20 دقيقة كانت كافية لكي تمتد الطوابير أمام متاجر نادي باريس سان جيرمان إلى مسافة كيلومترات عدة، والهدف الحصول على قميص النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي. مشهدٌ يجعلنا كلبنانيين في حالة إحباط أكبر من تلك التي نعيشها حيث تحوّلت الطوابير إلى عنوانٍ أساسي في حياتنا اليومية التي كانت حتى الأمس القريب مليئة بالفرح والرفاهية التي يعرفها الباريسيون، والتي تجعلهم من ندرة همومهم يتقاطرون إلى الشوارع من أجل شراء قميص فريق لكرة القدم.هناك وقفوا من دون امتعاض أو «نقّ» ومن دون تعبٍ نفسي أو جسدي. وقفوا من أجل قطعة قماش ولم يمانعوا من دفع ثمنها 165 يورو. قطعة قماش وجدوا فيها الفرح الذي تعطيهم إياه كرة القدم، وذلك في وقتٍ تفتقد عائلات كثيرة في بلادنا إلى قطعة قماش تستر أولادها الذين على ما يبدو لن يعرفوا يوماً طعم الفرح في لبنان المنهار والمشرذم والجريح والفقير والحزين.
يا لهذه الحياة وتناقضاتها، ويا لتلك البلدان التي أصبحت الهجرة إليها حلماً، بينما أقصى أحلام محبي باريس سان جيرمان كانت رؤية ميسي يلعب إلى جانب البرازيلي نيمار والنجم الآخر كيليان مبابي.
وما بين أحلامنا وأحلامهم تسقط الأرقام الصادمة الخاصة بصفقة العصر التي تحمل أبعاداً أكثر من كروية أقله بالنسبة إلى النادي المعني الذي لم يمانع من دفع 35 مليون يورو سنوياً لميسي (تضاف إليها 13 مليوناً كمكافآت)، إلى 25 مليوناً للتوقيع على العقد، وأيضاً 15 مليوناً ذهبت إلى والده ومدير أعماله خورخي الذي كان وراء إبرام الصفقة بحسب ما ذكرت مصادر مختلفة.
أرقامٌ قد تكون كبيرة بالنسبة إلى قارئيها، وخصوصاً عند القول إن ميسي يكسب 67 يورو في الدقيقة، و4.018 ألف يورو في الساعة، و96.428 يورو في اليوم، و675 ألف يورو في الأسبوع، و2.9 مليون يورو في الشهر. لكن هذه الأرقام التي تذهب من الحساب المصرفي لسان جيرمان إلى حساب «ليو» ليست كبيرة بالنسبة إلى نادي عاصمة الأناقة لأنه ببساطة سيعوّضها في أشهرٍ أو حتى أسابيع قليلة إذا ما استمرت هذه الوتيرة الجنونية للمبيعات الخاصة بقمصان النجم الكبير ومشتقاتها.
ناصر الخليفي: «العالم سيُصدم من الرقم النهائي للعائدات الناتجة عن عملية التعاقد مع ليونيل ميسي»


كلام رئيس الـ PSG القطري ناصر الخليفي كان كافياً ووافياً لوصف الوضع والنتيجة المتوقعة لهذه الصفقة التاريخية التي بلا شك فكّر بنتائجها الاقتصادية بموازاة تلك الفنية، إذ قال بأن العالم سيُصدم من الرقم النهائي للعائدات الناتجة عنها.
صَدَق الخليفي فعلاً، إذ إن شاهد عيان في باريس أفاد «الأخبار» بأن الأسعار في المقاهي تغيّرت حتى في «تروكاديرو» وغيرها من الساحات العامة والشوارع مع الإعلان عن وصول ميسي إلى المدينة، إذ قيل إن سكان مدنٍ مجاورة توافدوا إلى قلب العاصمة لعيش أجواء الحدث الذي شغل الشارع الفرنسي، والذي على ما يبدو ستكون له ارتداداته المالية على العاصمة والكرة الفرنسية عامةً.
كما ذكر المصدر الخاص بأن سعر قميص الـ PSG لم يصل إلى هذا الرقم سابقاً رغم استقدام النادي لنجومٍ كبار كان لهم وقعهم في العائدات التي عادت بأرباحٍ كبيرة على النادي، أمثال الإنكليزي ديفيد بيكام والسويدي زلاتان إيبراهيموفيتش وبعدهما البرازيلي نيمار. لكن رغم ارتفاع سعر القميص والطلب الهائل على النسخة الأساسية (الزرقاء) منه، فُقد أيضاً القميص الأبيض في ظرف 20 دقيقة بعد طرحه في كل متاجر النادي في باريس، ليعود إلى الأذهان مشهد الأرباح السريعة التي حقّقها يوفنتوس الإيطالي عند تعاقده مع النجم الآخر البرتغالي كريستيانو رونالدو قبل 3 أعوام حيث باع قمصانه بقيمة 60 مليون دولار أميركي خلال 24 ساعة فقط!

(أ ف ب )

هذا الرقم تخطاه باريس سان جيرمان بلا شك في نفس الفترة الزمنية، وهو أمر يمكن تأكيده حتى قبل الإعلان الرسمي عنه، وذلك من خلال مشهدٍ صادمٍ آخر يتمثّل بعرض النادي 150 ألف قميص على موقعه الإلكتروني، فتمّ شراؤها كلّها خلال 7 دقائق فقط.
«جنون ميسي» الشبيه بما حصل في مدينة نابولي الإيطالية عند وصول «الأسطورة» الراحل دييغو أرماندو مارادونا إليها عام 1984، أوصل سعر بطاقة المباراة المقبلة لباريس سان جيرمان أمام ستراسبور إلى 1500 يورو في السوق السوداء رغم أن مشاركة «ليو» في اللقاء غير مضمونة بل يتوقّع أن يتمّ تقديمه إلى الجمهور. أما السعر الأساسي الأدنى للتذكرة فهو 95 يورو والأقصى 245 يورو. كل هذه الأرقام تقودنا إلى أمر أكيد بأن باريس سان جيرمان لن يعوّض فقط ما خسره في موسم 2019-2020 (125 مليون يورو) بسبب تفشي وباء «كورونا»، إنما سيكسب الكثير مع توقّع تقاطر المزيد من الرعاة إليه كُرمى لعينَي ميسي الذي تصل أرباحه السنوية إلى 110 ملايين يورو جراء عقود الرعاية التي وقّعها مع شركات ضخمة مثل «أديداس» للتجهيزات الرياضية و«بيبسي» للمشروبات الغازية، ليقف في منافسة قوية دائمة على لقب الرياضي الأكثر تحقيقاً للأرباح في العالم مع رونالدو ونجمَي كرة السلة الأميركي ليبرون جيمس، والتنس السويسري روجيه فيدرر.
إذاً مكاسب باريس سان جيرمان كثيرة وكبيرة، بينما هناك في برشلونة لا بدّ أن يتحوّل البكاء إلى نحيب، فالنادي الغارق في ديونٍ تصل إلى 1.2 مليار يورو، تبدأ خسائره الموسمية جراء رحيل ميسي من رقمٍ غير بسيط يصل إلى 137 مليون يورو، تنقسم بين 77 مليوناً من العائدات التجارية، و17 مليوناً من عائدات بيع التذاكر، و43 مليوناً من عائدات بيع قمصان وتجهيزات خاصة بالقائد التاريخي. أضف أن علامة «البرسا» التجارية فقدت 11 بالمئة من قيمتها فور إعلان خبر رحيل «ليو» عن النادي الذي يُعدّ ثاني نادٍ في العالم من حيث القيمة بعد غريمه ريال مدريد (1.267 مليار يورو)، بحيث يصل تقييمه المالي إلى 1.266 مليار.
ببساطة إذا كان شعار برشلونة الأزلي «أكثر من مجرد نادٍ»، فقد تأكد المؤكد بأن ميسي أكثر من مجرد لاعب كرة قدم، وأرقام الحدث الضخم تختصر القصة كلّها.