صادمة كانت خسارة العهد بثلاثة أهدافٍ من دون رد أمام المحرّق البحريني في نصف نهائي كأس الاتحاد الآسيوي. للوهلة الأولى، قد تبدو مجرّد خسارة مباراة. العهد لن يفوز دائماً. صحيحٌ أنّها ليست خسارة مباراة في بداية الدوري، ولا مباراة في دور المجموعات لمسابقةٍ ما، ونتيجتها الإقصاء، لكنّها ليست مجرّد مباراة. والقصد هنا ليس التجريد من اللقب القاري. هذه الخسارة، بنتيجتها، وبالشكل الفنّي الذي ظهر العهد عليه، ترسمُ مستقبل كرة القدم اللبنانية.لكرة القدم في لبنان مستقبل. ما هي الكلمة التي تأتي بعد مستقبل؟ أسود، رمادي، أو باهت. بشع، أو سيء. غامض، ربما. وما يرسم المستقبل، هو ما يحصل في الحاضر، أو ما حصل في الماضي، وما فعلته الأندية اللبنانية قبل ثلاثة أشهر، حين جدّدت الثقة باتحاد الكرة، سيرسم مستقبل اللعبة.
خسارة العهد في كأس الاتحاد الآسيوي لم تأتِ بفعل سوء تحضيرٍ أو عملٍ إداريٍّ عشوائي، ولو أن الملفّ الفنّي يبقى مفتوحاً. النادي تعاقد مع لاعبَين أجنبيين، وليس واحداً فقط، ليُكمل معه الدوري في الدورة السداسيّة، وضمّ عدداً كبيراً من المحليين، على عكس سياسته، واستعاد بعض من أعارهم في الموسم الماضي إلى جانب مدرّبه، واستعدَّ فعلاً للمسابقة الآسيوية. كان لديه مُتّسع من الوقت للتحضير، وقد فعل، ولو أن مشاركة منتخب لبنان في التصفيات المونديالية قطعت تحضيراته. لكن الصدمة بالنسبة إلى المتابعين، تأتي بعد شكلٍ متواضعٍ لم تكن المشاركة في كأس النخبة من المفترض أن تعكسه. تلك كانت فرصة للاعبين الشباب، والمباراة الأولى في الدوري مع طرابلس، التي انتهت بفوزٍ بهدفٍ وحيد، كانت بعيدة عن أعين الجمهور. وعليه، الصدمة واقعة.
ولا يُمكن أيضاً إلقاء اللوم كاملاً على الوضع النّفسي للاعبين في ظل أزمةٍ اقتصاديّةٍ يُعاني البلد منها وتترك آثارها على مختلف جوانب الحياة الطبيعية لأي لاعب، أو أي إنسان. مع ذلك، ثمّة عوامل لها دورها في أن يظهر حامل بطل كأس الاتحاد الآسيوي بهذه الصورة المكسورة.
ليس هناك أجانب في العهد، أو على الأقل، ليس بمستوى الأجانب الذين يتعاقد العهد معهم غالباً. لا يوجد لاعب، بقيمةٍ فنيّةٍ كبيرة، يقبل أن يبتعد عن الملاعب لأشهر، ليلعب مباراة واحدة فقط، أو ثلاث مباريات كأقصى حد، ويقبل بالمراهنة على المنافسة مع لاعبٍ آخر، ليلعب في نصف دوري. هذا عاملٌ أوّل، تسبّب الاتحاد اللبناني لكرة القدم به ومعه أنديةٌ عدّة رفضت تعاقد أنديةٍ أخرى مع أجانب في بداية البطولة، لأنّها غير قادرة مالياً.
لا توجد ملاعب ليلعب العهد عليها. هذا عاملٌ آخر، وسبق للمدرب باسم مرمر أن تحدّث عنه، حين قال إن العهد يلعب أفضل خارج أرضه، لأنّه يلعب على ملاعب بأرضية عشبٍ طبيعي. هذا، ذنب العهد، وبقية الأندية، التي إمّا تمتنع عن فرش ملاعبها بعشبٍ طبيعي، أو لا تعمل مع البلديّات لاستِئجار الملاعب. ذنب البلديّات أيضاً، ومن خلفها الحكومة.
هذه الخسارة بنتيجتها وبالشكل الفنّي الذي ظهر العهد عليه ترسمُ مستقبل كرة القدم اللبنانية


والعهد، يلعب في دوري متواضع، شأنه شأن كل الأندية، لكن ثمّة أندية لا تمانع الأمر. أساساً، هي المتواضعة، ولن تعترض على نفسها. هذا، ذنب الأندية، والاتحاد، بنظامه الفنّي الجديد «المُبتكر»، واعتماده مبدأ «سارحة والرب راعيها»، بعدم تطوير قوانينه وإلزام الأندية بها، طالما أن الأخيرة لا تعترض.
لكن، ألم يفز العهد باللقب قبل سنتين؟ مشاركاً بهذا الدوري، وعلى هذه الملاعب، وبهذا المستوى الفني؟ لا لم يفعل. مستوى الفرق لم يكن بهذه الهزالة. النجمة كان يعيش أيام حماسة رئيسه، والأنصار يحاول أن يعود إلى منصّات التتويج أكثر من أي نادٍ آخر. بعض الأجانب قدّموا مستوى جيّداً أيضاً، ليس في الفرق الثلاثة التي تنافس عادةً فقط، بل في فرقٍ أخرى أيضاً. ملعبا مدينة كميل شمعون الرياضية وصيدا البلدي كانا متوافرين، أحياناً. الجمهور كان حاضراً أيضاً. دوره أكبر ممّا يقدره القائمون على اللعبة، الذين لم يبذلوا أدنى جهد، فعلي، في عودته إلى الملاعب. والعهد نفسه، كإدارة، ولاعبين، لم يعد نفسه. الرغبة بتحقيق شيءٍ ما، ثم تحقيقه، تختلف عن الرغبة بالحفاظ عليه، هذا إذا كانت هناك رغبة من الأساس.
في الواقع، طريق العهد إلى اللقب الآسيوي لم يكن سهلاً، والقائمون على النادي، يعرفون أكثر من أي شخصٍ خارجه، أن المنافسين لم يكونوا بأفضل حالاتهم أيضاً. هذه المسابقة لم تعد قويّة. لا الفرق العراقيّة تشارك فيها، ولا الفرق الكويتية تعيش أفضل أيامها، كحال كرة القدم الأردنية أيضاً. العهد فاز لأنّه سعى، لا شك بذلك، لكنّ فوزه باللقب جاء بعدما أصبح الوصول إلى الكأس أسهل. هذه الجملة لا تنفي الأولى. الطريق لم يكن سهلاً، على العهد، وليس على فريقٍ قوي، والدوري الضعيف، لا يُخرّج فريقاً قويّاً، إلّا على نظرائه محليّاً.
خسارة العهد في مباراةٍ واحدة، تُشبه خسارة الأنصار في مباراتين قبل أشهر. الأخير هو بطل الدوري والكأس والسوبر. وهذه الخسارات ستتكرر، مع الأنصار نفسه، ومع النجمة، الممثّل الثاني في المسابقة الآسيوية في النسخة المقبلة. ليس لأن هذه الفرق لن تستعد، لكن لأنّها ضعيفة، نِتاج بطولةٍ ضعيفة، وملاعب ضعيفة، ومستوى فنّي ضعيف، وهيكلٍ هرم. بيت القصيد؛ الأندية جنت على نفسها. هي تعلم أن مستقبل اللعبة بشع طالما استمرت على ما هي عليه، وهو ما سيحصل، لكنّها ظلمت نفسها قبل سنواتٍ طويلة، حين خضعت للأحزاب لتتحكّم بمصيرها وتفرض عليها ما لا تريده. بالنسبة إلى العهد، ما بعد كأس الاتحاد الآسيوي، هو دوري الأبطال - المشاركة في البطولة على الأقل - لكن تحقيق معايير المشاركة لن تكفي، لأن الفريق الذي يظهر بالشكل الذي ظهر عليه العهد، أمام المحرّق، بكل هذه الاستعدادات، سيكون كقزمٍ بين العمالقة.