لم يأبه كثيرون في الولايات المتحدة الأميركية يوم قرّر القيّمون على كرة القدم في بلاد «العم سام» استقدام النجم الألماني السابق يورغن كلينسمان لتدريب المنتخب الوطني عام 2011. لم يعنِ للعديد من محبي اللعبة الأميركيين أن يكون أحد أبرز المهاجمين الذين مرّوا في تاريخ الكرة الألمانية على رأس الجهاز الفني لمنتخب بلادهم، فهم لم يكن همّهم سوى قدوم مدرب يعرف كيفية بناء منتخبٍ أصيب بالترهل في الأعوام الأخيرة، إذ لم يكن هناك أي اعتبار عندهم لسجل المدرب العتيد أيام كان لاعباً، بل ما فعله مدرباً. وبالطبع، لم يكن كلينسمان يطابق الصورة التي رسمها الأميركيون في أذهانهم، وخصوصاً أن تحليلات كثيرة ذهبت الى اعتبار أن تطوّر المنتخب الألماني عندما أشرف عليه كلينسمان (2004-2006) لم يكن بفضله، بل يعود ذلك الى مساعده وقتذاك أي المدرب الحالي لـ«المانشافت» يواكيم لوف.
هذا الكلام لم يكن يُشعر كلينسمان أصلاً بالراحة عندما كان في ألمانيا، فكان أحد الأسباب التي دفعته الى «الهجرة الكروية» باتجاه الولايات المتحدة ليستقر هناك بعدما كان متنقلاً بين بلاده الأم وبلاد إقامته. وهناك في أميركا، بدأت أصداء ما يفعله كلينسمان تصل الى حدود ألمانيا، لدرجةٍ ذكر فيها الألمان اسم «الحصان الأشقر» في كل مرة سقط فيها لوف في أحد الامتحانات، فكان الحديث عن سبب تفضيل «كلينسي» للولايات المتحدة على منتخب أبطال العالم ثلاث مرات.
في المقابل، ذهب بعض الألمان الى اتهام كلينسمان بإدارة ظهره للبلاد التي أطلقت نجوميته عبر ضخ كل إمكانياته الكروية فيها، وخصوصاً بعد مجاهرته بأنه لا يفكر في العمل في ألمانيا، أقله في المستقبل القريب. وكلينسمان تحوّل أميركياً تباعاً، إذ لم يكتفِ فقط بتطوير أداء المنتخب الأميركي ووضعه استراتيجية طويلة الأمد لرفع مستوى المنتخبات الوطنية، بل أحدث انقلاباً ثورياً على بلاده الأصلية، حيث دأب على خطف كل موهبة أميركية _ ألمانية للعب تحت قيادته. فبعد جيرماين جونز الذي اختار بنفسه التحوّل الى المنتخب الأميركي عام 2010، وصل كلينسمان في السنة التالية ليقنع فوراً الظهير الأيسر فابيان جونسون بالانضمام إليه بعدما كان الأخير قد ارتدى القميص الألماني في كل منتخبات الفئات العمرية، بدءاً من منتخب دون 17 عاماً ووصولاً الى منتخب دون 21 عاماً.
أما ضربته الكبرى أمس فكانت إقناعه لاعب بايرن ميونيخ جوليان غرين (18 سنة) بترك فكرة الانضمام الى ألمانيا التي لعب لعددٍ من منتخباتها واختيار الولايات المتحدة، في خطوة أغضبت الألمان من دون شك، وخصوصاً أن النجم الأسمر الصاعد (والده أميركي وأمه ألمانية) يعدّ من أكثر المواهب إثارة للاهتمام حالياً في الكرة الأوروبية.
كل هذا ولا يزال كلينسمان مبتسماً، إذ إن المهاجم القناص السابق لا يعرف سوى الانقلابات، فهو منذ وصوله الى الولايات المتحدة انقلب على التوقعات التي أكدت فشله في مهمته، فذهب منذ مطلع 2012 بحصد النتائج المميزة، بداية من تحقيقه أول فوز على إيطاليا
(1-0) منذ عام 1934، ثم بفوزٍ تاريخي آخر على المكسيك (1-0) كونه جاء لأول مرة في ملعب «أزتيك» الشهير، ووصولاً الى إسقاطه منتخب ألمانيا بنتيجة 4-3 في صيف 2013.
النتيجة الأخيرة لا شك في أن حلاوة طعمها لا تزال في فم المدرب «المتأمرك» ولو أن اللقاء كان ودياً، لكنه كان بالتأكيد ضمن خطة انقلابه الكروي على البلاد التي أوصلته الى ما هو عليه الآن، فهو كما عرف كيفية شقّ طريقه الى الشباك غير آبهٍ بما يواجهه من ظروفٍ قاسية، يبدو مصرّاً على استكمال هذا الانقلاب عبر فوزٍ على الألمان عندما يحين موعد مقابلتهم في مونديال 2014.

يمكنكم متابعة شربل كريم عبر تويتر | @charbel_krayem