مفاجأة سارّة لمحبي المنتخب الفرنسي أعلن عنها مدرب «الديوك» ديدييه ديشان بتسميته نجم الهجوم كريم بنزيما في تشكيلته التي ستخوض غمار كأس أوروبا لكرة القدم في الشهر المقبل.تسمية غير متوقعة على الاطلاق، اذ بقي بنزيما في المنفى البعيد عن الوطن وخدمته منذ حوالى خمسة أعوام ونصف عام، وذلك إثر اتهامه بضلوعه في فضيحة ابتزاز زميله ماتيو فالبوينا على خلفية شريط جنسي للأخير.
لكن من دون مقدّمات ومن دون تسريبات، جلس ديشان وبنزيما وقاما بتصفية القلوب وأنهيا قطيعةً طويلة فوّتت على الجزائري الاصل فرصة ان يكون بطلاً للعالم، تماماً كما مدربه الذي قاد «الزرق» الى لقب المونديال قبل 3 اعوام في روسيا.
مرحلةٌ جديدة الآن، يجد فيها بنزيما مناسبةً لإنهاء مشواره بمصالحة الجمهور الفرنسي الذي لم ينسه يوماً، بل طالب بعودته رغم بزوغ نجم مهاجمين فرنسيين آخرين. كما هي مناسبة لديشان لمحاولة تكرار ما فعله لاعباً، وذلك عبر اضافة كأس اوروبا الى كأس العالم بعدما فوّت الفرنسيون الفرصة على أنفسهم في النسخة السابقة عندما خسروها على ارضهم امام البرتغال في نهائي مشهود.
اذاً هي مصلحة مشتركة جعلت من الرجلين حبيبين مجدداً بعدم تجاهل كلٌّ منهما التواصل مع الآخر طوال تلك الفترة الباردة التي أعقبت فترة جميلة بينهما حيث كان بنزيما من اللاعبين المقرّبين جداً من ديشان، إثر تسلمه الاشراف الفني على المنتخب خلفاً للمدرب السابق لوران بلان. وقتذاك عمد قائد فرنسا السابق الى بناء كل خططه الهجومية حول نجم ريال مدريد الاسباني، متجاهلاً حتى مروره بفتراتٍ سيئة في بعض الاحيان، ومفضلاً اياه على كل المهاجمين الفرنسيين الآخرين.
ديشان تجاهل مراراً تبرير سبب استمرار استبعاده لبنزيما المصرّ على براءته منذ ذاك الوقت، والذي ينتظر محاكمة بخصوص القضية - الفضيحة في تشرين الاول المقبل قد تنظف صفحته، وتدعم موقف مدربه المسامح له بعدما اتهمه الهداف الموهوب بأنه يخضع لضغوط مجموعة متطرّفة تريده خارج المنتخب لأسبابٍ عنصرية. لكن ديشان جاء اليوم ليبرّر استدعاء مهاجم ليون السابق مجدداً بحاجةٍ فنية من دون ان يفسّر الموضوع، مكتفياً بالقول إن السبب هو لصالح المنتخب الفرنسي، لتكتمل المفاجأة بثناء بنزيما على الدعوة بعدما كان قد قال قبل 4 اعوام إنه لن يرتدي مجدداً القميص الازرق طالما بقي ديشان مدرباً!
في الواقع يبدو ديشان محقّاً اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان بنزيما يشكّل حاجةً فنية واضحة لمنتخب فرنسا، الذي لا يملك مهاجماً افضل منه في كل بطولات القارة، وذلك في ظل تراجع مستوى انطوان غريزمان وعدم مشاركة أوليفيه جيرو بشكلٍ اساسي دائماً مع تشلسي وعدم لعب وسام بن يدر (موناكو) مع فريقٍ كبير يشارك في بطولات كبيرة على غرار دوري ابطال اوروبا.
مصلحة مشتركة بين ديشان وبنزيما أعادت الأخير الى منتخب فرنسا


في المقابل، كان بنزيما، أقلّه في الموسمين الماضي والحالي، الوجه الهجومي الأبرز في ريال مدريد، معوّضاً بنظر الكثيرين رحيل النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، وهو هذا الموسم اخذ الامور على عاتقه في الفريق الملكي، مساهماً بـ 30 هدفاً في 33 مباراة بمجموع 22 هدفاً و8 تمريرات حاسمة.
لذا يريد ديشان هنا مقاربةً اخرى للناحية الهجومية عبر جمع فعالية بنزيما مع ذكاء غريزمان وموهبة كيليان مبابي، ليحوّل خط المقدّمة الى ماكينة مرعبة لا بدّ أن يستحضرها لكونه سيلعب في اقوى مجموعةٍ في البطولة القارية، والتي ستضمّه الى البرتغال البطلة، والجارة المانيا، والعائدة المجر.
هو يحتاج إلى كل مواهبه لتخطّي الاختبار الصعب، إذ لا يخفى أن منتخبه لن يحظى بوقتٍ كبير للاستعداد بسبب التحاق اللاعبين متأخرين بالمعسكر، وتحديداً قبل اقل من 20 يوماً على مباراته الاولى في «اليورو»، والتي سيخوض قبلها مباراتين وديتين فقط امام ويلز وبلغاريا على التوالي.
المهم ان ديشان سيكون لديه الكثير من الخيارات الهجومية بوجود اسماء اضافية، امثال عثمان ديمبيلي وكينغسلي كومان، ما يخلق له مرونة في اي استراتيجية سيعتمدها، ويجعله يبدل خططه كما يحلو له او كما يتناسب مع كل مباراة، وخصوصاً ان كل مهاجميه يستطيعون لعب ادوارٍ مختلفة على ارض الملعب.
وبوجود بنزيما سيتمكن ديشان من اعتماد خطة قوامها 4-3-3، ليطلق العنان لمهاجميه الذين بلا شك يعرفون قيمة بنزيما الفنية وحجم المساعدة التي يمكن ان يقدّمها لهم، اذ يعدّ من نوعية المهاجمين القلائل حالياً في العالم الذين يمكنهم التسجيل كما صناعة الاهداف وتسلم الكرة والجري بها لا التمركز فقط في منطقة الجزاء بانتظار الامدادات.
ديشان اصلاً اوضح عند اعلانه التشكيلة أنه لو لم يلمس تجاوباً من اللاعبين الآخرين لكان قد ذهب الى خيارٍ هجومي آخر، وهو المعروف عنه مدى تشديده على بقاء الاجواء مستقرة داخل غرف الملابس وفرض الانضباط التام. وهذه المسألة جعلته مثلاً يستبعد بنجامان مندي منذ نهاية المونديال الماضي بسبب تأخره على الاجتماعات ومواعيد جلسات العلاج، كما انه تجاهل إيميريك لابورت لعدم شعوره بوجود انسجام بينه وبين زملائه في المنتخب.
لكن بنزيما هو قصة اخرى، اذ مع بلوغه سن الـ 33 ولعبه مع غالبية العناصر الاساسيين حالياً، سيكون قائداً موجّهاً ومساعداً لرفاقه، وسيخلق لهم تحدّياً من نوعٍ آخر لإزاحته من مركزه الاساسي الذي يستحقه رغم كل شيء.