لم يكن متوقّعاً أن ينتهي المطاف بكارلو أنشيلوتي بين أسوار «الغوديسون بارك». المدرب الذي كانت له صولات وجولات في الملاعب الأوروبية، درّب خلالها فرقاً عريقة مثل ريال مدريد الإسباني، أي سي ميلان الإيطالي، بايرن ميونيخ الألماني، وأشرف خلالها على لاعبين من طينة باولو مالديني، أندريا بيرلو وكريستيانو رونالدو، يترأس اليوم العارضة الفنية لفريق إيفرتون، الذي اعتاد الوجود في منتصف جدول الدوري الإنكليزي الممتاز خلال العقد الماضي. المدرب الفائز بدوري أبطال أوروبا ثلاث مرات خلال مسيرته التدريبية، وجد نفسه مع نادٍ لا يُشارك في البطولة الأوروبية الأعرق أساساً، بل قلّما يشارك في الدوري الأوروبي حتّى، ما جعل الأمر غريباً بعض الشيء.أعاد البعض موضوع الانتقال لعامل المال، حيث تحولت كرة القدم من رياضة ترفيهية إلى مصدر يدرّ الكثير من الإيرادات المالية، خاصة في الدوري الإنكليزي، وهو ما جعل كارلو يفكر ربما بتدريب فريق مثل إيفرتون. قلّةٌ هم المدربون الذين بلغوا القمة، ثم عادوا وهبطوا إلى الدرجات الدنيا بإرادتهم، وربما قرار أنشيلوتي جاء لإنقاذ مسيرته التدريبية من خلال انتشال فريق متوسط، خاصةً بعد فشله من ترك بصمة جيدة مع فريق نابولي، خلال تجربته السابقة في الجنوب الإيطالي.
هكذا، عاد أنشيلوتي إلى إنكلترا من بوابة إيفرتون، وذلك للمرة الأولى منذ إشرافه على تدريب تشلسي في الفترة الممتدة بين عامَي 2009 و2011، وأنهى أول مواسمه مع «التوفيز» في المركز الـ12. لتحسين الوضع والحؤول دون تكرار ما حدث في الموسم الماضي، قام أنشيلوتي ومدير الكرة مارسيل براندز بالتوقيع مع العديد من اللاعبين، برز منهم ثلاثي الوسط دوكوري، آلان وجايمس رودريغيز، ليظهر إيفرتون هذا الموسم بصورةٍ مغايرة. ثلاثة انتصارات من ثلاث مباريات، وضعت رجال أنشيلوتي في دائرة الأندية المرشّحة لبلوغ المقاعد الأوروبية، على أقل تقدير.
بدأ إيفرتون عروضه الكبيرة في مباراته الافتتاحية أمام توتنهام، حين أطاح «بالسبيرز» على أرضه بنتيجة (1-0). أعطت تلك المباراة مؤشرات واضحة على مدى تطور الفريق، بعد أن نثر أنشيلوتي سحره التدريبي طيلة 90 دقيقة. في تلك المباراة، دفع أنشيلوتي بالوافد الكولومبي الجديد جايمس رودريغيز كجناح أيمن، وريتشارليسون كجناح أيسر مع دومينيك كالفيرت لوين في المقدمة، وأعطى المدرب الإيطالي لاعبيه حرية، عبر اللامركزية في الملعب. تولّى جايمس عملية بناء هجمات التوفيز على الجانب الأيمن، وكان الكولومبي يدخل إلى عمق الملعب ليسمح للظهير الأيمن شيموس كولمان بالتقدم. وعلى اليسار، كان ريتشارليسون يتحرك للداخل بجوار كالفيرت لوين ليخلق مساحة على الطرف الأيسر للوكاس ديني القادم من الخلف، في حين سيطر الوافدان الجديدان آلان ودوكوري على وسط الملعب. تكرّر الأمر لاحقاً خلال فوز إيفرتون على ويست بروميتش ألبيون (5-2) ثم كريستال بالاس (2-1)، ليرفع إيفرتون رصيده إلى 9 نقاط في صدارة الدوري بشكل مؤقت.
أصبح من المعقول الحديث عن منافسة إيفرتون لجيرانه في الشمال الإنكليزي


يُعرَف أنشيلوتي في الوسط الرياضي بتوازن الفرق التي يشرف على تدريبها، بحيث يعتمد على توليفة دفاعية منظّمة يستعيد خلالها الفريق الكرة في منتصف ملعبه قبل أن يندفع إلى الأمام. فشل أنشيلوتي في تحقيق ذلك مع إيفرتون في الموسم الماضي، حيثُ واجه مشاكل رئيسَة تبلوَرَت بافتقار المنظومة للاعبي وسط قادرين على افتكاك الكرة وبناء الهجمات. يدعم ذلك الإحصائية التي نشرها موقع "squawka"، والتي أشارت إلى احتلال إيفرتون المركز الـ 13 في الدوري الإنكليزي الممتاز من حيث التمريرات إلى الثلث الأخير في الموسم الماضي، حيثُ أدى ميل اللاعبين لإعادة تدوير الكرة مع خط الدفاع إلى انقطاع الاتصال مع الخط الأمامي. هكذا، كان تركيز أنشيلوتي منصبّاً هذا الصيف على التوقيع مع لاعبي وسط يخدمون أسلوبه التدريبي، فوقّع مع آلان ودوكوري. كان هذا الأخير هدفاً لإيفرتون منذ فترةٍ طويلة، وقد تمكّن النادي أخيراً من استقدامه بعد هبوط فريقه السابق واتفورد من الدرجة الممتازة إلى الأولى. على الجانب الآخر، عمل آلان مع أنشيلوتي في نابولي وكان إحدى الركائز الأساسية في الفريق الإيطالي الجنوبي، ما سهّل أمر انتقاله إلى إيفرتون بفعل رغبته باللعب مجدّداً مع المدرب الإيطالي المخضرم. ما كان لافتاً وغريباً بعض الشيء، هو «اقتناص» جايمس رودريغيز، هدّاف مونديال 2014. المهارة والثقل الكُرويّان للاعب الكولومبي يُمكّنانه من الالتحاق بأفضل الأندية الإنكليزية، ومع ذلك، فضّل ابن الـ29 عاماً الالتحاق بإيفرتون، ولا سيّما أن أحد أفضل مواسمه الكروية كان تحت إمرة أنشيلوتي. كان ذلك مع ريال مدريد في موسم 2014/15، حيث سجّل 17 هدفاً في جميع المسابقات.
بفضل الإضافة الكبيرة التي قدّمها ثلاثي الوسط الجديد، برزت صلابة الدفاع، كما تألّق الخط الهجومي بقيادة ريتشارليسون وكيلفيرت لوين، هدّاف الفريق هذا الموسم بخمسة أهداف.
بعد التوقيع مع ثلاثي خط الوسط، أصبح من المعقول الحديث عن منافسة إيفرتون لجيرانه الشمال الإنكليزي، حيث قد يتمكّن فريق التوفيز بفعل منظومته الغنية وخبرة مدربه من حصد الألقاب، سيراً على مسار ليفربول، مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي. الطريق لا يزالُ طويلاً، غير أن مشروع كارلو أنشيلوتي يبدو واعداً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا