هي ألمانيا العظيمة في كرة القدم. ألمانيا التي جرت العادة أن تهزم إنكلترا وأن تذهب بعيداً في البطولة الأوروبية وأن تهدد أكبر وأقوى المنتخبات فيها. لكن هذا الكلام كلّه من الماضي، فألمانيا لم تعد هي نفسها، وهذا ما بدا واضحاً منذ سنواتٍ عدة حيث تراكمت الخيبات في البطولات والمباريات الرسمية والوديّة على حدٍّ سواء.لكن رغم ذلك بدا التفاؤل حاضراً والسبب أن الجمهور الألماني لا يزال يعيش على غيمة الفوز بكأس العالم 2014 بقيادة المدرب يواكيم لوف، ما جعلهم يؤمنون إلى حدٍّ ما بإمكانية حصول معجزة وتخطي خيبة المونديال الروسي الأخير وتحقيق نتيجة طيّبة في "اليورو".
وفي البحث عن أسباب السقوط الأخير لألمانيا، يبدأ الكلام من عند لوف، الذي قتله عناده وغروره وإفلاسه في ما خصّ فلسفته الكروية التي قضي عليها نهائياً. هذه المسألة كانت حاضرة في أحاديث خبراء الكرة الألمانية منذ الخسارة القاسية أمام إسبانيا بسداسية، وهي كانت بلا شك موجودة في أذهان القيّمين على الاتحاد الألماني الذي تناقش في إمكانية إقالة لوف ومن ثم صبر عليه، ربما تكريماً لما فعله في مسيرته مع "المانشافت".
مسيرةٌ أنهاها لوف بيديه بأسوأ طريقة ممكنة بفعل خياراته الخاطئة في المباريات، خصوصاً لناحية الاستراتيجية التي أصرّ عليها، ولم يبدّلها رغم المطالبات العديدة من نجوم سابقين وخبراء بضرورة اتباع مقاربة أخرى.
وإذا كان لوف هو المشكلة الأساسية بنظر الكثيرين، فإنه لا يمكنه تحميله المسؤولية وحده، إذ إن غالبية لاعبيه لم يظهروا بالصورة المطلوبة التي كانت منتظرة منهم، وتحديداً أولئك الذين تألقوا مع أنديتهم. ويبدأ الحديث هنا من خط الدفاع حيث لا يستحق ماتياس غينتر مركزاً أساسياً، ولا يعتبر أنطونيو روديغير مدافعاً عالمياً. أضف أن الثنائي المذكور لم يتناغم مع المدافع الآخر ماتس هوملس، وهو أمر ظهر في كل مرّة اهتزت فيها شباك ألمانيا، ليتأكد المؤكد وهو أن "المانشافت" لا يملك العناصر القادرة على اللعب بثلاثة لاعبين في خط الظهر.
وبالانتقال إلى الوسط، فهذا الخط الآخر الضعيف هو سبب من أسباب خسارة الألمان. وعلى سبيل المثال كان الاعتماد كبيراً على خبرة طوني كروس، لكن التمريرات المفتاحية غابت عن أداء لاعب ريال مدريد الإسباني. أما إيلكاي غوندوغان فبدا شبحاً لذاك اللاعب الذي كان أفضل لاعبي الدوري الإنكليزي الممتاز ومانشستر سيتي حيث تحوّل إلى هدافٍ أساسي في صفوفه. لكن مع ألمانيا غابت لمساته وتسديداته وأهدافه.
في البحث عن أسباب السقوط الأخير لألمانيا، يبدأ الكلام من عند لوف


الأمر عينه ينطبق على لوروي سانيه، الذي عابه البطء وخسارة الكرات الكثيرة والمواجهات البدنية الثنائية، تماماً مثل كاي هافرتز ولو أن الأخير عوّض نسبياً بتسجيله الأهداف. كما يستحق روبن غوسنس الانتقادات لأنه لم يظهر بقوة إلا في المباراة أمام البرتغال التي فتحت له الرواق الأيسر، بينما غاب كليّاً عندما أحكمت المجر وإنكلترا خططها الدفاعية لمنع تقدّمه، فبدا عاجزاً عن إيجاد الحلول.
أما الطامة الكبرى فهي خط الهجوم غير الفعال، والذي لم ينجح في إدخال الرعب إلى قلوب الخصوم وحراسهم. وهذه المسألة مردّها أولاً إلى ضعف خط الوسط في عملية البناء وإيصال المهاجمين إلى المنطقة المحرّمة لصناعة الخطورة وتالياً تسجيل الأهداف. أما النقطة الثانية فهي ضياع سيرج غنابري لعدم تأقلمه مع طريقة اللعب التي اعتمدها لوف، وعدم ظهور تيمو فيرنر يوماً بصورة المهاجم الذي يستحق ارتداء القميص الرقم 11 الذي ورثه عن أفضل هداف في تاريخ المونديالات أي ميروسلاف كلوزه، فعاد إلى تضييع الفرص كما فعل مع تشلسي خلال الموسم الماضي، وغاب أيضاً في بعض الحالات من دون أن يترك أي تأثير إيجابي على أرض الملعب.
إذاً هي سلّة مشكلات أغرقت الألمان مجدداً، لكن المؤلم بالنسبة إلى متابعيهم عن كثب أن هذه المشكلات هي نفسها التي قضت على مشوارهم في مونديال 2018، وهي المشكلات نفسها التي كانت معروفة سلفاً قبل انطلاق كأس أوروبا، لكن رغم ذلك لم يعمل أحد على معالجتها.
لوف لم يستمع إلى أحد وحوّل شعار "ألمانيا فوق الجميع" إلى "أنا فوق كل شيء". هو قالها يوماً، فدفع ثمن دفاعه عنها وعن غطرسته التي سيرتاح الألمان منها، وهم الذين سيفتحون قلوبهم إلى مساعده السابق هانزي فليك لإعادتهم إلى عهدهم الذهبي. أمرٌ ممكن، لكن الأكيد أنه لن يحصل في وقتٍ قريب لأن كل المشكلات المذكورة سلفاً تحتاج إلى سنواتٍ من العمل لتذويبها وصناعة قطع غيار جديدة للماكينات المعطلّة.