عند ذكر منتخبات النخبة، لا بد من التوقف عند «الأتزوري». الفريق الذي نثر سحره منذ تأسيسه في مختلف المسابقات التي شارك فيها، وهو غيّر في الآونة الأخيرة حلّته الدفاعية ليظهر بصورةٍ هجومية ممتعة. ورغم أنّ الفضل في ذلك يعود إلى تضافر جهود الجميع، إلا أنه لا بدّ من إنصاف الرجل الأول الذي وقف وراء عودة إيطاليا إلى الواجهة من جديد، وهو المدرب «المتمرّد» روبيرتو مانشيني. فور تسلّمه الإشراف على العارضة الفنية للأتزوري، كشف مانشيني عن سبب قبوله الوظيفة مشيراً إلى أن الهدف الأول هو عودة المنتخب إلى قمة العالم من جديد. أشهرٌ قليلة عكست مدى صحّة كلمات مانشيني، بانتظار رؤية الفاعليّة في البطولة المنتظرة.
فارقٌ كبير بين إيطاليا 2018 وإيطاليا الحالية. فبعد الفشل المدوّي في التأهل لكأس العالم الماضية، عرف الأتزوري ثورة شاملة أعادته إلى الواجهة من جديد. لم تكن الطريق معبّدة لذلك، غير أنّ مانشيني تمكّن من إنجاز عملٍ رائع عاد على المنتخب بتوازن كبير بين الهجوم والدفاع.
يُعرف عن المدربين الإيطاليين ميلهم نحو النزعة الدفاعية، غير أن مانشيني تمرّد على الأعراف وظلّ وفياً لتقاليده التي أعطته النجاح رفقة مانشستر سيتي الإنكليزي، وإنتر ميلانو ولاتسيو الإيطاليين.
تمثّلت المهمة الأولى أمام مانشيني بخفض معدّل الأعمار الذي كان سبباً رئيسياً في انهيار المنتخب عام 2018، وقد تمكن من ذلك على مراحل متقطّعة مع حفاظه على بعض عناصر الخبرة مثل جيورجيو كيليني، ليوناردو بونوتشي، ماركو فيراتي وجورجينيو.
بعد إيجاد التوازن بين الحافز، المهارة والخبرة، انتقل مانشيني إلى «تغيير العقلية»، حيث عمل على استغلال مواهب المنتخب الشابة، التي تناسب متطلبات الكرة الحديثة، وتسخيرها في تقديم كرة هجومية قادرة على تحقيق النتائج الإيجابية مع إعادة جذب القاعدة الجماهرية من جديد. هكذا، غيّرت إيطاليا «جلدها» مع مانشيني الذي اعتمد خطة (4-3-3) في سبيل تنفيذ أفكاره.
مع مانشيني خاضت إيطاليا 29 مباراة، فازت في 20 وتعادلت في 7 ولم تخسر سوى مرتين


يُحسب للمدرب المخضرم أيضاً إعطاؤه الثقة لبعض المواهب الشابة، حيث استدعى في وقتٍ سابق باريلا عندما كان لاعباً في كالياري كما استدعى زانيولو من الدرجة الثانية. يمتلك الأتزوري بعض المواهب الفردية الرائعة، ويظهر جلياً تطور اللاعبين مع مانشيني مثل فيراتي الذي يقدّم أداءً لافتاً إضافةً إلى تشيرو إيموبيلي الذي أعاد اكتشاف غريزته التهديفية. وبالحديث عن اللاعبين المميزين، لا بد من ذكر الحارس «العملاق» جانلويجي دوناروما، صمام الأمان في الحفاظ على نظافة الشباك لأكثر من مباراة، جورجينيو، بطل أوروبا رفقة تشيلسي، ساندرو تونالي (19 سنة)، والكثير من العناصر الشباب القادرين على محو خيبات الأمل التي تعرض لها المنتخب في السنوات السابقة.
مع مانشيني، أصبح المنتخب الإيطالي يمتلك عقلية انتصارية قوية، إذ تعود آخر هزيمة للأتزوري إلى سبتمبر/أيلول 2018، حين خسر من البرتغال في دوري الأمم الأوروبية. ومنذ تولى مانشيني زمام الأمور في مايو/ أيَّار2018، خاضت إيطاليا 29 مباراة، فازت في 20 وتعادلت في 7 ولم تخسر سوى مرتين فقط. سجّل منتخب إيطاليا مع مانشيني 69 هدفاً، واستقبل 14 هدفاً فقط خلال تلك الرحلة، كما لم تتلقّ شباكه أي هدف في ست مباريات متتالية.
هذا وقد عرف المنتخب الإيطالي مساراً مميزاً في سبيله إلى اليورو، حيث تأهل بعد تصدره للمجموعة السابعة في التصفيات الأوروبية برصيد 30 نقطة كاملة من 10 انتصارات، وسيواجه الأتزوري منتخبات تركيا، سويسرا وويلز توالياً في مجموعة أولى متكافئة.
إيطاليا على الورق جاهزة وبقوة غير أنّ للواقع حسابات أخرى. فرغم أداء المنتخب اللافت مع مانشيني، يخشى المشجعون من كون الأرقام القوية في التصفيات والوديات «خادعة»، فيما يعتقد العديد من النقاد أنّ اللعب بتشكيلة «شبه» شابة بعد جيل «فضيحة 2018» قد يزيد من الضغوطات على الفريق في البطولة الرسمية نظراً إلى تفاوت الخبرات بين اللاعبين.
الامتحان الحقيقي سيكون مساء اليوم عندما يُقص شريط افتتاح اليورو على ملعب «أولمبيكو» أمام الأتراك. «أشبال» مانشيني مطالبون بتحقيق بداية قوية «تشحنهم» في الرحلة الشاقة لإعادة هيبة الكرة الإيطالية في الأوساط القارية.