المركز الثاني لبرشلونة في نهاية مشوار الدوري الإسباني سيكون بمثابة إنجاز الفوز باللّقب على اعتبار أنّ الفريق الكاتالوني عاش بداية موسمٍ صعبة إلى أبعد الحدود، بعدما حصد 17 نقطة فقط خلال 12 مباراة خاضها تحت إشراف مدرّبه السابق الهولندي رونالد كومان.وقتذاك توقّع كثيرون نهايةً مأساوية للفريق عند الوصول إلى ختام الموسم، وهي توقعات كانت منطقية بسبب الوضع السيّء الذي وصل إليه مالياً وفنياً. لكن إدارة الرئيس جوان لابورتا سحبت فجأة «أرنباً» من القبعة اسمه شافي هرنانديز.
ومع وصوله قال لابورتا نفسه للاعبين: «ها نحن نبدأ مرحلةً جديدة سننسى خلالها كلّ المآسي». قسمٌ من جمهور برشلونة انتقد هذا الكلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن «المايسترو» محا هذه الانتقادات بسرعة تماماً كما محا أيام كان لاعباً، أيّ خصمٍ يواجهه على أرض الملعب.
شافي بذكائه الحادّ أبرم التعاقدات التي يحتاجها من دون إرهاق خزينة النادي، ووظّف الأوراق الموجودة بين يديه بكل دقّة، فتبدّل شكل الفريق بشكلٍ جذري وبات الأكثر حصداً للنقاط في «الليغا» بعد ريال مدريد في المباريات الـ 16 الأخيرة.
كلّ هذا بفضل تكتيك شافي الذي يفترض التوقف عنده لشرح كيفية تحوّل برشلونة من فريقٍ ضعيف إلى آخر مخيف.
مع شافي يلعب «البلاوغرانا» باستراتيجية 4-3-3، والتي تتحوّل إلى 2-3-5 أو 3-2-5 عندما تكون الكرة في حوزته، وذلك بحسب وضعية تمركز الظهيرين والجناحين الذين يعتبرون محور اللعب الهجومي الممتع. الواضح أن للجناحين دوراً كبيراً في المقاربة الهجومية الجديدة، وهو أمر يعكسه تألّق فيران توريس، أداما تراوريه والفرنسي عثمان ديمبيلي المطلوب منهم التمركّز العالي بعيداً من منتصف ميدان فريقهم، وذلك لتوسيع الملعب قدر الإمكان وخلق الحرية في منتصفه للاعبي الوسط للمشاركة في اقتحام منطقة الجزاء.
هنا تبدو المرونة كبيرة فيصبح توريس مثلاً رقم 9 ثانٍ، وبفضل حسّه التهديفي يتمكن من الوصول إلى الشباك، وهو ما فعله بتوقيعه على 4 أهداف في 8 مباريات. رقمٌ جيّد بالنسبة إلى وافدٍ جديد يبدو مستعداً للعب أي دورٍ بفعل الاحترام الذي يكنّه لمدربه تماماً كما هو حال كل أفراد التشكيلة.
مرونةٌ هجوميّة حملتها أفكار شافي فتحوّل برشلونة من فريقٍ ضعيف إلى آخرٍ مخيف


طريقة اللعب هذه تجبر أي ظهير منافس على الالتزام بمركزه الدفاعي، وتضعه تحت ضغط مواجهة «واحد لواحد» التي يتفوّق بها الثلاثي المذكور بفعل المهارات الفردية لكلٍّ منهم، والتي يستغلونها لاحقاً من خلال عكس الكرات العرضية التي تسبّب المتاعب الكبيرة خصوصاً بوجود الهداف الغابوني بيار إيميريك أوباميانغ الذي يعيش أفضل أيامه، فهو بدا وكأنه يلعب مع «البلاوغرانا» منذ زمنٍ طويل، مستمتعاً بكل لحظة، ومسجلاً 7 أهدافٍ في 7 مباريات حتى الآن.
إذاً كل العمل الثقيل يرتبط بالجناحين ويتقاطع مع عملٍ مهم للظهيرين، وهما غالباً البرازيلي داني ألفيش من الجهة اليمنى وجوردي ألبا من اليسرى. الثنائي الخبير يعطي التشكيلة شكل 2-3-5 من خلال تمركزه بعد منتصف ملعب فريقه، وهي مسألة خفّفت الضغط بشكلٍ كبير على لاعب الارتكاز سيرجيو بوسكتس لأنها عزّزت قوة الفريق في استرداد الكرة ورفعت من نسبة استحواذه عليها. وما لا شك فيه أنّ شافي يستفيد كثيراً هنا من قدرة ألفيش وألبا على التمرير الدقيق أو في حال شارك الأميركي سيرجينيو دست البارع أيضاً في المواجهات الثنائية بفضل إمكاناته الفردية، ما يخفّف من عبء بناء الهجمات على ثنائي الوسط المتقدّم، فيصبح مثلاً بإمكان بدري والهولندي فرانكي دي يونغ التواجد بشكلٍ أكبر داخل منطقة الجزاء وتشكيل خطورةٍ إضافية، وهو ما ثبُت من خلال الأهداف العديدة التي سجّلاها أخيراً.
واللافت أن أي لاعبٍ لعب دوراً في المراكز المحورية في الوسط مثل غافي ونيكو غونزاليس، أو على طرفيه مثل المغربي الأصل إلياس أخوماش أو الدولي المغربي عبد الصمد الزلزولي، تمكن من ترك بصمةٍ إيجابية بعدما عرف شافي إخراج الأفضل منه.
وفي هذا الإطار، يُحسب لشافي كيفية إعادته الإيمان إلى نفوس المخضرمين، وخصوصاً أولئك الذين يملكون واجباتٍ دفاعية على صورة ألبا وجيرارد بيكيه وبوسكتس، فعادوا بالزمن إلى أيام تألقهم إلى جانبه وباتوا الضمانة لتشكيلته الشابة.
تشكيلةٌ تحسّنت دفاعياً أيضاً بعدما بدت هشّة تحديداً على صعيد التعامل مع الكرات الثابتة التي خلقت مشكلةً كبيرة للفريق في الماضي القريب، حيث كانت نقطة الضعف الأساسية في تبادل مراقبة اللاعبين والتعامل مع الكرات الساقطة إلى داخل المنطقة، فمنذ وصول شافي لم تهتز شباك برشلونة سوى 6 مرات من كراتٍ ثابتة في «الليغا» ومسابقة «يوروبا ليغ».
برشلونة إلى مرحلةٍ أفضل؟ حتماً سيتحقق هذا الأمر لكن شرط استمرار إيمان اللاعبين بأفكار شافي وتطبيقها بحذافيرها.