لم تكن التحركات المطلبية في الشارع التي انطلقت في 17 تشرين الأول 2019 السبب الوحيد لشلّ حركة كرة القدم في البلاد، إذ في مكانٍ ما كان يمكن تخطي هذا العائق مع الوقت واستئناف النشاط بشكلٍ شبه طبيعي. لكن الطامة الكبرى كانت مع انتشار وباء «كورونا» في البلاد، حيث تعرّضت كرة القدم لضربة شبه قاضية بانتهاء موسمها الذي لم يكن قد قطع مراحل طويلة مع انطلاقه.أما مراحل مكافحة الوباء فكانت مأسوية بالنسبة الى الكرة اللبنانية، حتى ضاقت الأندية ذرعاً بالإجراءات المتخذة بحقها، وباتت تشعر بالتهديد الحقيقي للعبتها، وخصوصاً بعدما شاهد العالم أجمع أن اللعبة الشعبية الأولى في العالم عادت الى الملاعب في مختلف أرجاء المعمورة، لا بل إن دولاً أوروبية متقدّمة تعمل اليوم على آليات لإعادة المشجعين الى الملاعب في فترةٍ قريبة.
القرار الأخير بإغلاق البلاد مجدداً من أجل منع تفشي «كورونا» بشكلٍ أكبر كان قراراً لا مفرّ منه من دون شك في ظل تفاقم الوضع الصحي في لبنان، وخصوصاً بعد معاناة المستشفيات كافةً من ثقل «زلزال 4 آب» إثر الانفجار الأليم في مرفأ بيروت.
لكن هذا القرار بالتحديد لم تهضمه أندية دوري الدرجة الأولى التي سبق أن أطلقت تمارينها، والتي نشطت أيضاً في التعاقدات والتأسيس لموسمٍ مجهول المعالم أو المصير، والدليل عدد المرات التي تمّ خلالها تأجيل البطولة التنشيطية من دون أن تكون هناك أي خطة بديلة أو آلية واضحة للتعويض أو حتى تواريخ مثبتة للمرحلة المقبلة بالتنسيق مع السلطات المعنيّة.

حذر وتمرّد
التوقف القسري الحالي لم تهضمه الأندية التي عملت غالبيتها على محاولات فردية لإيجاد الطرق اللازمة للاستمرار في تحضيراتها والإبقاء على دورتها الطبيعية بعدما لمس المدربون بشكلٍ واضح مشاكل بدنية وفنية كبيرة لدى اللاعبين بسبب ابتعادهم عن الملاعب.
من هنا، ومنذ اليوم الأول للإقفال، كان السعي حاضراً في نادي النجمة مثلاً، إذ حصل على إذنٍ خاص من بلدية بيروت لخوض مباراةٍ ودية مع البرج على ملعبه في المنارة. مباراة احتاج إليها الطرفان لإبقاء لاعبيهما في أجواء المنافسات، لكنها طبعاً لا تكفي. لذا فقد استُكملت التمارين النجماوية بحصصٍ صباحية أو أخرى في فترة بعد الظهر بحسب ما يقرّره الجهاز الفني الذي ما إن يوقف عمله أسبوعاً حتى يخسر ثلاثة أسابيع من التحضيرات بسبب هبوط مستوى اللياقة البدنية للاعبين، ما يعني أنه في كل مرّة تتوقف فيها التمارين عليهم أن يبدأوا من النقطة الصفر.
لكن في هذه الحالة هناك مخالفة لقرارٍ رسمي، وهو ما يوضحه رئيس نادي النجمة أسعد صقال لـ»الأخبار» قائلاً: «قرارنا بالاستمرار في التمارين يأتي من قناعة نابعة بأننا نتخذ كل الإجراءات الوقائية لعدم تعرّض أي فردٍ من أفراد الفريق للإصابة بالفيروس». ويضيف: «كما نعمل أيضاً على التواصل مع رؤساء الأندية كافةً لاتخاذ موقفٍ موحّد ولطرح آلية واحدة وواضحة على الجهات المعنيّة لكي نحصل على الضوء الأخضر لاستئناف التمارين والمباريات بشكلٍ طبيعي، لكنه يلحظ طبعاً الوضع الصحي، تماماً كما يحصل في كل بلدان العالم التي استعادت مسابقاتها».
يجمع الكل على ضرورة تدخّل الاتحاد لدى الدولة وطرح آليّة لعودة الحياة الكروية


