بين كوكبة المواهب الكثيرة في كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم سرق نجمان الأنظار أكثر من غيرهما هما محمد صلاح وساديو مانيه.أمرٌ طبيعي بعدما قاد لاعبا ليفربول الإنكليزي بلاديهما إلى المباراة النهائية للبطولة القارية، والتي ابتسمت في نهاية المطاف لمانيه وزملائه الذين حملوا اللقب إلى داكار للمرّة الأولى في تاريخهم.
في هذه المناسبة تأكد جمهور «الريدز» أكثر من أي وقتٍ مضى بأن كنزاً كبيراً يملكه النادي يُختصر بالجوهرتين المذكورتين، لكن بهجته هذه قد تتحوّل إلى كآبة وتضاف إلى صفحات أحزان النادي لأن عودة الثنائي هذه المرّة ستفتح الباب أمام مرحلةٍ أخيرة من المفاوضات معهما لتجديد عقديهما، وإلا فإن الإدارة لن تملك سوى خيار التخلّي عن أحدهما أو عن الاثنين معاً!
«إذا كان هناك شيء تعلّمته خلال مسيرتي كلاعب وكمدرب، فهو أن لا مشاعر في كرة القدم. هي عمل لا رحمة فيه. لذا لا ضمانات بأن صلاح ومانيه سيحصلان على المال الذي يظن الكثير من الناس بأنه مستحق لهما لكي يوقّعا على عقدين جديدين مع ليفربول». كلامٌ كتبه أحد أبرز الهدّافين الذين مرّوا على نادي «الحمر» روبي فاولر في صحيفة «دايلي ميرور» قبل أيام، وهو يدلّ على مسألةٍ واحدة، وهي أن الأندية بدأت تفكر بمصلحتها قبل أهمية أي نجمٍ لديها، وذلك وسط عالمٍ كروي مليء بالنكسات المالية التي دفع ثمنها على سبيل المثال لا الحصر أخيراً نادي برشلونة الإسباني.
وعلى ما يبدو أن ليفربول بدأ يتّعظ من تجربة بايرن ميونيخ الألماني الذي خسر الكثير من النجوم بسبب سياسته المالية الرافضة لمنح عقودٍ بمبالغ خيالية. لذا يبدو في مكانٍ ما واضحاً أن «الريدز» بدأوا يجهّزون أنفسهم لمرحلة ما بعد صلاح أو مانيه أو الاثنين معاً، فكان التعاقد مع الكولومبي لويز دياز في سوق الانتقالات الشتوية رغم عدم وجود حاجةٍ فنيّة فعلية إلى لاعبٍ في مركزه في الوقت الحالي.

كلوب يفضّل مانيه
الصيف قريب وبيع مانيه أوّلاً سيكون على الأجندة رغم أن صلاح أيضاً يملك عقداً ينتهي في صيف 2023، لكنّ جمهور ليفربول ونجومه السابقين الكثر الذين يشغلون اليوم مناصب إعلامية مؤثرة في الرأي العام، يفضّلون بقاء «الفرعون» المصري على حساب النجم السنغالي، والدليل أن المدافع السابق جايمي كاراغر قالها علناً: «صلاح هو أسطورة في ليفربول».
كلماتٌ قليلة تجزم وتشير إلى أنه لا يفترض الاستغناء عن النجم الأكبر في الفريق، إذ سيكون الأمر كالطلاق الذي وقع بين برشلونة وقائده السابق الأرجنتيني ليونيل ميسي. لكن ماذا لو خُيّر المدرب الألماني يورغن كلوب بإبقاء لاعبٍ واحد فقط؟
الواقع أن الخيار صعب هنا، إذ إن صلاح لا يزال يسير في درب التطوّر ويلمع أكثر موسماً بعد آخر، وهو يُعتبر اليوم من خلال الأرقام أكثر اللاعبين أصحاب الفعالية التهديفية (سجل 111 هدفاً في 165 مباراة) في «البريميرليغ». أما مانيه، ومنذ وصوله من ساوثمبتون عام 2016، فقد صنع اسماً كبيراً لنفسه في «أنفيلد رود» مسجّلاً 107 أهداف في 244 مباراة.
بدأ ليفربول في تجهيز نفسه للمرحلة التي ستلي رحيل أفضل لاعبين أفريقيّيْن


بطل أفريقيا هو الأقرب للرحيل ليس لأن كلوب يريد الاستغناء عنه، بل لأن أوساطه تقول إنه يطمح ليصبح أفضل لاعب أفريقي في تاريخ كرة القدم، وهو برأيه لا يستطيع الوصول إلى هذا الهدف إلا من خلال الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا مع نادٍ آخر. والواقع أن كلوب ومن خلال أسلوب لعبه قد يفضّل فتح باب الرحيل أمام صلاح لا مانيه، إذ إن الأخير يلتقي مع استراتيجياته المبنيّة في خط المقدّمة على كثرة تحرّك اللاعبين من دون كرة، وهي المسألة التي ميّزت مثلاً البرازيلي روبرتو فيرمينو وحديثاً البرتغالي ديوغو جوتا، فأصبحا من أبرز هدّافي الفريق، بينما كان اعتماد النجم المصري على مهاراته الفردية وحسّه التهديفي لتعويض هذا الجانب الذي يتفوّق فيه زملاؤه في خط المقدّمة عليه.

ليفربول لا يساوم
إذاً مَن يخون مَن هنا؟ هل هو مانيه الذي سيترك كلوب مبتوراً أم هو صلاح الذي يطالب بعقدٍ أفضل وهو مما لا شك فيه مطلب مستحق؟
الحقيقة أن ليفربول قد يكون الخائن الأكبر في هذه القضية بالنسبة إلى جمهور اللاعبين، لكنّ الواقع أن الفريق الشمالي لديه نموذج عمل لا يستغني عنه، وقد بدا متمسّكاً به عبر السنوات، فربح من خروج لاعبين بصفقاتٍ كبيرة مثل رحيم سترلينغ والأوروغوياني لويس سواريز والبرازيلي فيليبي كوتينيو، وخسر ربما عناصر لعبوا أدواراً مؤثرة معه كان آخرهم الهولندي جورجينيو فينالدوم الذي رحل إلى باريس سان جيرمان الفرنسي من دون مقابل في الصيف الماضي. لكنّ خروج صلاح ومانيه لن يكون عادياً على الإطلاق، وحتى ترك أحدهما للفريق سيكون مأسَوياً، إذ سيخسر ليفربول حجراً رئيسياً في المثلث الذي خلقه بوجودهما مع فيرمينو في خط المقدّمة، بالتالي سيضطر إلى الذهاب نحو عملية إعادة بناء وخلق هيكلية جديدة تُبقي الفريق بين أقوياء إنكلترا أو أوروبا.
عمليةٌ صعبة ستستغرق وقتاً طويلاً، وقد يدفع خلالها الفريق أثماناً غالية، إذ إنها ستكون بمثابة خسارة ريال مدريد الإسباني سابقاً لنجمه البرتغالي كريستيانو رونالدو، وبعدها فقدان برشلونة لموهبة ميسي