لطالما حملت مباريات البرازيل والأرجنتين الكثير من الندية والحماس، ولا يخفى على أحد بأنّ الكراهية موجودة بين الجماهير وحتى اللاعبين.التنافس المحموم بين المنتخبين ليس حديث المنشأ، بل هو نتاج عدد من القضايا الثقافية، السياسية والاقتصادية بين البلدين، وقد تبلور أثناء فترة الاستعمار الإسباني والبرتغالي للقارة اللاتينية، ليمتد بعد الاستقلال إلى صراع فرض السيطرة على القارة في مختلف المجالات.
على صعيد كرة القدم، بدأت شعلة الاختلاف عام 1920. في ذلك العام، أقيمت مباراة ودّية بين المنتخبين، غير أن أربعة لاعبين برازيليين رفضوا النزول إلى أرض الملعب بعد أن وصفتهم الصحافة الأرجنتينية «بالقرود الصغيرة». عندها، ولتفادي الأزمة، أشركت الأرجنتين 7 لاعبين فقط وانتهى اللقاء بفوز المنتخب الأرجنتيني بثلاثية نظيفة.
ستكون هناك ندية كبيرة بين ميسي ونيمار في هذه البطولة (أ ف ب )

هنا، بدأت تظهر المشاكل والكراهية بين الجمهور واللاعبين، وقد ظهر أوجها في لقاء الفريقين خلال بطولة أميركا عام 1937. بدأت المباراة حينها بين الفريقين الساعة 10 مساءً وانتهت في وقتٍ متأخر من صبيحة اليوم التالي، وذلك بسبب مشاجرات مختلفة بين اللاعبين تخللها الكثير من العنف الجسدي الذي لم يتمكن الحكم من السيطرة عليه، لينتهي اللقاء بفوز الأرجنتين (2-0) عبر فيسنتي دي لا ماتا في لقاءٍ وصفته الصحافة البرازيلية «بمباراة العار».
هكذا، أضحى كل منتخب بمثابة العدو الأكثر كرهاً للآخر، وفي عام 1946 ظهر صراعٌ جديد وخطير بينهما، إثر كسر البرازيلي جايير ساق اللاعب الأرجنتيني سولومون، فعرف اللقاء أحداثاً غير رياضية ما استدعى تدخل قوات الأمن من أجل ضبط الوضع.
تجدر الإشارة إلى لقاء الفريقين أربع مرات في المونديال، وجميعها لم تمر بسلام، مثل طرد نجم الأرجنتين التاريخي دييغو أرماندو ماردونا في كأس العالم بإسبانيا عام 1982 أو تسمّم برانكو بعد تناوله مياهاً قدمها له اختصاصي تدليك المنتخب الأرجنتيني في مونديال إيطاليا 1990.
بعيداً عن الاختلاف السياسي والكراهية الكبيرة بين الجماهير، كان هناك صراع شديد حول تحديد أفضل لاعب في القرن.
تواجه المنتخبان في 108 لقاءات، فازت البرازيل في 43 مباراة، بينما حقّقت الأرجنتين 39 انتصاراً


منذ عام 1991، كان الاتحاد الدولي لكرة القدم يقدّم جائزة أفضل لاعب كرة قدم في العالم. وفي عام 2000، قرّرت «الفيفا» إنشاء جائزة في الألفية الجديدة عن طريق إجراء تصويت للجمهور يحدّد أفضل لاعب في القرن الـ20، على أن تحصل عملية التصويت عبر موقع الاتحاد الرسمي على الإنترنت. فاز مارادونا بالاستطلاع على شبكة الإنترنت بفارق واسع، وحصل على 53.6% من الأصوات مقابل 18.53% لنجم البرازيل بيليه. على خلفية ذلك، اشتكى العديد من النقّاد بأن طبيعة استطلاع الإنترنت تعاني من مشاكل ديمغرافية حيث أن أغلب مستخدميه من المشجعين الشباب الذين عاصروا مارادونا على عكس بيليه الذي كان في حقبة الستينيات والسبعينيات. هكذا، قررت الفيفا إضافة استطلاع ثانٍ للرأي وعيّنت لجنة مختصة تحت اسم «عائلة كرة القدم»، تألّفت من صحافيين كرويين، مسؤولين ومدربين. حصل بيليه حينها على 72.75% من الأصوات ليفوز بالجائزة من خلال تصويت الصحافيين والمدربين، فيما فاز مارادونا من خلال تصويت الجمهور عبر الإنترنت.
كان هناك الكثير من الشكوك بأن بيليه كوفئ على دعمه المستمر للفيفا، ليلاقي تصرف الاتحاد سخط الأرجنتيين، كما قام مارادونا بمغادرة الحفل مباشرةً بعد تسلّمه الجائزة، وقبل تكريم بيليه.
كل هذه الأحداث ساهمت في صبغ المباراة التي تجمع البرازيل والأرجنتين بالندية والكراهية، والأمر لن يتغيّر في مباراة النهائي.

مباراة متوازنة
قبل بداية البطولة الحالية، كانت البرازيل والأرجنتين أبرز المرشحين للظفر باللقب نظراً إلى العناصر التي تمتلكها كل منظومة مقارنةً بباقي المنتخبات، ومع انطلاق شعلة البداية، أظهر المنتخبان جدارتهما في الوصول إلى هذا الدور عبر النتائج اللافتة والأداء المميز. فريقان شابّان مليئان بالمواهب الصاعدة وبإشراف كل من ميسي ونيمار تمكنا من الوصول إلى المحطة الأخيرة إثر فوز الأرجنتين بركلات الترجيح (3-2) على كولومبيا مقابل انتصار البرازيل (1-0) على بيرو، فلمن الغلبة في النهائي؟
تمتلك الأرجنتين فرصة التتويج بلقبٍ جديد تنهي عبره السنوات العجاف. فمنذ تتويجها بلقب كوبا أميركا 1993، خسرت الأرجنتين نهائي البطولة الأقدم في التاريخ في 4 مناسبات إضافةً إلى خسارتها نهائي كأس العالم ضد ألمانيا عام 2014 على الأراضي البرازيلية أيضاً. كما وصل ميسي إلى النهائي الخامس له مع الأرجنتين، ولم يفز بأي نهائي سابق.
وبحسب الإحصائيات، تواجه المنتخبان في 108 لقاءات، فازت البرازيل في 43 مباراة، بينما حقّقت الأرجنتين 39 انتصاراً. أما أكبر فوز حققه منتخب الأرجنتين على غريمه اللدود فكان في عام 1940 عندما التقيا في بطولة «كأس روخو» وانتهت بنتيجة (6-1).
وبعد خمسة أعوام، حقّق منتخب السيليساو أكبر فوز له على الأرجنتين بنتيجة (6-2)، وذلك في مباراةٍ ودية جمعت الفريقين حينها.
الجميع في حالة ترقّب للمباراة المنتظرة. السياق التاريخي يبشّر بمباراة من العيار الثقيل مشحونة بالندية والغضب، بانتظار ما ستسفر عنه لغة الميدان.

العين على ميسي
أي عاشق لكرة القدم يحلم بأن يرى نجم الأرجنتين ليونيل ميسي وهو يحمل لقباً مع منتخب بلاده. ميسي فعل كل شيء في مسيرته الكروية مع نادي برشلونة الإسباني، إلا أنه لم يفز بأي بطولة رفقة منتخب الأرجنتين حتى الآن. لا مبالغة بالقول بأن بعض مشجعي المنتخب البرازيلي، وهم ليسوا أقلية، يمنّون النفس بأن يروا ليونيل ميسي وهو يحمل الكأس القارية، كثيرون يقولون إن ميسي أفضل من مارادونا، إلا أن ما ينقصه هو الفوز بلقب قاري دولي، وهو ما بات قريباً بالنسبة إلى المستوى الكبير الذي يقدمه منتخب «التانغو» في هذه البطولة. ميسي قدّم كل شيء حتى الآن، والروح التي يلعب بها، تدل على أنه لا يريد أن يكرر خيبات الماضي، خاصة نهائي كأس عام 2014، ونهائي الكوبا في مناسبتين أمام تشيلي أخيراً.