لم يكن العام الحالي إيجابياً بالنسبة إلى عشّاق الرياضة حول العالم، حيث أدّى انتشار الجائحة إلى إرجاء العديد من المنافسات والبطولات، بغية إقامتها في أجواء أكثر أماناً.وبسبب سرعة انتشار الفيروس، تم تأجيل دورة الألعاب الأولمبيّة في طوكيو حتى عام 2021 كما حدث في بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم وكوبا أميركا، إضافةً إلى إرجاء بطولة فرنسا الكبرى لكرة المضرب «رولان غاروس»، طواف فرنسا للدرّاجات الهوائية «تور دو فرانس» وبطولات كُبرى أخرى عالمية ومحلية...
لم تقتصر تداعيات التأجيلات على فقدان الشق الترفيهي فحسب، بل امتدّت لتُسفر عن خسائر مادية فادحة. رغم جهود المعنيين والتي عكسها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عندما قدم 1,5 مليار دولار (1,2 مليار يورو) على شكل منح وقروض للجهات الرياضية المتضررة، إضافةً إلى اللجنة الأولمبية الدولية التي قدّمت 150 مليون دولار (123,4 مليون يورو) للاتحادات الدولية واللجان الأولمبية الوطنية، ظلّت الخسائر ضخمة جداً ما هدّد بإفلاس بعض الجهات الكبرى، سواء كانت أندية أو اتّحادات محلّية وقاريّة.
وعلى اعتبار أنها الرياضة الشعبية الأولى في العالم، سجلت كرة القدم الجزء الأكبر من الخسائر بعد تعليق النشاط في مختلف الدول لمدة وصلت إلى 4 أشهر (من شباط إلى أيار 2020). وقد قدّر الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» الخسائر بـ11 مليار دولار. مدرجاتٌ خالية، انتقالات بطيئة شهدت تراجعاً في الإنفاق بنسبة: -43%، وتراجع في حقوق البث التلفزيوني، ساهم في الإنهاء المبكر لبعض الدوريات، كما هدد بإفلاس العديد من الأندية.
اتُّخذت إجراءات صارمة في الملاعب للحدّ من انتشار الفيروس (أ ف ب )

في بادئ الأمر، تقلّصت سعة الملاعب بسبب البروتوكولات الصحية، وفي أحيانٍ كثيرة أقيمت المباريات خلف أبواب موصدة لمنع تفشّي الفيروس، ما أثّر على خزائن الأندية جراء انعدام عائدات شباك التذاكر.
كان الكالشيو أو الدوري الإيطالي أولى البطولات المعلّقة، ثم امتد التعليق إلى كل الدوريات الأوروبية الكبرى. تمثلت أولى معالم الخطر عند إلغاء الدوري الفرنسي بعد أن أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب «صعوبة استئناف المباريات» في ظل أزمة كورونا. هكذا، حدّد مجلس إدارة رابطة الدوري الترتيب النهائي بالاعتماد على معيار نسبة نقاط لكل مباراة لُعبت في الدوري، ليتوّج باريس سان جيرمان بطلاً لموسم 2019-2020، وهو ما أثار غضب العديد من الفرق، خاصةً تلك التي هبطت أو غابت عن الاستحقاقات الأوروبية للموسم المقبل.
عواقب التوقف كانت وخيمة، حيث كثرت الخسائر وطالت العديد من القطاعات. مع تعليق أغلب النشاطات الرياضية حول العالم، توقّف عمل القنوات الناقلة لكرة القدم وخلت استوديوهات التحليل. أدّى تعليق الأحداث الرياضية إلى انخفاض إيرادات وسائل الإعلام التي تبثّ الأحداث، حيث تعتمد شركات النقل التلفزيوني، بعيداً عن اشتراكات المشاهدين، على الإعلانات، ما يعني أنّ أيّ انخفاض في الإيرادات سيؤثر على معدل الربح.
خسر سوق المراهنات في 2020 بين 700 و1000 مليار دولار


ومع تعليق منافسات كرة القدم، تدهور سوق الإعلانات التلفزيوني، وتعرّضت العديد من الفرق لغراماتٍ قاسية، كما سجلت الأندية من مختلف الدوريات خسائر فادحة كادت تؤدي إلى إفلاسها لولا تدارك الوضع واستئناف المباريات فيما بعد.
الخسائر المادية طالت أسواق المراهنات الرياضية حول العالم أيضاً، وذلك بعد تعليق أهم الدوريات الاحترافية على خلفية انتشار فيروس كورونا. خسائر طائلة تكبّدتها شركات المراهنات إثر توقف ضخّ أموال المراهنين، بعد أن كانت تتراوح قيمة مراهنات كرة القدم السنوية فقط بين 700 و1000 مليار دولار.

إجراءات الاحتواء
مع توقف الدوريات بشكلٍ كامل، توقف تدفق أموال العائدات، الأمر الذي أجبر الأندية على ترشيد إنفاقها بشتى الطرق، مثل إرجاء المكافآت، فصل الموظفين أو اقتطاع جزء من رواتب اللاعبين، وصلت نسبته إلى 30%، وهو ما سبّب مشاكل في بعض الأندية مثل برشلونة الإسباني. وبرّر قائد الفريق ليونيل ميسي بعدها بأن «صرخة» اللاعبين كانت بسبب الطريقة التي فرض بها النادي الموضوع، لا الإجراء بحدّ ذاته. هذه الإجراءات شكلت بداية العودة إلى الحياة الكروية من جديد.
وعلى عكس الدوري الفرنسي، لم تيأس بقية الدوريات الكبرى واعتمدت اتّحاداتها بروتوكولات صارمة لتجنّب الإلغاء، كما شكّلت لجان مختصّة للحؤول دون الانهيار المالي. إضافةً إلى ذلك، عدّل الفيفا بعض قوانينه لتسهيل المهمة أمام الأندية، فوضعت فرق عمل مختصة للقيام «بتعديلات ضرورية أو إعفاءات مؤقتة» بشأن اللاعبين الذين تُشرف عقودهم على الانتهاء مع نهاية الموسم، وهي تسهيلات تقضي بتعديل فترات التسجيل للحؤول دون حصول مشاكل بين اللاعبين والأندية.


ومن القرارات «التمهيدية» لعودة الدوريات أيضاً، كان تخلّي الاتّحادات عن بعض البطولات «الفرعية» كما الحال في إنكلترا، حيث ألغى الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم مختلف المسابقات دون دوري الدرجة الخامسة للرجال (دوري المناطق) وشطب جميع النتائج، إضافةً إلى دوريات الكرة النسائية دون الدرجتين الممتازة والأولى. هكذا، وبعد تدارك قسم من الخسائر إضافةً إلى التحكم الجزئي بانتشار فيروس كورونا بين الملاعب، أصبح الحديث ممكناً عن استئناف النشاط الكروي.

بروتوكولات العودة
بفعل الجهود الموضوعة من قِبل الاتحادات والأندية للسيطرة على الفجوة المالية، أخذ المعنيون بالعمل على استئناف النشاط الكروي، فوضعوا بروتوكولات من قبل أطباء مختصين بالتنسيق مع الاتحادات المختلفة لضمان عودة الأندية إلى الحياة الكروية بأمان.
ضوابط عديدة تم اتّباعها قبل وأثناء التدريبات، منها استدعاء اللاعبين والموظفين لإجراء الفحوصات الطبية قبل ثلاثة إلى أربعة أيام من بدء التدريب، في أوقات مختلفة، لضمان الحفاظ على التباعد الاجتماعي. إضافةً إلى ذلك، تم اختبار الدم كل يوم خلال الأسبوع الأول، كما تم تقسيم اللاعبين إلى 3 مجموعات على أن يتم فصل الذين ثبتت إصابتهم مسبقاً بالفيروس. وأُجبر اللاعبون على الابتعاد لمسافة مترين عند التدريب أو وقت الغداء خلال الأسبوعين الأولين، على أن تُفحص درجة حرارتهم بشكل يومي. أما بالنسبة إلى اللاعبين الذين تعرّضوا للإصابة بالفيروس ثم ثبت تعافيهم، فقد خضعوا لاختباراتٍ طبية مكثفة لمعرفة إذا كانت هناك أي مشاكل صحية أو آثار لاحقة جراء الوباء، كما تم حجر العديد من اللاعبين لفترات وصلت إلى أسبوعين بعد اشتباههم بالإصابة بالفيروس.
ولأن الألمان هم أسياد الانضباط في العالم، كان بديهياً أن تعود عجلة كرة القدم إلى الدوران من بوابة البونديسليغا في الأسبوع الأول من 2020.
ورغم جميع الجوانب المحيطة بالآثار اللوجستية والطبية والاجتماعية لاستئناف الدوري الألماني، كان القرار في النهاية قراراً مالياً. استئناف البوندسليغا جاء بالدرجة الأولى لتجنّب إفلاس بعض الأندية، بعد أن قُدّرت الخسائر بحوالى 800 مليون يورو، وهو رقمٌ يعتمد إلى حدّ كبير على خسارة عائدات التلفزيون.

استُئنفت حينها جولات الدوري الألماني بدرجتيه الأولى والثانية من دون جمهور وسط إجراءاتٍ وقائية، وقد تبعها في ذلك كل الدوريات بعد نجاح التجربة.
لم تكن الطريق معبّدة أمام الاستئناف، غير أنها كانت ضرورية لتجنّب نزيف الخسائر. رغم البروتوكولات الصارمة، عرفت بعض الأندية حالات كورونا بسبب إهمال اللاعبين، كما اشتُبه بتزوير بعض الأندية فحوصات كورونا ليلتحق لاعبوها بالمباريات، مثل نادي لاتسيو الايطالي. ولكن مع الاعتياد على الإجراءات والتحكم أكتر بالإصابات بين صفوف الفرق، سمحت بعض الدوريات هذا الموسم بحضور جماهيري محدود. فرغم عدم احتواء فيروس كورونا حتى اللحظة، قامت بعض الأندية باستضافة أعداد من الجماهير وصلت إلى 2000 متفرج.
هذه الإجراءات ساهمت بعودة كرة القدم والرياضيات المختلفة، غير أنها لن تضمن إنهاء المواسم الرياضية «على خير». يدعمُ ذلك انتشار نوع جديد من كوفيد-19 خاصةً في بريطانيا، وهو ما قد يعلّق المنافسات الرياضية مجدداً. لا يزال الطريق طويلاً وغير واضح أمام القطاع الرياضي، بانتظار وجود لقاح رسمي يُنهي تداعيات الجائحة المستشرية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا