هو الموسم الأدنى مستوى في السنوات العشر الأخيرة على الأقل. النتائج ليست هي المعيار الوحيد هنا، بل ما تُقدّمه الفرق على أرض الملعب أوّلاً. البطولة هي الحدث، والأندية تُشارك فيها بهدف خروج فائزٍ واحدٍ على الأقل، لكن كُلما كان هذا الحدث فاشلاً، تقاعست الأندية عن القيام بأدوارها، والكسل يجرّ الكسل، وينسحب على اللاعبين، الذين يُشاركون بدورهم في تقديم مستوى على حجم الحدث. غياب اللاعبين الأجانب «عرّى» المستوى العام للبطولة، لكن لا يُمكن القول بأنّ الإنذار لم يأتِ سابقاً، من الأجانب أنفسهم، ولا سيما المدربين.
يظهر الدوري ضعيفاً جداً هذا الموسم ولا معالجات في الأفق(عدنان الحاج علي)

قبل نحو سنتين، زار مدرب النجمة الأسبق، الصربي بوريس بونياك، مكتب «الأخبار»، لإجراء مقابلةٍ معه عقب «استقالته» من منصبه. قال حينها إن «المشكلة في كرة القدم اللبنانية». بهذه الصراحة كان المدرب الذي حقّق ثمانية انتصارات في 10 مباريات ضمن بطولة الدوري، ليس هناك غموضٌ في ما قاله بونياك. أساساً، هو ليس المدرب الأجنبي الأوّل الذي يتحدّث عن الكرة اللبنانية بهذه الطريقة، ولو أن الكلمة الشائعة التي يستند إليها أولئك هي «العقليّة»، وهي كلمة لم تغب عن كلام الصربي أيضاً. لم يكن بونياك ليخرج من مكتب «الأخبار» دون أن يشرح ما يقصد، فحاول، على عجل. قال إن «المشكلة في المدرسة الكرويّة»، وأنّه أراد إضافة أمور جديدة في طريقة اللعب المعتمدة منذ سنوات في النجمة، «لكنّ اللاعبين يريدون الاستمرار في النهج عينه». حينها، أشار المدرب إلى أسماء بعض اللاعبين الموهوبين في الدوري؛ أكّد موهبتهم لكنّه شدّد على عدم تعلّمهم أساسيات اللعب. ليس ما يقوله بونياك أو غيره من المدربين الأجانب مُلزِماً، لكن لا شك في أنّه صحيح، والحقيقة، أن غياب الأجانب عن البطولة هذا الموسم، عرّى المستوى العام للفرق، بل للأندية أيضاً، بعملها التأسيسي.
المدرب جمال طه يعلم أن المستوى بين اللاعب المحترف في الخارج ونظيره المحلي يتّسع أكثر


