لطالما كانت الإصابات واحداً من أكبر مخاوف المدربين واللاعبين نظراً إلى تأثيرها المباشر على أداء الفريق ومساره في المسابقات. تكثر أخبار الأندية كل أسبوع على مواقع التواصل الاجتماعي، كلما شوهد لاعب «يعرج» خارج الملعب أو كلما انتشرت الشائعات حول انسحاب لاعب آخر من الفريق بسبب إصابة تعرّض لها في التدريبات. ورغم تفاوت الأسباب المؤدية إلى كثرة الإصابات أخيراً، يبقى العامل الرئيسي هو جدول المباريات المزدحم بسبب الاضطرابات الناجمة عن فيروس كورونا. وفي هذا الإطار اعتبرت العديد من الجهات ومنهم مدربون محترفون، أن روابط الدوريات خاصة في أوروبا تقدم الربح الاقتصادي الناتج عن المباريات والبطولات على صحة اللاعبين الجسدية والنفسية.يتنافس اللاعبون أكثر وأكثر ضمن استحقاقات كرة القدم المختلفة في الآونة الأخيرة. وبصرف النظر عن المنافسات المحليّة، يشارك اللاعبون في مسابقات قارية دون إغفال المباريات الدوليّة مع منتخبهم الوطني ورحلات ما قبل الموسم التحضيرية الأمر الذي أدّى إلى انتشار الإصابات بكثرة بين مختلف الأندية مثل نابولي، إي سي ميلان، تشيلسي... وسط كل ذلك، زاد كورونا الطين بلّة بعد أن ساهم بلعب مباريات كثيرة ضمن فترةٍ محدودة لتعويض التوقّف القسري في فترة الحجر، دون إغفال الإرهاق الذهني والنفسي الناجم عن التعامل مع الفيروس المستجدّ كونه يشكّل تهديداً مباشراً لصحة اللاعبين.
أظهرت دراسة طبية بريطانية انخفاض إصابات الرباط الصليبي سنوياً بنسبة 5% أثناء التدريب و4% أثناء المنافسة


لم تكن هناك استراحة مناسبة في خلال فصلَي الصيف الماضيين إثر ازدحام الجداول بالمسابقات المختلفة. نتيجةً لذلك، كان على اللاعبين دفع طاقتهم إلى أقصى الحدود بهدف التعامل مع جدول المباريات الصعب، ما تسبب في تشنج أجسادهم وإجهادهم أكثر من المعتاد. ثبتت أيضاً إصابة الكثيرين بفيروس كورونا، آخرهم الكرواتي ماتيو كوفاسيتش في أول يوم عاد فيه من إصابة طويلة، وسط اعتراضات من مختلف الجهات حول استمرار المسابقات رغم التهديدات الصحية، وهو عنصر آخر يضاف إلى مخاوف الأندية من الغيابات.

دور الكادر الطبيّ
في ظل لعب المزيد والمزيد من المباريات مقابل تناقص في أيام الراحة، يأتي دور كادر الأندية الطبي صاحب وظيفة تجهيز اللاعبين لأكبر قدر ممكن من مباريات الموسم.
تُنفق الأندية الكثير من المال والوقت على إجراءات وقائية في محاولة للحد من مخاطر الإصابة خلال التدريبات والمنافسة. في هذا الإطار، قامت دراسة نشرتها «The British Journal of Sports Medicine» عام 2021 بتحليل نسب تواتر الإصابات في فرق كرة القدم خلال السنوات الأخيرة.
تناولت الدراسة تحليل 3302 لاعب ينتمون إلى 49 من أندية النخبة من 19 دولة أوروبية مختلفة شاركت في دور المجموعات بدوري الأبطال خلال 18 موسماً، لُعب في الفترة الممتدة بين 2000-2001 و2018-2019. وللحصول على نسب دقيقة، قام عضو من الجهاز الفني لكل نادٍ بتسجيل إصابات كل لاعب خلال المشاركة في الحصص التدريبية والمباريات. في المجموع، أشارت النتائج إلى انخفاض معدل وقوع الإصابات في التدريب والمنافسة على مدى السنوات الـ18 الماضية (انخفض تواتر إصابات الرباط الصليبي سنوياً بنسبة 5% أثناء التدريب و4% أثناء المنافسة كما انخفض معدل حدوث الانتكاس بسبب الإصابة بنسبة 5%) مقابل زيادة إتاحة اللاعبين للمشاركة في التدريبات والمسابقات بنسبة 0.7%.


يشير الانخفاض في معدل الإصابات بين عامَي 2001 و2019 إلى فاعلية استراتيجيات الوقاية التي قامت بها الأندية. بالنسبة إلى معدل الإصابات المرتفع حالياً، فهو يعود لغياب الموسم التحضيري «الطبيعي» نظراً إلى تداعيات فيروس كورونا وجدول المباريات المزدحم، وذلك بحسب ما شرح غاري لوين، طبيب نادي آرسنال ومنتخب إنكلترا السابق. وقال لوين لـ «بي بي سي راديو 5 لايف»: «إذا لم تتعافَ تماماً من المباراة السابقة، سيبدأ الإرهاق وسترتفع إصابات العضلات، لأنه إذا كانت عضلاتك متعبة وقمت بإرهاقها مرة أخرى، سوف تنكسر».

قاعدة التبديلات الخمسة
خلال الفترة الأولى من عودة البطولات المحلية والقارية لكرة القدم بعد التوقف الطويل بسبب فيروس كورونا، اضطرت الأندية لخوض المباريات وفق جدول مضغوط ما أثّر في لياقة اللاعبين وتسبب في إصابات عديدة.
وفي ظل العقبات الاستثنائية، أوصى مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بإقرار إجراء الأندية خمسة تبديلات في المباراة الواحدة بدلاً من ثلاثة حتى نهاية 2022، على أن يعود قرار تنفيذ القاعدة إلى منظّمي كل مسابقة.
وكان الدوري الإنكليزي الممتاز الوحيد بين البطولات المحلية الكبرى في القارة الذي عاد إلى التبديلات الثلاثة في موسم 2020-2021، رغم إعراب بعض المدربين مثل الألماني يورغن كلوب والإسباني بيب غوارديولا عن مخاوفهما بشأن إرهاق اللاعبين. وسبق أن وافق الدوري الإنكليزي في يونيو (حزيران) 2020 على قاعدة التبديلات الخمسة، ورفع عدد قائمة كل فريق للمباريات إلى 20 لاعباً، لكنه عاد للنظام القديم بعد رفض الأندية استمرار التبديلات الخمسة وفق تصويت باجتماع للمساهمين في ديسمبر(كانون الأول) 2020. جاء ذلك بسبب الخشية بأن تؤدي زيادة التبديلات إلى فرص أفضل للأندية الأكبر حجماً، والتي تتمتع بعمق أكبر في التشكيلة وخيارات أكثر في فرقها. تجدر الإشارة إلى تأييد 11 نادياً إنكليزياً لمقترح التبديلات الخمسة، لكنّ التغيير يتطلب دعم 14 نادياً على الأقل.
هكذا، يبقى الدوري الإنكليزي الممتاز الوحيد في أوروبا الذي يعتمد ثلاثة تبديلات فقط. الحديث قائم الآن حول تعديل قوانين اللعبة لجعل خيار التبديلات الخمسة دائماً في ظل مطالبات العديد من الاتحادات المحلية وروابط الدوري، بانتظار المقرّرات المستقبلية.