسم، من سنايدر مع غلطة سراي التركي، ونايجل دي يونغ مع ميلان الإيطالي، وصولاً الى روبن فان بيرسي مع مانشستر يونايتد الإنكليزي، وحتى أريين روبن مع بايرن ميونيخ الألماني تحديداً على الساحة القارية والسقوط الكبير للبافاري أمام ريال مدريد الإسباني في دوري أبطال أوروبا. لكن ما غاب عن بال الهولنديين أن بلادهم لم تمر يوماً بفترةٍ قحط، إذ منذ السبعينيات ظهر النجوم ثم اختفوا، لكن منتخب هولندا كان حاضراً دائماً في المحافل الكبرى لسببٍ بسيط هو أن الأراضي المنخفضة المشهورة بزراعة الأزهار هي أراضٍ خصبة لتفريخ المواهب، وذلك من الأكاديميات التي تعدّ الأفضل في العالم على هذا الصعيد.
من هنا، فإن استقدام فان غال لكتيبة شابة غالبيتها من الأسماء التي لم تخض أي تجربة سابقة على صعيد المحافل الدولية الكبرى، كان «ضربة معلم» على مستوى عالٍ جداً. وهؤلاء الصبية الذين قدّمهم سيكونون بالتأكيد المطلب الأول للعديد من الأندية الأوروبية المهمة، وهذا ما ثبت سريعاً في حالة النجم الصاعد ممفيس ديباي (20 عاماً)، الذي يمكن اعتباره أفضل لاعب شاب في المونديال الحالي.

لم تعد الأمور مقتصرة على أياكس في تفريخ المواهب الشابة

صحيحٌ أن أياكس أمستردام لم يعد الرافد الأول للمنتخب الهولندي كما كان عليه الأمر في الماضي القريب، لكن في هذا الأمر نقطة إيجابية أيضاً لأنه يعكس مدى نجاح الصناعة الكروية الهولندية في مختلف الأندية. وهذه الظاهرة هي نقطة إيجابية تسمح لمدرب المنتخب بخيارات أوسع مع ظهور المواهب الرائعة من أياكس (الحارس ياسبر سيسليسن) وغيره من الأندية مثل بي أس في إيندهوفن الذي قدّم جورجينيو فينالدوم وممفيس ديباي. كما أهدى فينورد روتردام المنتخب ستيفان دي فري وبرونو مارتنس إيندي وتيرينس كونغولو وداريل يانمات. ويضاف إليهم لوروا فير صاحب الرأسية الرائعة في مرمى تشيلي، وهو إذ يلعب حالياً مع دينامو كييف الأوكراني فهو نتاج أكاديمية تفنتي الذي فرض نفسه رقماً صعباً في الكرة الهولندية في المواسم القريبة الماضية.
الأمل يعود الى البلاد المنخفضة، فهؤلاء الصغار يمكنهم تغيير الاسم الذي التصق بها ورفعها الى قمة العالم بفعل قدراتهم الرهيبة التي ظهر تأثيرها بشكلٍ كبير في المباريات الثلاث الأولى، التي أكدوا فيها أنه لم يتغيّر أي شيء بالنسبة الى منتخب بلادهم حتى بعدما غابت الأسماء المعروفة، والدليل أن «البرتقالي» حصد العلامة الكاملة، تماماً كما فعل عام 2010.