قبل حوالى عام، ومع انطلاق أحداث 17 تشرين في مختلف المناطق اللبنانية، توقف النشاط الرياضي بشكل كامل. تظاهرات واعتصامات وقطع طرقات وصعوبة تنقل بين المناطق جمّدت النشاط الرياضي، إلّا أن الضربة القاضية جاءت نتيجة الأزمة الاقتصادية والنقدية وارتفاع سعر صرف الدولار. ولكن «ما يزيد الطين بلة» هو قرار مصرف لبنان الجديد الذي حدّد عبره للمصارف الكميّات المسموح سحبها من حساباتها الجارية لديه بالليرة اللبنانية، ليضع مزيداً من الضغوط على الأندية الرياضية، خاصّة في كرة القدم وكرة السلة.بات اللبنانيون ومنهم إدارات الأندية الرياضية غير قادرين على سحب الأموال التي يحتاجونها بالليرة اللبنانية. قرار تحديد سقوف السحوبات بالدولار سابقاً خلق الكثير من المشاكل بين اللاعبين وإدارات الأندية، فلجأت هذه الأخيرة إلى تخفيض الرواتب وتحويلها إلى الليرة، وذلك لكي تتمكّن من الاستمرار ولا تعلن إفلاسها وابتعادها إلى غير رجعة.
المتضرر الأكبر أولاً كانت أندية كرة السلة، والتي تصرف مبالغ هائلة كلّ عام، خاصة بالنسبة إلى رواتب اللاعبين. لجأ بعض الأندية إلى دفع «الشيكات المصرفية» بالدولار الأميركي، أو تحويل جزء من الراتب بالدولار إلى الليرة على سعر الصرف 3900 ليرة، ودفع الجزء الآخر باللبناني. دخلت الرياضة اللبنانية الفوضى المالية، ولجأ عدد من لاعبي الصف الأول في كرة السلة إلى البحث عن عقود خارجية من أجل تحقيق استقرار ماليّ. لاحقاً توقّف النشاط السلوي ولا يزال بفعل الأزمة المالية وأزمة كورونا، وهناك العديد من المشاكل بين اللاعبين والأندية، ومن المتوقّع أن يساهم القرار الجديد في تعميقها.
المشكلة الكبيرة أيضاً ستكون في كرة القدم. خلال الفترة الماضية كان بعض الأندية الكبيرة يلجأ إلى دفع رواتب بعض اللاعبين من خلال «شيكات مصرفية» بالدولار الأميركي، ويقوم اللاعب بقبضها من المصرف على قاعدة أن كل دولار يساوي 3900 ليرة. حتى إن موضوع «الشيكات» خلق الكثير من المشاكل بين الأندية واللاعبين بسبب عدم تسليم المصارف للأموال كاملة في بعض الأحيان. المشكلة المالية وخاصة تلك المتعلّقة بانقطاع الدولار الأميركي، دفعت إلى اتّخاذ قرار صعب، وهو وقف التعاقد مع اللاعبين الأجانب، الأمر الذي أثر على مستوى الدوري المحلّي بشكل أو بآخر.
اليوم ومع اتّخاذ المصارف ـ بعد قرار مصرف لبنان ـ إجراءات تحديد سقف للسحوبات بالليرة، ستصبح المهمّة صعبة على الأندية التي تحتاج إلى الأموال من أجل التحضير ودفع الرواتب وحتى اتّخاذ إجراءات السفر في حال كان هناك استحقاق خارجي. واللافت أن بعض أندية الدرجة الأولى في كرة القدم تدفع رواتب شهرية تصل إلى حدود الـ150 مليون ليرة، ومعظم اللاعبين يتقاضون رواتب أعلى من مليوني ليرة في الشهر، وهو السقف الذي لا يمكن تجاوزه في بعض المصارف.
الأمر الإيجابي الوحيد بالنسبة إلى أندية كرة القدم، هو أنها تلقّت مساعدة من الاتحاد اللبناني للعبة بالدولار الأميركي، وبالتالي يمكن للإدارة دفع الرواتب «كاش» للاعبين سواء بالدولار أو بعد صرف هذه الأموال على الليرة اللبنانية. الأندية تلقّت مساعدة بلغت قيمتها 20 ألف دولار أميركي، وهناك دفعة أخرى مثلها بعد فترة. الأزمة الجديدة يمكن أن تتجاوزها أندية كرة القدم بهذه الطريقة لفترة محدودة جداً، ولكن الحديث هنا عن الرواتب فقط، فالأندية بحاجة إلى سحب الأموال لتغطية نفقات أخرى منها النقل، وصيانة ملاعبها وشراء تجهيزات جديدة، وكلّ هذا من شأنه أن يعقّد المهمة ويخلق مشاكل مع شركات تعمل مع الأندية أو هي متعاقدة معها، إذا لم يتم السماح لها بسحب الأموال التي تحتاجها بالليرة اللبنانية أو الدولار الأميركي من المصارف.
مرة جديدة تقع الرياضة اللبنانية ضحية للإجراءات التي يتّخذها مصرف لبنان وبعده المصارف، والتي تعرقل بشكل كبير عمل الأندية التي تحتاج إلى الأموال لكي تستمرّ. كرة السلة تبدو غائبة بشكل شبه كامل، وأنديتها تعاني مالياً بشكل كبير جداً. أما كرة القدم فهي قادرة على الاستمرار لفترة غير طويلة بفضل المساعدة الاتّحادية، ولكن الإجراءات المالية ستفاقم الأزمة، وتدفع لاعبي الصف الأول إلى البحث عن فرص خارج البلاد، كما ستدفع أندية «فقيرة» إلى الابتعاد ربما، كونها غير قادرة على الاستمرار.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا