تعدّ بطولتا اليورو وكوبا أميركا أهم مسابقتَين على الصعيد القاري للمنتخبات بعد بطولة كأس العالم، وقد شهدت البطولتان تنافساً شديداً منذ الأزل على السيطرة والنفوذ.ظل الجدل حول كوبا أميركا وكأس أوروبا مستمراً على مر العصور، وأبقى عالم كرة القدم منقسماً لسنوات. وفي ظل الإثارة المتفاوتة التي خلّفتها كلتا القارتين بالنسبة إلى مشاهدي كرة القدم والمشجعين في جميع أنحاء العالم، توجّه الكثيرون إلى طرح السؤال عن البطولة الأهم من حيث الرعاية والمشاهدة واستعراض النجوم، فلمن الغلبة؟
لكّل مسابقة سحرها، هذا واضح للجميع. ولكن عندما تزامنت البطولتان في التوقيت ذاته، خسرت كوبا كثيراً، حيث أصبحت بالنسبة إلى المشاهدين كقطعة الحلوى ما بعد وجبة اليورو الغنية. طرح الكوبا واليورو كمادة ترفيهية للجمهور في نفس الوقت، قلّل من قيمة البطولة الأميركية الجنوبية وأظهر التفوّق الواضح لصالح المباريات الأوروبية.
في الكوبا، يبرز منتخبا البرازيل والأرجنتين اللذان وصلا إلى النهائي «بسهولة»، مقارنةً بالمفاجآت التي أحدثتها الفرق الأوروبية «غير» المرشحة لنظيرتها من النخبة الأولى.
يغلب على فرق كوبا أميركا السحر الكروي من حيث الإمكانات الفردية للاعبين، غير أنّ الندّية الموجودة في اليورو بفعل كثرة النجوم المشاركة في دوريات النخبة جعل من مباريات كأس أوروبا أفضل وأمتع بالنسبة إلى المشاهد.

تفاوت في نسب المشاهدة
تعتبر بطولة كوبا أميركا أقدم بطولة في عالم كرة القدم، وهي تشهد على مشاركة 11 منتخباً في المسابقة، مقارنةً ببطولة اليورو التي تضم 55 منتخباً يتنافس فيها 24 في كل مرة. بناءً على ذلك، من المنطقي أن يكون لليورو عدد أكبر من المتابعين وربما تغطية إعلامية أفضل.
أيضاً، حقيقة أن المنتخبات التي تتأهل للبطولات الأوروبية تحتاج إلى المرور بعملية تأهيل أخرى، هي مؤشر على أن المنافسة الأوروبية أكثر تنافسية ولديها معايير أعلى في ما يتعلق بكفاءة كل منتخب يدخل البطولة.
تختلف نسب المشاهدة بين البطولتين تبعاً لعوامل عديدة، منها المستوى الفني لكل بطولة، الترويج الإعلامي، إضافةً إلى توقيت المباريات الذي أبعد الجمهور عن متابعة الكوبا نظراً إلى إقامة أحداثها بعد منتصف الليل بحسب توقيت لبنان ومعظم دول الشرق الأوسط، بينما يبدو توقيت مباريات كأس أوروبا مناسباً للأكثرية وخصوصاً في أغلب دول أفريقيا وآسيا.
فقدت بطولة كوبا أميركا حوالى 60 في المئة من جمهورها منذ عام 2019


في هذا الصدد، أظهرت البيانات الصادرة عن معهد الرأي العام والإحصاء البرازيلي، أن بطولة كوبا أميركا فقدت حوالى 60 في المئة من جمهورها منذ عام 2019. ووفقاً لشبكة (Sony (Pictures Sports Network ـ (SPSN) يبلغ متوسط عدد المشاهدين 980.000 مشاهد لكل مباراة بعد مرور عشر مباريات في البطولة.
وعلى الجهة المقابلة، تابع 37 مليون مشاهد التغطية الكاملة للمباريات الـ21 الأولى في مرحلة المجموعات من بطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2020، وذلك ما بين 11 يونيو/ حزيران و 18 يونيو/حزيران 2021، وهو رقمٌ يقارب ثلاثة أضعاف نسبة المشاهدة في بطولة أمم أوروبا 2016. ولعبت حقوق النقل دوراً كبيراً في تفاوت نسب المشاهدة، فعلى سبيل المثال، كان معظم الأميركيين الجنوبيين قادرين على مشاهدة مباريات أوروبية أكثر من كوبا أميركا (رغم إقامة الحدث في البرازيل) نظراً لأن أجهزة التلفزيون في الجنوب لا تمتلك حقوق البث التلفزيوني لهذا العام.

كورونا يقلب الموازين
وبعيداً عن التفاوت في الأداء واختلاف موازين التغطية الإعلامية، كان لتداعيات فيروس كورونا أثر واضح في إخفات وهج كوبا أميركا هذا العام لصالح اليورو. وسجّلت البرازيل أكثر من 18.5 مليون حالة كورونا، وقرابة 500 ألف حالة وفاة، كثاني أعلى عدد وفيات في العالم بعد الولايات المتحدة. رغم ذلك، استضافت بلاد السامبا العرس الكروي بعد انسحاب كلٍّ من الأرجنتين وكولومبيا من سباق الاستضافة.
جاء عرض الرئيس البرازيلي بولسونارو، الذي يسعى للحصول على «سلاح» إلهاء جماعي عن مشاكله التي لا تعدّ ولا تحصى في البلاد، لاستضافة البطولة ضد نصيحة خبراء الصحة في البلاد، وهو ما ساهم بحملة غضب ومقاطعة من قبل المواطنين البرازيليين.
وفي ظلّ «خطورة» الوضع، انسحب العديد من الشركات الراعية، خاصة تلك الأوروبية أو الآسيوية. ووصف السياسيون المعارضون الحدث بأنه «مشروع الموت»، كما اتّجهت بعض الوجوه المحلية لاتّهام الرئيس بارتكاب «إبادة جماعية».

الجوائز النقدية تميل لأوروبا
من المنظور المالي، تطورت بطولة اليورو لتدرّ عائدات نقدية هائلة بالنسبة إلى المنتخبات المشاركة.
يحصل الفريق المتوّج بالبطولة على ما يقرب من 34 مليون يورو في المجموع، ويبلغ المبلغ الإجمالي الذي سيتم تقسيمه بين الفرق المشاركة 371 مليون يورو. هذا المبلغ كبير جداً مقارنة بنسخة عام 2016 حيث كانت الجوائز تُقدر بـ304 مليون يورو.
على الجهة المقابلة، يبلغ إجمالي الجوائز المالية لبطولة كوبا أميركا هذا العام، 23 مليون دولار، يتم توزيعها على المشاركين بنسبٍ متفاوتة. ومن المتوقّع أن يحصل الفريق الفائز على مبلغ 10 ملايين دولار فقط بعد تتويجه باللقب.
العديد من العوامل وضعت كوبا أميركا في ظل اليورو، غير أنّ سحر أميركا الجنوبية لا يزال حاضراً. الاهتمام سيزداد في النهائي المنتظر بين البرازيل والأرجنتين، بانتظار تحسينات اتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم (كونميبول) في السنوات المقبلة لمقارعة اليورو من جديد.