لا يُحكَم على قوّة الدوري أو ضعفه من عدد الأهداف المُسجّلة. كثرة تسجيل الأهداف تعني ضعفاً في الدفاع، وقلّة التسجيل تعني ضعفاً في الهجوم. التوازن مهمٌّ أيضاً. كما لا يُمكن الحكم على المستوى من المنافسة على اللقب. أساساً، يبدو أن المنافسة هذا الموسم تنحصر بين فريقين فقط، فحتّى شباب الساحل لا يعتبر نفسه من المنافسين، في حين كان الصراع يستمر بين ثلاثة فرق حتّى الأسابيع الأخيرة في المواسم الماضية. معيار الحُكم يبدأ من الوقت الملعوب والتوقّفات خلال المباريات، ونسق اللعب وسرعته، والقوّة البدنية لدى اللاعبين. تباين الأداء من مباراةٍ إلى أخرى، والأخطاء الدائمة في التمرير، وقلّة التحرّك دون كرة، كما ضعف الفعالية أمام المرمى، والسقوط عند كل التحام وإضاعة الوقت وكثرة الاعتماد على الركلات الثابتة، كُلها أمورٌ تدلّ على المستوى الضعيف للاعب والفرق. في الواقع، هذه أمورٌ لم تُخلق هذا الموسم، بل هي متكررة، في وجود الأجانب أو بغيابهم.
هكذا، بدا أن عدداً لا بأس به من اللاعبين الشباب الذين ظهروا للمرة الأولى هذا الموسم، بسبب غياب الأجانب أوّلاً، غير مستعدين لخوض دوري الدرجة الأولى. والحديث هنا عن بطولةٍ ضعيفة المستوى، فكيف التفكير بتخريج اللاعبين للاحتراف في الخارج؟ المدربون المحليّون أنفسهم، يشتكون من ما حصلوا عليه. حين يقول مدرب التضامن صور محمد زهير إن فريقه يبني الهجمات ويصل إلى المرمى، لكن عدم تسجيل لاعبيه الأهداف يُظهر فريقه ضعيفاً هجومياً، هو يُشير إلى ضعف إمكانيات اللاعبين. والتضامن، لا يمتلك هدّافاً لعب سنواتٍ عدّة في الدوري، بل شباباً. هكذا يتفاجأ مدرب الإخاء فادي الكاخي بمستوى بعض لاعبي فريقه أيضاً. لكن على عكس زهير، هو يتحدّث عن بعض اللاعبين الذين بدأت مسيرتهم في الدرجة الأولى منذ سنوات، وتغيب عنهم بعض أساسيات اللعب. انفعالات المدربين وصراخهم على خط الملعب، يُحلّل. ثَمَّةَ عدم رضى على «المُنتَج».


ومن هنا يبدأ الحديث عن اللاعبين الأجانب الذين تهيّأ للمتابعين أن غيابهم هو السبب في تدنّي المستوى، على الرغم من الاتفاق على أن مستوى معظم الأجانب الذين يتوافدون إلى الدوري اللبناني، يتشابه مع مستوى اللاعبين المحليين، وأن وحدها أندية العهد والأنصار والنجمة، غالباً، هي التي تتعاقد مع أجانب بمستوى جيّد، يُقدّمون إضافة فعلية إلى الفرق وباقي اللاعبين. لا شك في أن لغياب الأجانب تأثيراً على الفرق، إلا أن المشكلة الفعلية، تكمن في أن يكون الأجنبي «مستواه متقاربٌ من مستوى اللاعب المحلّي»، لكنّه يقدّم أداءً أفضل منه، وقادرٌ على إنهاء الهجمات وبناء اللعب وصناعة الفرص والدفاع بطريقةٍ أفضل. المشكلة، هي أن يُصبح «العادي» أفضل من الموجود، و«السوبر» مفقوداً، والأسوأ...
في الحقيقة، الأندية ليست هي وحدها المُلامة. فرقها تُشارك في بطولةٍ معدومة التسويق. لا أرباح منها ولا من يربحون، إلّاً جانبياً. من يريد الاستثمار في هكذا دوري، ومع هذه الإدارة؟ كيف تُقنع الأندية المموّلين، إن وُجدوا، في الاستثمار بالتأسيس، إن كان الهدف هو الوصول إلى دوري الدرجة الأولى بشكله الحالي؟ بل ربما هي المُلامة. الإدارة لا تأتي إلّا بالانتخابات، وإشارة الـ«YES» لا تُرفع إلّا عبر أيدي الإداريين. أمّا اللاعبون، فهم نِتاج الأندية والبطولات، وحلم الاحتراف الذي يطمحون إليه، يبدو بعيداً، إذا استمر المستوى على شاكلته.
عموماً، كل ما يحدث، «يصبّ» في المنتخب. المدرب جمال طه يعلم أن المستوى بين اللاعب المحترف في الخارج ونظيره المحلي يتّسع أكثر. المسؤولون عن المنتخبات يعلمون أيضاً، أنّه في حال استمر الوضع على ما هو عليه، حتّى مشاركة اللاعبين الشباب في عددٍ أكبر من «الدقاق» لن يُجدي نفعاً، إذا كان تأسيس الشباب أنفسهم غير ناجح، على الرغم من معرفة الجميع بموهبة اللاعب اللبناني وقدراته، وعقليّته أيضاً.