كان من الطبيعي أن يتضاعف عمل المدرّبين هذا الموسم في الدوري اللبناني، إذ إن غياب العنصر الأجنبي فرض خلق معادلات جديدة وتعاملاً خاصّاً مع المباريات، وقبلَها مع بناء التشكيلات. وهذه المسألة خلطت الأوراق في أندية عدّة حيث ذهب كلّ مدرب إلى رسم صورة تشكيلته بحسب الأفكار التي يجدها مناسبة للعناصر الموجودة سلفاً والأخرى التي استطاع استقدامها بحسب الإمكانات المتاحة.لكن وبعد مرور 4 جولات على بداية الموسم، تميّز 3 مدربين أكثر من غيرهم على هذا الصعيد، إن لناحية العمل الذي قاموا به قبل انطلاق الدوري أو من خلال تعاملهم مع المباريات الأولى، ما وضع فرقهم في مراكز متقدّمة وترك الكثير من الإشادات بخصوص الأداء الذي قدّمته حتى الآن.
وهؤلاء المدربون هم العراقي عبد الوهاب أبو الهيل (الأنصار)، فادي الكاخي (الاخاء الأهلي عاليه)، ويوسف الجوهري (شباب البرج).

مفاتيح الأنصار لأبو الهيل
يقول قائد الأنصار معتز بالله الجنيدي: «أرى الكابتن أبو الهيل لسنواتٍ طويلة مع الأنصار، وهو إذا ما حالفه التوفيق وفاز بلقب الدوري سيُعطى مفاتيح النادي ليكون الرجل الأول فيه تماماً كما كانه الحال مع المدرب السابق لنادي العهد باسم مرمر».
كلام كابتن الفريق الأخضر هو للدلالة بوضوح على العمل الذي يقوم به المدرب العراقي في النادي، وتحديداً لناحية خلق استقرار في التشكيلة الأنصارية التي افتقدت إلى هذه المسألة منذ زمنٍ طويل. ومهمّة أبو الهيل بلا شك ليست بالسهلة في ظلّ وجود الكثير من النجوم في فريقه، لكنّه رغم ذلك استطاع خلق التوازن من مبدأ المداورة في خطّ الدفاع مثلاً، وإقناع بعض اللاعبين بتقديم مجهودٍ دفاعي أكبر على أرض الملعب من خلال تغيير مراكزهم أو مهامهم تماماً كما فعل مع عباس عطوي «أونيكا» في خط الوسط.
والأهمّ أنّ لاعبي أبو الهيل اقتنعوا بالاستراتيجية التي يعتمدها حيث لم يظهر أيّ امتعاض لديهم، في وقتٍ ساهمت فيه هذه الاستراتيجية في إخراج الأفضل من عددٍ منهم، أمثال النجم حسن معتوق والدولي الآخر نصار نصار الذين برزوا بشكلٍ كبير.
صحيح أن بداية أبو الهيل كانت بطيئة وصورة الأنصار كانت عادية في المباريات الثلاث الأولى، لكن واقعية الرجل كانت حاضرة والأهم أنه حقّق النتيجة المطلوبة بعيداً من تقييم الأداء في وقتٍ مبكر من الموسم، ولو أن الأنصار أظهر تطوّراً كبيراً على المستوى الفني، في القمّة أمام العهد بغضّ النظر عن الظروف التي عرفها اللقاء.

الواقعية أهم من الميزانية
وبالحديث عن الواقعية، لا يمكن سوى ربط هذه الكلمة بالكاخي، الذي كان شجاعاً بطبيعة الحال في قبول مهمّة فريق أُفرغ عملياً من نجومه المميّزين، وكانت مشاركته هذا الموسم فقط لتأكيد الحضور بحسب ما جاء على لسان أحد المسؤولين.
لكن المدرب الشاب أراد أخذ فرصته مع فريقه الأم، وتثبيت قدمَيه كمدربٍ مميّز في الكرة اللبنانية، وطارحاً أفكاره التي استمدّها من الخبرات الخارجية المتراكمة لديه.
من هنا، لم يكن مهمّاً بالنسبة إلى الكاخي حجم الميزانية الموضوعة لتأسيس فريقٍ مقبول، فاستعرض الإمكانات الفنية المتاحة قبل تلك المادية، ما ترك لديه فريقاً عنيداً ومنظّماً إلى حدٍّ كبير.
3 مدربين تميّزوا أكثر من غيرهم حتى الآن هم أبو الهيل والكاخي والجوهري


فكرة الكاخي كانت ببساطة الخلط بين العناصر الشابة في النادي وأصحاب الخبرة فيه والقادمين إليه. وبفعل الثقة التي ربطت المدرب باللاعبين سريعاً وقدرته على إقناعهم بأدوارهم الفردية والجماعية في آنٍ معاً، بدا الاخاء فريقاً صلباً وقادراً على عرقلة أيّ خصم، فكان فوزه على العهد المسألة الأبرز في موازاة وقوفه في مركز الوصافة بعد 4 مراحل.
لكن النتائج ليست وحدها المسألة الأبرز في إطار عمل الكاخي بل نقطة مفصلية كان لها الأثر الإيجابي في النتائج المحققة، وهي تعامله مع كل مباراة بحسب متطلّباتها، وذلك من دون تعقيدات جمّة أو مبالغة في الدفاع أو التكتيك الذي يتطلّب من اللاعبين مجهودات قد لا تكون مطلوبة في حالات كثيرة. وهذه المسألة أشار إليها المدرب الجبلي في كلامه من خلال إبدائه رضاه عمّا يطبّقه لاعبوه، لكن من دون أن يُسقط أهمية ضرورة عدم انجرافهم خلف نشوة النجاح الذي لا يمكن الحكم عليه نهائياً في هذه المرحلة المبكرة.

الجوهري صانع نجوم المستقبل
أمّا المدرب الذي اختصر المراحل وحوّل فريقاً مترنّحاً في بداية الموسم الملغى إلى فريقٍ يُحسب له ألف حساب، فهو الجوهري الذي جعل من شباب البرج فريقاً ممتعاً وجريئاً في آنٍ معاً.
المهاجم السابق الذي لعب مع أندية طليعية عدة خلال مسيرته الكروية لم يفُز يوماً بأيّ لقبٍ، لكنه اليوم يفوز باحترام الخصوم والمتابعين، بعدما حصل أخيراً على مساحةٍ لتطبيق أفكاره المستمدّة من الدورات التدريبية الرفيعة المستوى التي خاضها خلال الأعوام الأخيرة.
والجميل في مقاربة الجوهري للمباريات أنه يرفض الانكفاء للدفاع حتى في مواجهة الكبار. هو لا يتخلّى عن الحذر لكنّه يرى أنّ من واجبه كمدرّبٍ تقديم الأداء الجميل، ما يعني أنه من أعداء التكتّل الدفاعي الذي يقتل متعة المباريات.
وفكرة الجوهري في شباب البرج يمكن وصفها بأنها قد تكون البذرة لتأسيس فريقٍ قوي للمستقبل، فهو تمكّن من تحويل بعض اللاعبين الذين بقيوا في العتمة في فرقهم السابقة إلى أسماء لامعة يُشار إليها بإعجاب في الدوري. كما أنه يؤمن بلاعبين لم يختبروا اللعب في دوري الأضواء سابقاً، فتحوّل دافعهم إلى محرّكٍ يغذي ما يطلبه من تشكيلته، ما أفرز نتائج لافتة جداً. كما أن عمل الجوهري سلّط الأضواء على أسماءٍ قد تتسابق الفرق على تواقيعها في المواسم المقبلة، أمثال المهاجم علي حمود ولاعب الوسط «القيادي» حسين عواضة.
وبين المرحلة الرابعة والدورة السداسية ونهاية البطولة هناك الكثير من الاختبارات لهؤلاء المدرّبين وغيرهم القادرين على اختراق لائحة الثلاثة الأفضل حتى يومنا هذا، فتبقى مسألة حفاظهم على الصورة الحسنة منوطة بما سيطبّقه اللاعبون على أرض الملعب، وبما ستسمح لهم الظروف أسبوعاً بعد آخر في بطولةٍ تبدو الحسابات فيها معقّدة أكثر من أيّ وقتٍ مضى.



مباريات مفصليّة في الجولة الخامسة


تُفتتح الجولة الخامسة من الدوري اللبناني اليوم بأربع مباريات، تعدّ مفصلية بالنسبة إلى أطرافٍ عدة فيها.
على ملعب أمين عبد النور في بحمدون (الساعة 14:15)، يلعب العهد المثقل بهزيمته الأخيرة أمام الأنصار وحالة الاضطراب التي يعيشها، مع الشباب الغازية الذي سجّل الهزيمة تلو الأخرى حيث لم يتمكّن من الفوز سوى على التضامن صور الشريك في قاع الترتيب.
وفي نفس التوقيت، يستقبل السلام زغرتا على ملعبه في المرداشية الاخاء الأهلي عاليه، آملاً أن يكرر الأداء الذي قدّمه أمام البرج في الأسبوع الماضي حيث خطف نقطته الأولى وسجّل للمرة الأولى أيضاً، وذلك رغم أن خصمه الجبلي يتسلّح بمعنويات تجعله أصعب من أي فترةٍ مضت حيث يبدو مصرّاً على التمسّك بمركزه المتقدّم.
وفي وقتٍ يشهد فيه ملعب العهد لقاء الجريحين التضامن صور والصفاء (14:15)، تبدو الأنظار موجّهة إلى موقعة النجمة والبرج التي يستضيفها ملعب مجمع الرئيس فؤاد شهاب في جونية عند الساعة 16:05.
مباراة أخرى مفصلية في مشوار النجمة للبقاء على مقربة من الأنصار، ومفصلية أيضاً للبرج الذي تراجع هذا الموسم حيث يهمس البعض بأن رياح التغيير قد تكون حاضرة في حال سجّل نتيجة سلبية.
أما يوم الأحد، فيلعب شباب البرج مع طرابلس على ملعب العهد (14:15)، ساعياً إلى حصد المزيد من النقاط وارتقاء المراكز، لكن الأهم ستكون المباراة التي سيشهدها ملعب جونية (16:05) بين الأنصار وشباب الساحل، والتي ستشكّل اختباراً صعباً للفريق الأخضر الذي يدخلها بذكريات سقوطه أمام نظيره الأزرق في نهائي كأس النخبة العام الماضي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا