حين تعرّض حارس مرمى المنتخب الأول في كرة القدم مهدي خليل لإصابة في الرباط الصليبي قبل انطلاق التصفيات الآسيوية النهائية المؤهّلة إلى كأس العالم، انتاب المعنيين قلقٌ كبيرٌ باللعبة من مسؤولين وجمهور. قلق من غياب الحارس الرئيسي عن التصفيات الآسيوية التي تجمع أفضل 12 منتخباً في القارة الأكبر. ألقت إصابة مهدي خليل مسؤولية كبيرة على الحارس الثاني مصطفى مطر بشكل أساسي وبدرجة أقل على الحارس الثالث علي ضاهر. قلق كان أساسه فكرة شائعة بعدم وجود حراس مرمى جيدين في لبنان.فاجأ مصطفى مطر كثيرين بالأداء الذي قدّمه مباراة بعد أخرى في التصفيات الآسيوية قبل أن يختم حضوره القوي بأداء عالٍ جداً في منافسات كأس العرب أمام منتخبات بحجم مصر والجزائر. أداء جعله محطّ أنظار الكشّافين الساعين وراء المواهب الكروية.
لكن إذا كان كثيرون قد فوجئوا بأداء مطر، فإن المتابعين لمسيرة مطر الكروية لم يتفاجأوا بما قدمه الحارس الشاب. فهو كان من عداد منتخب الشباب عامَي 2013 و2014 والذي ضمّ إلى جانب مطر كلاً من خليل خميس، غازي حسين، خالد العلي، فيليب باولي، حبيب شويخ وغيرهم من اللاعبين. حينها فاز هذا المنتخب مع وجود مطر في حراسة المرمى على منتخب قطر 2-1 في الدوحة. وهو المنتخب عينه مع الجهاز الفني ذاته الذي أحرز لاحقاً كأس آسيا 2019 ويشارك حالياً في بطولة كأس العرب. وحينها قدّم مطر في التصفيات أداء رشّحه ليكون من الحراس النجوم في الدوري اللبناني.

لطالما كانت هناك وجهة نظر سائدة بأن لبنان يفتقر إلى نجوم في مركزين أساسيين: حراسة المرمى والهجوم. المركز الأول لطالما كان مصدر قلق للقيمين على اللعبة، لكن جاءت المشاركات الخارجية للمنتخبات بمختلف فئاتها لتغيّر هذه الصورة.
مطر (حارس مرمى فريق العهد) لم يكن الحارس اللبناني الوحيد الذي برز مع منتخب بلاده، فأنطوان الدويهي، حارس مرمى السلام زغرتا، أيضاً برز مع المنتخب الأولمبي بغضّ النظر عن النتائج المُخيبة التي حققها هذا المنتخب والتي لا شك أن الدويهي لا يتحمل مسؤوليتها. أداء الدويهي سمح له بأن يكون الحارس الثالث في المنتخب الأول بعد إصابة علي ضاهر وغيابه عن المنتخب، حيث حلّ بديلاً له في كأس العرب. لم يشارك الدويهي في أي مباراة، لكنّ هناك إجماعاً من المعنيين بأن الدويهي هو حارس واعد وكل ما يحتاج إليه هو التدريب الصحيح من جهة وفرصة المشاركة مع فريقه السلام زغرتا في الدرجة الثانية (لا يحصل الدويهي على فرصته).
لا يتوقف تألّق حراس المرمى اللبنانيين خارجياً، فحارس مرمى العهد رامي مجلّي والذي انتقل قبل أشهر للدراسة ومزاولة كرة القدم في سويسرا أيضاً كان من نجوم بطولة غرب آسيا للشباب التي أقيمت في العراق. ساهم مجلّي في قيادة منتخب لبنان إلى المباراة النهائية وكان في طريقه لإحراز لقب أفضل حارس في الدورة لولا خسارة النهائي بركلات الترجيح، فذهبت الجائزة إلى حارس مرمى منتخب العراق حسين حسن الذي أحرز اللقب.
كان رامي مجلّي قريباً من إحراز جائزة أفضل حارس في بطولة غرب آسيا للشباب


منتخب الناشئين أيضاً كانت له حصة من تألق حارس مرماه جاد جوهر، لاعب فريق الهدى (BFA) بغضّ النظر عن خسارته مباراتين ضمن بطولة غرب آسيا للناشئين في السعودية. خسر منتخب لبنان أمام السعودية في المباراة الأولى 1-2، لكن من تابع مجريات اللقاء كان يعرف أن جوهر كان له الفضل الكبير بعدم خروج منتخب لبنان خاسراً بنتيجة ثقيلة. إذاً هو حارس جديد يُضاف إلى قائمة الحراس الواعدين.
لكن ما هي أسباب هذا التطوّر الذي ظهر على الحراس اللبنانيين؟
يعيد المعنيون أسباب تحسّن أداء الحراس اللبنانيين إلى سببين: الأول يتعلّق بالمدربين والسياسة التي انتهجها اتحاد اللعبة قبل ثلاث سنوات بإقامة دورات علمية للحراس (LEVEL 1) انطلاقاً من ضرورة تطوير المدربين كي نحصل على لاعبين جيدين. فكانت أول دورة حراس مرمى بإشراف الاتحاد الآسيوي شارك فيها مدربون كوحيد فتال، زياد الصمد، خليل كركي، عباس شيت، علي بزي، عدنان عيتاني وغيرهم من مدربي حراس المرمى.

برز الحارس جاد جوهر مع منتخب الناشئين (موقع الاتحاد اللبناني)

بعد ثلاث سنوات ظهرت نتائج هذا العمل إن كان على صعيد الأندية أو المنتخبات. أحد خرّيجي أول دورة للحراس وحيد فتال هو مدرب في المنتخب الأول حيث يتألّق مطر. خليل كركي هو مدرب مطر في نادي العهد، وبالتالي لديه دور أساسي في المستوى الذي وصل إليه مطر. زياد الصمد هو مدرب حراس المرمى في المنتخب الأولمبي حيث يلعب أنطوان الدويهي. عباس شيت هو مدرب حراس المرمى في منتخب الشباب حيث برز مجلّي الذي أيضاً لمدربي حراس المرمى في العهد فضلٌ عليه. المدرب علي بزي هو مدرب الحراس في منتخب الناشئين حيث تألّق جاد جوهر في بطولة غرب آسيا.
لكن رغم هذه الصورة الناصعة على صعيد حرّاس المرمى في المنتخبات اللبنانية، فإن القيّمين على اللعبة في الاتحاد ينظرون إلى أبعد من ذلك. فالهدف الحالي هو تأمين حرّاس بدلاء للحراس الحاليين لا يقلّون شأناً عن الحراس الأساسيين. قد لا تكون هذه المشكلة حاضرة بقوة في المنتخب الأول مع وجود علي ضاهر وعلي السبع، لكنها حاضرة في منتخبَي الشباب والناشئين، وهو أمرٌ يسعى المسؤولون إلى معالجته بالتعاون مع الأندية الكروية في مختلف الدرجات والفئات.
هي بارقة أمل ظهرت في مختلف فئات المنتخبات اللبنانية يمكن البناء عليها للمستقبل، من خلال تحديد أسبابها ودراسة ما إذا كانت هناك إمكانية تعميم هذه الأسباب على مراكز أخرى، وتحديداً مركز الهجوم الذي تعاني منه منتخبات لبنان جميعها.