خلال هذا العام تمّت إعادة هيكلة قطاع كرة القدم بطرقٍ وأساليب مختلفة، حيث اتجهت بعض إدارات الأندية لتقليل النفقات في حين حاولت الاتحادات تأمين عائدات مالية تسمح للأندية بالاستمرار. أظهرت الجائحة مدى هشاشة الوضع المالي خلف أسوار العديد من الأندية، وهو ما ساهم بطرح أفكار وحلول «غير تقليدية» لتجاوز الأزمة مثل تأمين قروض طويلة الأمد مقابل بيع حصص من حقوق نقل المباريات أو حتى إنشاء دوري منفصل يضم أندية النخبة. فيما يلي، أبرز الانتكاسات المالية الكروية التي نتجت عن تداعيات فيروس كورونا إضافةً إلى بعض الحلول المعتمدة.
السوبر ليغ
صُعِق الوسط الرياضي في بدايات العام الحالي بأخبار إنشاء دوري منفصل يجمع فرق النخبة في أوروبا تحت مسمّى «Super League»، وذلك قبل يومٍ واحدٍ من إعلان الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عن الشكل الجديد لدوري أبطال أوروبا.
هذا الطرح لم يكن جديداً تماماً، إذ سبق وأن تم طرح أفكار مشابهة للسوبر ليغ منذ تسعينيات القرن الماضي، ولم يتطرق بعدها أحد إلى المقترح حتى أعاد الفكرة رئيس نادي ريال مدريد فلورنتينو بيريز عام 2009. كلّ المحاولات السابقة تبدّدت على عتبة الاتحادين الأوروبي والدولي، ولكن الأمر بدا مختلفاً هذا العام. بيريز و«حلفاؤه» طرحوا الفكرة هذه المرة من بوابة الحصول على أرباح مالية إضافية للأندية المشاركة خاصةً بعد الخسائر «الفلكية» جراء فيروس كورونا.
وأوضح بيان الإعلان اجتماع 12 من أندية كرة القدم الرائدة في أوروبا للموافقة على إقامة مسابقة منتصف الأسبوع، السوبر ليغ، وهي مانشستر يونايتد وآرسنال وتشلسي وتوتنهام ومانشستر سيتي وليفربول وريال مدريد وبرشلونة وأتلتيكو مدريد وإنتر ميلانو وإي سي ميلان ويوفنتوس، على أن تتم دعوة ثلاثة أندية أخرى للانضمام قبل الموسم الافتتاحي. وأشار بيان الأندية المؤسّسة أيضاً إلى أن رئيس نادي ريال مدريد فلورنتينو بيريز سيكون هو أول رئيس في دوري السوبر.
هذا الإعلان عارضه الاتحاد الأوروبي بسرعة، حتى إنه حرّض الاتحادات المالية على الأندية المشاركة وهدّدها بالعقوبات.

(بو بارينا - أ ف ب)


صندوق إنقاذي
على جهة ثانية تنافست المؤسسات المالية على تمويل صندوق إنقاذ كرة القدم الذي وضعه الاتحاد الأوروبي بهدف مساعدة الأندية على التعافي من تأثيرات كورونا، حيث تسابق المقرضون لتوفير مبلغ 7 مليارات يورو.
اتّفق الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «اليويفا» مع عدد من البنوك والشركات الاستثمارية على إنشاء صندوق إغاثة ودعم من أجل مساعدة الأندية، وقدّم اليويفا محتويات المشروع إلى الأطراف المعنية عن طريق الرابطة الأوروبية للأندية، موضحاً بأن الصندوق سيقدّم خدماته للأندية المشاركة في المسابقات الأوروبية، على أن تكون معدّلات الفائدة أقل بكثير مما تحصل عليه البنوك عادةً (قال أحد المصرفيّين إن التمويل سيكون «رخيصاً جداً» بالنسبة إلى النادي، وقدّر مصرفي آخر سعر الفائدة بنسبة 2%).
وبعد أشهرٍ من الطرح الهادف للحد من نزيف الأندية المالي، بدأت معالم التنفيذ تظهر. بحسب صحيفة «Financial Times»، حاولت مجموعة من المؤسسات المالية أن تلعب دوراً في صندوق الإغاثة، حيث تنافس كل من بنك «Macquarie» و «Goldman Sachs» وشركة الأسهم الخاصة «Apollo» للمشاركة في برنامج التمويل الجديد.
سعى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى جمع مبلغ مليارَي يورو في التمويل الأوّلي، والذي من المقدَّر أن يتوسع ما بين 6 إلى 7 مليارات يورو مع مرور الوقت، على أن يتم توزيع الأموال على أفضل الفرق المشاركة في مسابقات ضخمة، مثل دوري أبطال أوروبا. لا يستهدف الصندوق إنقاذ الأندية من عثرتها فحسب، وإنما أيضاً تنشيط سوق الانتقالات الذي تأثّر كثيراً بالأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي الجائحة.

خسارة أولمبية
تأثّرت دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في طوكيو الصيف الماضي بتداعيات فيروس كورونا. تأجيل الاألمبياد لسنة كاملة جراء تفشي الفيروس كبّد اليابان خسائر هائلة، وهو ما دفع بالعديد من الدول للعزوف عن التقدم لاستضافة الأولمبياد خوفاً من الخسائر.
سبق وأن توقّعت دراسة أجرتها حكومة طوكيو عام 2017 بأن العائدات ستكون كافية لتعويض التكاليف وتحقيق الأرباح، حيث جرى التقدير بأن الألعاب ستعود على الاقتصاد بـ 127 مليار دولار من الطلب الإضافي جراء الاستهلاك المرتبط بالحدث من التذاكر إلى الطعام والشراب والسياحة... ومع ذلك، لم ترقَ التطلعات إلى الواقع في ظل غياب الجماهير جراء الفيروس.
وبحسب وكالة رويترز، تضخّمت ميزانية ألعاب طوكيو فور بدء الألعاب إلى 15.4 مليار دولار أميركي، أي ضعف عرضها الفائز البالغ 7.5 مليارات دولار أميركي في عام 2013. وأشارت عمليات التدقيق التي أجرتها الحكومة اليابانية إلى أن كلفة الاستضافة تجاوزت 25 مليار دولار أميركي، خاصةً بعد الإجراءات الاستثنائية المضادة لكورونا بما في ذلك تكلفة الاختبارات ومراكز العزل المقدّرة بـ 2.8 مليار دولار.
تمّ تخصيص مبلغ 7.5 مليارات دولار لإنشاء الأماكن الدائمة أو المؤقتة (تم بناء ثمانية أماكن دائمة جديدة). الاستاد الوطني نفسه، حيث أقيمت مراسم الافتتاح، كلّف 1.4 مليار دولار أميركي، فيما بلغت تكلفة المركز الأولمبي للألعاب المائية الذي يتّسع لـ 15000 مقعد، 542 مليون دولار أميركي. ووقع جزء كبير من العبء المالي على دافعي الضرائب اليابانيين، الذين موّلوا حوالى 55% من المشروع، فيما تم تمويل 6.7 مليارات دولار أميركي من القطاع الخاص.

غزو صيني لليورو
حاولت الصين في السنوات الماضية تطوير دوري كرة القدم الخاص بها من خلال البذخ على استقدام اللاعبين والمدربين الأجانب، ولكن دون جدوى. وفي ظل فشل التجربة، توجّه القيّمون على القطاع الكروي للتطوير عبر تنمية الثقافة الكروية المحلية، والاستفادة من الخطط العالمية بمختلف هيكلياتها، الأمر الذي ساهم في انتشار الملّاك وشركات الرعاية الصينية في القطاع الرياضي بكثرة وفي مختلف دول العالم.
وبعد «تحسين» الدوري المحلي، ثم شراء الملّاك الصينيين أنديةً مختلفة في أوروبا، انصبّ التركيز على حقوق الرعاية والترويج لتلعب الصين بذلك دوراً رئيسياً في تطوير كرة القدم العالمية. ظهر ذلك جلياً عام 2018، عندما دخلت سبع شركات صينية قائمة رعاة «المونديال».
وفي تقريرٍ صادر عن شركة أبحاث السوق «زينيت»، تبيّن أن تكاليف إعلانات الرعاة التجاريين من مختلف البلدان في كأس العالم 2018 قد ناهزت 2.4 مليار دولار، أنفقت الشركات الصينية منها 835 مليون دولار، أي ما يعادل ضعفَي إنفاق الشركات الأميركية البالغ 400 مليون دولار وأعلى بكثير من إنفاق شركات الدولة المضيفة روسيا، البالغ 64 مليون دولار.
هكذا، ومع تشجيع الحكومة الصينية في السنوات الماضية للشركات المحلية على السفر إلى الخارج، توسّع الصينيون في مجال الرعاية والتسويق لتوقّع ثلاث شركات صينية عقود شراكة في يورو 2020 بهدف فتح أسواق جديدة بعيداً عن الاستهلاك المحلي، لتضع بذلك موطئ قدم لها على خريطة كرة القدم العالمية يوازي ثقلها الصناعي والسياسي والعسكري وتأثيرها الدولي.

برشلونة مأزوم
يواجه نادي برشلونة أزمةً مالية خانقة بسبب تداعيات فيروس كورونا وسوء الإدارة خلال الفترة الماضية، وهو الأمر الذي يُلزم الإدارة الجديدة بتوفير مدّخرات كبيرة تصل إلى 200 مليون يورو وذلك لتلبية شروط لوائح الاتحاد الإسباني لكرة القدم.
سوء الوضع في برشلونة جاء بالدرجة الأولى بسبب تراجع عائدات النادي بمقدار 126 مليون يورو (15%) في عام 2020، وهو ثاني أعلى انخفاض من حيث القيمة المطلقة لأندية «الدوري الأوروبي الممتاز». سبق وأن أبلغ النادي الكاتالوني عن خسارة بقيمة 203 ملايين يورو جرّاء كورونا في عام 2020 (ملعب 67 مليون يورو، تلفزيون 35 مليون يورو، تجاري 72 مليون يورو وتحويلات 29 مليون يورو) وسبّب انخفاضاً إضافياً قدره 267 مليون يورو في عام 2021، ما يعني خسارة 470 مليون يورو على مدار عامين. رغم ذلك، أنفق برشلونة ما يقرب من مليار يورو على جلب اللاعبين للنادي في السنوات الثلاث الماضية كأعلى مبلغ في أوروبا، متقدماً على يوفنتوس 801 مليون يورو وتشيلسي 758 مليون يورو ومانشستر سيتي 678 مليون يورو.

فضائح في إيطاليا
بالنظر إلى شح العائدات، لجأت العديد من الأندية في مختلف الدوريات للتلاعب في الحسابات، وقد فُضحت تلك العمليات الاحتيالية في الدوري الإيطالي. فضيحة جديدة تضرب الدوري حالياً تتعلق بمكاسب رأس المال (plusvalenza)، والتي يمكن أن تكون لها تداعيات خطيرة على عدد من الأندية والشخصيات في عالم كرة القدم.
تُعرف مكاسب رأس المال في إيطاليا باسم «plusvalenza»، وهو مصطلح محاسبي للربح المحقّق من بيع أحد الأصول مثل الأسهم أو السندات أو العقارات، وعادةً ما يُستخدم ضمن الفرق لتحديد سعر البيع (الأعلى) و(الأقل) لأصل معين. بالنسبة إلى أغراض المحاسبة، يتم توزيع رسوم نقل اللاعب القادم على طول عقده الجديد (المعروف باسم الإطفاء)، في حين أن رسوم اللاعب الذي يتم بيعه هي دخل فوري.
أنفقت اليابان على الدورة الأولمبية حوالى 25 مليار دولار


ووفقاً لوسائل الإعلام الإيطالية، تبحث السلطات المعنية في 62 عملية انتقالات تمّت بين عامَي 2019 و2021. ومن جهتها ذكرت صحيفة «لا غازيتا ديلو سبورت» أن 42 من تلك الصفقات شارك فيها يوفنتوس. وتضم لائحة الأندية المتورطة أيضاً كلاً من روما، نابولي، أتالانتا، سمبدوريا، جنوى، إنتر ميلانو... وهي تخضع للتحقيق بسبب تضخم مشبوه في قيم انتقالات بعض اللاعبين.
وكشفت التحقيقات الأولية انتقال بعض اللاعبين بمبالغ تفوق قيمتهم السوقيّة، الأمر الذي أثار الشك حول التلاعب. يجري التحقيق في صفقة فيكتور أوسيمين الذي انتقل من نادي ليل الفرنسي إلى نابولي الإيطالي، والتي كانت واحداً من أوضح الأمثلة على التقنية المستخدمة، كما صفقة كريستيانو رونالدو والعديد من الصفقات الأخرى.

الأندية الإيطالية متهمة بالتلاعب بأسعار اللاعبين


تجدر الإشارة إلى أنه، وبحسب التقديرات، تمّ تحقيق أكثر من 3 مليارات يورو من المكاسب الصافية في دوري الدرجة الأولى الإيطالي وحده خلال العقد الماضي.

عقوبة ديربي كاونتي
قبل إيطاليا، حسمت رابطة دوري القسم الثاني في إنكلترا «تشامبيونشيب» 21 نقطة من رصيد ديربي كاونتي نتيجة انتهاك قواعد المحاسبة ما هدّده بالهبوط. تلاعب النادي بكيفية قياس قيمة اللاعبين، إذ لم يراع قواعد إطفاء رسوم النقل، وهي ممارسة لا تتماشى مع مبادئ المحاسبة المقبولة. شكّل قرار الخصم صدمةً قوية لآمال المدرب واين روني في النجاة من شبح الهبوط، وتحدثت الإدارة عن وجود عدة عروض محتملة للاستحواذ على النادي.
وبعد خصم 21 نقطة من ديربي كونتي، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي تعاطفاً مع الفريق، حيث أشار العديد من مشجعي أندية الدوري الإنكليزي إلى الطبيعة غير العادلة للقرار، مقارنةً بكيفية معاقبة الأندية الإنكليزية الستة الكبرى (في الدوري الممتاز) بعد محاولتها الانضمام إلى «السوبر الأوروبي»، معتبرين أن هذا الأمر يشكل تمييزاً فاضحاً في كيفية التعامل مع أندية الدوري الممتاز مقارنة بالدرجات الأخرى.