يحضر علم بلجيكا إلى جانب أسماء ثلاثة لاعبين على الأقل، في لائحة أفضل لاعبي كرة القدم في العالم. العلم عينه، تصدّر تصنيف أفضل المنتخبات في العالم لفترة، وهو حاضرٌ دائماً في ترتيب المنتخبات العشرة الأوائل. كيف وصلت كرة القدم البلجيكية إلى حالها اليوم بعد عقدين من التأسيس؟
بدأت رحلة بلجيكا من القعر بعد سلسلة انهيارات من 1998 إلى عام 2000. وبعد ترؤّس ميشيل سابلون الاتحاد البلجيكي، قرر أن الوضع لا يجب أن يستمر على حاله. هناك تغييرات جذرية يجب أن تتم وهذه التغييرات كانت خارجة عن المألوف بلجيكياً. هو أرادها ثورة من قاعدة الهرم وعلى كل الأصعدة، من أسلوب اللعب إلى نظرة بلجيكا عامّة إلى اللعبة، «هل نريد الفوز فقط؟ أم نريد التركيز على اللاعبين؟ عندما كنت مدرباً أذكر جيداً أني كنت أريد تحقيق النقاط الثلاث فقط، كنت أدخل بنقاشات مع الحكام حول قرارات لا أستسيغها، لكن عندما تأخذ خطوة إلى الوراء تنتبه أن الأهمية ليست بالفوز فقط بل بإسناد قاعدة أو ركيزة لكيفية رؤية اللعبة»، يشرح عرّاب الثورة الكروية البلجيكي.

ارتأى سابلون أن الحلول عديدة ويجب أن تبدأ من أكثر من مكان، أولها على الحدود، تحديداً في العاصمة الهولندية أمستردام حيث أعرق أكاديميات الكرة. بلجيكا اعتمدت على اللعب برسم تكتيكي (4-2-2) وأحياناً (3-5-2) مع الاعتماد على الأسلوب الدفاعي والمرتدات، لكن التحوّل كان نحو رسم (4-3-3) لإعطاء اللاعبين المجال الأكبر للتحرّك ولعب كرة هجومية وجماعية أكبر.

الهدف هو خلق هوية كروية لبلجيكا، ألا يكون هناك فارق في بين ناشئي بلجكيا ولاعبي المنتخب الأول سوى حجم القمصان فقط، يجب أن يكون الأسلوب نفسه ويُصبح لبلجيكا خط كروي خاص تبني عليه للمستقبل.

علم الداتا وأهمية كرة الناشئين
التغيير الأهم والأعمق كان من خلال العمل عن كثب مع الفئات العمرية. المبدأ بسيط جداً، «إن أردت تغيير مفهوم ما يجب البدء بقاعدة الهرم وليس من رأسه» وهذا ما قام به سابلون، إذ تم جمع أكثر من 1500 فيديو للأطفال من الفئات العمرية في مباريات 8 لاعبين ضد 8 لاعبين و11 لاعباً ضد 11 لاعباً، وتم احتساب عدد المرات التي يلمسون الكرة طوال المباراة، وأتت النتائج بأرقام ضئيلة جداً. بالنسبة إلى الطفل، الأهم في كرة القدم هو التهديف أولاً، لمس الكرة والشعور بأنه قادر على ممارسة اللعبة، ومن ثم ينمو لديه الاهتمام بتنفيذ التمرير وزواياه.

جمع الداتا كان بترافق مع مراقبة سايكولوجية للأطفال وتغيّر نمط تجاوبهم مع المباراة عندما ازداد عدد لمسهم للكرة.
بعد استعراض هذه الفيديوهات إضافة إلى تحليل بيانات وأرقام اللاعبين الناشئين، صدر قرار بتدرّج المباريات مع الفئات العمرية، أي أن المباريات تبدأ بـ 5 لاعبين ضد 5 للأطفال تحت الـ8 أعوام ثم 8 ضد 8 للأطفال بعمر الـ10 إلى 14 عاماً لتنتقل وصولاً إلى 11 ضد 11 لاعباً بعد عمر الـ14، بهذا الأسلوب يبدأ حس اللعبة بالنمو أكثر عند اللاعبين كما أن الاهتمام يكون على اللاعب نفسه وليس على النتيجة وحسب، الاهتمام هو بتطوير اللاعب أولاً وآخراً.

المراقبة الطبية والسايكولوجية

جانب آخر شكّل حجراً أساساً في مشروع ثورة بلجيكا كان الاهتمام الكبير بدراسة اللاعبين الناشئين وتطور نموهم. على سبيل المثال كيفين دي بروين كان يُعاني مع بطء بالنمو ولم يبدأ مباراته الرسمية الأولى مع منتخب الشبان بعمر الـ18، أي أنه تأخر عامين كاملين، ولولا الاهتمام بدراسة نمو اللاعبين ومعالجتهم بشكلٍ يومي، لما شاهد العالم أحد أفضل اللاعبين في أوروبا.

اللاعب كان يتم تقييمه وتحديد الفئة العمرية التي يجب أن ينافس ضمنها من قبل الطبيب المختص.
في حالة إيدين هازارد مثلاً، لم يلعب نجم تشيلسي السابق ولاعب ريال مدريد حالياً، مع فريق دون 17 عاماً بل انتقل مباشرةً إلى فريق دون 19 عاماً. فئته العمرية خسرت لاعباً مهماً، لكن الأهم كان التركيز على إيدين نفسه وعلى تطوره.


(أ ف ب )


العوامل الـ6 للاعب البلجيكي

يشرح سابولن أن عوامل 6 تحكم في اختيار لاعبي المنتخب، هي عقلية الفوز، والاستقرار النفسي، والشخصية القوية، والقدرة على تقديم 100% من قدراته، ورؤية للمباراة وقدرة على التحكم بالجسد والكرة.

ما زال منتخب بلجيكا منذ البدء بمرحلة البناء لم يُحقق أي لقب، لكنه بالتأكيد على الطريق الصحيح لأن النتائج الإيجابية بدأت تتوالى والخسائر الكارثية أصبحت من الماضي.

التحدي اليوم في بطولة يورو 2020 هو الخروج من عباءة الحصان الأسود ومرحلة بناء الفريق، لأن بلجيكا تملك الأسماء والشخصية، وبعد عقدين من الزمن، هذه هي الفرصة لتحقيق نتيجة إيجابية قبل الفوز باللقب.