وصقال كغيره من رؤساء الأندية الذين يرون ضرورة في عودة اللعبة بأسرع وقتٍ ممكن، فهم أبرموا الصفقات، ويدفعون الرواتب للاعبين، ويعملون وكأن الموسم على الأبواب، بينما تبدو الأمور ضبابية، وربما مأسوية بالنسبة الى ممثلي لبنان في البطولات الخارجية.
الأنصار هو أحد هذه الفرق، والتمثيل الآسيوي طبعاً دفعه الى عدم توقيف تمارينه، ولو أن عددها أصبح أقل بانتظار جلاء الصورة. وفي هذا الإطار استخدم الأنصار «ورقة آسيا» للاستمرار في حملته التحضيرية، وهو بالفعل تقدّم بكتابٍ رسمي الى محافظ جبل لبنان، طالباً منه التقدّم به الى وزير الداخلية بهدف الحصول على استثناء لإقامة التدريبات والمباريات على ملعبه بسبب حاجته إليها كونه يسعى الى تمثيل لبنان بأفضل صورة ممكنة في كأس الاتحاد الآسيوي.
خطوة يؤكدها مدير الفريق بلال فراج الذي قال لـ»الأخبار»: «يفترض النظر في وضع القطاع الرياضي وخاصةً كرة القدم التي كانت أمثولة في البلدان التي عانت من «كورونا» لناحية التشبث بأمل العودة الى الحياة». ويتابع: «المطلوب من الجميع التكاتف في هذا الإطار، ونحن نرحب بأي خطوات جماعية كتلك الخطوة التي قمنا بها باتجاه القنوات الرسمية، حيث لم يعد بإمكاننا الانتظار أكثر والبقاء في حالة الجمود القاتل».

فحوصات وتمارين خجولة
وإذا كان النجمة والأنصار قد «تمردا» على القرارات الحكومية بطريقة منطقية ومبررة، بحسب مصادرهما، فإن أندية أخرى نشطت في تمارين خجولة بين صالات اللياقة البدنية والركض على الشواطئ وحتى في حصصٍ على ملاعب صغيرة بسبب إغلاق عددٍ من الملاعب في وجهها التزاماً بقرارات وزارة الداخلية.
نادي شباب الساحل هو أحد هذه الأندية، وهو الذي يعاني أصلاً من عدم نهاية العمل في تأهيل ملعبه في حارة حريك، فاضطر سابقاً الى التنقّل بين ملعبَي الشياح وبئر حسن. لكن التزام إدارتَي الملعبين بالقرار الرسمي أقفل الباب في وجهه وعطّله تماماً.
ومسألة التعطيل يخشاها لاعبو كل الأندية أصلاً، وهم الذين تغيّر أسلوب حياتهم وخرجوا عن عاداتهم، حيث دأبوا على قضاء فترة بعض الظهر في الملاعب. كما أن الخشية اليوم هي في استمرار توقف النشاط، ما يعني أنه بعد فترةٍ قد يضطرّ العديد من الأندية الى وقف دفع الرواتب، وذلك في فترةٍ مالية صعبة يعانيها الجميع على المستوى المعيشي في لبنان، حيث يعتمد كثيرون على الرياضة كمصدر رزقٍ أول لهم.
وفي موازاة هذه النقطة وتوقف أندية عدة عن إجراء التمارين (مثل طرابلس والإخاء الأهلي عاليه والتضامن صور) بانتظار نهاية فترة الإغلاق في 7 أيلول المقبل، تعمل أندية أخرى مثل العهد والبرج والسلام زغرتا على إجراء فحوصات الكشف عن «كورونا» للاعبيها وأفرادها إيذاناً باستئناف نشاطها قبل التاريخ المذكور، وبعضها تحدث عن تواصلٍ مع جهات اتحادية للمساعدة في إجراء فحوصات دورية قد تمهّد الطريق لعودة البطولات.
عودةٌ لن تحصل بإجماع الكل من دون تدخل حاسم للاتحاد اللبناني لدى الجهات الرسمية على شاكلة ما فعلته الاتحادات الوطنية الأخرى، وذلك من خلال وضع آلية واضحة يلزم بها الدولة والوزارات المعنية والأندية بهدف تأمين السبل والأطر اللازمة لاستئناف الحياة الكروية قبل أن يخسر الكل ما تمّ بناؤه والعمل عليه طوال سنوات خلت.