لو أدرك العالم مسبقاً ما كانت ستؤول إليه النتيجة لمَنَع نقل اللعبة الى تلك البلاد البعيدة في قارة أميركا الجنوبية، أي البرازيل. «بلاد السامبا» هي الأفضل على الإطلاق مونديالياً، ونجومها أدخلوا تقليداً خاصاً بهم يعتمد على سحر أقدامهم لجعل تلك الرقصة الشهيرة سمة الكرة المدهشة التي يلعبونها.
إذاً، هل يفترض أن نشكر ذاك الاسكوتلندي البرازيلي المولد تشارلز ويليام ميلر على نقله كرة القدم الى تلك البلاد البعيدة عن موطنه الأصلي؟ ميلر الذي ولد في ساو باولو عام 1874 وعاد إليها عام 1894 من إنكلترا، حيث تلقى علومه الدراسية، اكتفى بأخذ كرة وقانون اتحاد هامبشاير معه وتسليمهما الى البرازيل ليؤسس ثقافة أزلية في بلاد ضربت شهرة واسعة بثلاثة أشياء أساسية: صناعة البن، رقص السامبا وكرة القدم.
اليوم، قد يلعن البريطانيون ميلر لفعلته هذه، لكن العالم أجمع، ومحبي الكرة الجميلة على وجه التحديد قد يشكرونه في كل لحظة ويترحّمون عليه (توفي في ساو باولو عام 1953)، فهو كان وراء خلق أجيال من الفنانين الذين أمتعوا العالم على مرّ السنوات، وباتوا ملوكاً للكرة، بكل ما للكلمة من معنى بألقابهم المونديالية الخمسة.
وعشية المونديال المرتقب، بإمكان المتابعين أن يمتنّوا للاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» لمنحهم فرصة متابعة تجربة مونديالية جديدة عندما أعطى البرازيل الضوء الأخضر لاستضافة العرس الكروي، إذ في حال كانت إنكلترا أو الصين منشأ اللعبة، فإن البرازيل هي أرضها ومنجمها حيث تكتشف الثروات الكروية وتصدّر الى العالم أجمع ليستمتع بجودتها.
الكرة هي ثقافة البرازيليين وعشقهم الأول والأخير، إذ إن دورة في الأمازون أو في ساو باولو تحظى عادةً بالاهتمام نفسه. هم يتقاطرون الى أي ملعب فيه مستديرة يتمّ ركلها، بغض النظر عما إذا كان هذا الملعب معشّباً أخضر، أو ذات أرضٍ صلبة أو مغطى برملٍ شاطئي. بكل بساطة، البرازيليون هم الأفضل في كل شيء يختص بالكرة، أليسوا هم الأنجح والأكثر متعة في الفوتسال والكرة الشاطئية أيضاً؟
صدقاً، هم لا يلعبون الكرة أحياناً، هم المخرجون لأفضل استعراض كروي تتخلله أهدافٌ سحرية ورقص وأجواء احتفالية. نعم البرازيليون يرقصون «السامبا» بالكرة. هم أصلاً يستمدّون شيئاً من تلك الرقصة الشهيرة التي شكلت علامة فارقة في بلادهم، فالمراوغة باستعمال الخصر تشبه تلك الرقصة، وهي حالات سحر بها العالم مع رونالدينيو، وقبله مع «الظاهرة» رونالدو، إذ لا يمكن نسيان كيف استخدم ذاك العظيم خصره بحركةٍ لا يمكن تكرارها ليتخطى حارس مرمى لاتسيو لوكا ماركيجياني، من دون أن يلمس الكرة حتى، في المباراة النهائية لمسابقة كأس الاتحاد الأوروبي التي فاز بها إنتر ميلانو على ملعب «بارك دي برانس» في العاصمة الفرنسية باريس عام 1998.
باختصار، يولد البرازيليون من بطون أمهاتهم وكأنهم كانوا يحملون الكرة قبل أن يبصروا النور، فاللعبة أصبحت في جيناتهم، ولهذا السبب يمكن اعتبار أي برازيلي لاعباً مميزاً، وهو أمر يفسّر أيضاً ظاهرة انتشار اللاعبين البرازيليين في كل أصقاع المعمورة وفي بلدانٍ مغمورة حتى كروياً. هم مثال لأي شيء جميل يرتبط بالكرة وبلغة المعلّقين حول العالم تحكي عن هذا الأمر، فعباراتهم مشتركة وبكل اللغات: «هدف على الطريقة البرازيلية... ولقطة برازيلية مئة في المئة».
البرازيليون هم المرجع، والكرة اليوم تعود إلى أرض ولادتها وموطنها الأصلي.