لكَ أن تتخيّل، أن يُعطيك القدر فرصةً جديدة، و»تزمط». أن يقول لك: «فلَتَّ» هذه المرّة. قد يصفعك على وجهك، لتستفيق من الوهم، لا الحلم. وهمُ تاريخٍ أو وجودٍ، أو «أنا لا أزال هنا»، وربما، أصبحت هنا، لكن ما هو الـ»هُنا» المُتغنّى به؟ ليس حلماً، لأنْ لا أحدَ يحلم أن يغوص في الوحل. هذا هو الـ»هنا». وحل. وثمّة من يريد أن يبقى فيه. غالباً، لأنّه سيبقى مرئياً، ولا يريد أن يُدفن.للموسم الثاني توالياً (ولو أن السابق ألغي)، تُطالب بعض أندية الدرجة الأولى في كرة القدم اللبنانية، بإلغاء الهبوط، كأقلّ الضرر، بدلاً من إلغاء الموسم (وهم يتمنّون ذلك أيضاً). يريد القائمون عليها التهرّب من دفع رواتب اللاعبين، على الرغم من أنّهم يعلمون، أن الجزء الثاني من مساعدات الاتحاد الدولي لكرة القدم في طريقها إلى خزائنهم. غالباً، يخطّطون للمستقبل. عظيم. هذه سابقة. لكن ما يُخططون له، هو الاحتفاظ بهذه الأموال، وحرمان لاعبيهم منها، ثمّ دفعها لهم لاحقاً. شيءٌ يُشبه ما تفعله المصارف. هذه الأموال هديّة الاتحاد الدولي لنظيره المحلّي، والهدف منها هو مساعدة اللعبة. والاتحاد ارتأى ـ مشكوراً هذه المرّة ـ أن يُساعد الأندية. هي جزء من اللعبة، واللاعبون هم أساسها. إذاً، هذه أموال اللاعبين. ليست رياضيات ولا «هرطقة». هذا الواقع ببساطة. لهم أن يقبلوا به، ولا يُمكن أن يرفضوه.
كان يُفترض بالأندية أن تستوعب الأزمة من الموسم الماضي. لا جَلدَ هنا، إنّما جدَل. ما تمرّ به يعيشه معظم من يعيش في هذا البلد، لكن هي التي أوصلت نفسها إلى حافّة الهاوية. بعضها كان على الطريق الصحيح. تأسيس، وملعب، وفئات عمريّة، وتمويل وأغلب ما تحتاج إليه الأندية، ليس لتعيش فقط، لكن لتتطوّر، على مستوى لبنان أقلّه. وبعضها الآخر عاش يومه فقط. المشترك هو أن النموذجين انحرفا عن الطريق لاحقاً. لا يُلامون؟ ربما. لا شيء ليستمروا من أجله. هذه ليست بطولات طبيعية. ولا هي ملاعب طبيعية، لا عُشباً ولا غيره. عَدُّ السلبيّات يستمر طويلاً. لكن طالما هم على علمٍ بالمكان الذي يضعون أرجلهم عليه، لمَ يودّون البقاء؟ ما الذي يريدونه حقّاً؟ مالاً؟ شبه معدوم. منزلةً؟ لا تُغنيهم. خدمةً للمجتمع مثلاً؟ أي خدمةٍ هذه التي يقدّمونها للشباب إذا لم يدفعوا لهم أتعابهم؟ أي هديّة هذه، إذا كان التأسيس خاطئاً؟
الأندية تأتي بابتكاراتٍ جديدة. تتذاكى. إدارات هذه الأندية تعلم أنّه لا يُمكن التعديل على النظام الفنّي، فتطلب الهبوط، ثم الصعود مجدّداً ضمن نظامٍ فنّيٍ جديدٍ بمشاركة 14 فريقاً. وهناك من يشجّع هذه الفكرة أيضاً.
لكم أن تتخيّلوا، مجدداً، فرقاً أخرى، بمستوى بعض التي تُشارك في دوري الدرجة الأولى هذا الموسم. إذا كان مستوى هذا الموسم هو الأسوأ منذ نحو 15 سنة، بشهادات مدرّبين ولاعبين، فكيف سيكون شكل الموسم المقبل في حال نُفّذ طلبهم؟ وبعدها، تأتي الحُجّة بطول الموسم الذي من المفترض أن ينتهي في أيّار. أساساً متّى انتهى الموسم الكرويّ في لبنان قبل هذا الشهر؟ كيف لهم، بعدما رأوا بأعينهم ما فعله عدم التمرين باللاعبين، أن يُفكّروا بإلغاء الموسم؟
النتيجة: أشهرٌ متواصلة من الفراغ، ثم دوري جديد، غالباً بلا أجانب، «ومرحباً مستوى». الضرر ليس محليّاً فحسب، بل أكبر من ذلك. المنتخب «بالدّق». أصبحت المشكلة وطنيّة الآن. لكن إذا كانت «الحكومة» بالدفّ ضاربة، فشيمة أهل البيت كلّهم الرّقص...
من يستحق البقاء من هذه الأندية في دوري الدرجة الأولى، فليبقَ، ومن لا يستحقّه، فليهبط، لكن ليكن هبوطه مُشرّفاً. ليهبط، وليعترف بأنّ هذا ما يستحقّه. ببساطة. وليعد لاحقاً، حين يكون جاهزاً، فعلياً. لا بأس بالدرجة الثانية. سنةٌ للتّخطيط والتّفكير والتأسيس، ثم عودة. راحة بال أساساً.
بعض الأندية خسرت جمهورها، إذاً لا شيء لتخسره أكثر من ذلك. أنديةٌ أخرى يبدو أنّها قادرة على الصمود. هذه عالجت مشاكلها سابقاً، وشكّلت فرقاً قويّة. الحديث أخيراً ليس عن أنديةٍ «ماكنة» مادياً فحسب، بل ينسحب على أنديةٍ أخرى. إذاً، ثمّة من خطّط، وانتبه، وعمل على البقاء والاستمرار.
«البقاء للأقوى». هكذا يُقال. لكن لا إسقاط على الرياضة هنا، فالعودة ممكنة لاحقاً، أقوى من الأقوى. إنّما لا يُمكن، ألّا يكون هناك موتٌ ولا قيامة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا