بانتظار عودة الحياة إلى كرة السلة اللبنانية أواخر الشهر المقبل بحسب ما تنوي عائلة اللعبة كما قيل أخيراً، وبعد عودة جزئية للفرق واللاعبين من بوابة الأندية التي لعبت في دورة دبي ومن ثم من خلال استحقاق المنتخب الوطني، أصبح من الصعب على اللاعبين العودة إلى الجلوس في المنزل بعيداً من صخب الملاعب والمنافسات التي افتقدوا إليها منذ أشهرٍ عدة.من هنا، سنحت للبعض منهم فرصة اللعب في الخارج، ولو أن عددهم كان محدوداً على هذا الصعيد، وبدا أن أحد الأسباب الأساسية وراء هذه المسألة هي التكلفة التي لا يمكن للكثير من أندية المنطقة أو البلدان المجاورة تحمّلها من أجل التعاقد مع اللاعب اللبناني. لكن غالباً لم تكن المشكلة المادية مسألة شائكة بالنسبة إلى أندية منطقة الخليج بل كانت دائماً المشكلة الحقيقية هي في عدم وجود عددٍ كبير من المواهب المحلية بعكس ما هو عليه الحال في لبنان الذي خرّج أفضل اللاعبين في العالم العربي. وتُضاف إلى هذه النقطة نقطة أخرى وهي اهتمام الخليجيين بشكلٍ خاص بالرياضة الأهم بالنسبة إليهم وهي كرة القدم التي جلبت إليهم الألقاب على مختلف المستويات وحضروا من خلالها في أكبر المحافل الدولية، ولهذا السبب صرفوا أموالاً كثيرة في سبيل تعزيز أنديتهم بأفضل العناصر الأجنبية والكوادر الفنية القادمة من الخارج.
والدليل على هذا الكلام يأتي من أمثلة ملموسة، فإذا أخذنا السعودية كمثال، نجد أن المملكة التي تملك لقباً آسيوياً واحداً أحرزه اتّحاد جدّة عام 2001 بفوزه على الريان القطري في المباراة النهائية التي أُقيمت في دبي، لم يتأهّل منتخبها أبداً إلى كأس العالم لكرة السلة أو إلى الألعاب الأولمبية الصيفية، بينما بلغ منتخب كرة القدم نهائيات المونديال في 5 مناسبات ابتداءً من عام 1994.
والأمر عينه ينطبق على قطر التي كسبت الاحترام الكبير بفوزها بكأس آسيا الأخيرة في كرة القدم (رغم أنها لم تتأهّل إلى أيٍّ من المونديالات)، بينما في ميادين كرة السلة لم يجد منتخبها الطريق إلى الساحة العالمية سوى مرّة واحدة في عام 2006، وهي الفترة الذهبية التي عاشتها كرة السلة القطرية، انطلاقاً من مطلع الألفية الجديدة، حيث أحرز الريان لقبَين في بطولة الأندية الآسيوية عامي 2002 و2005، ليكونا مع لقب اتّحاد جدّة الحصيلة الكاملة للأندية الخليجية في البطولة القارية رغم استضافة بلدانها المختلفة لها في مناسباتٍ عدة. وهذه الحصيلة لقطر والسعودية مجتمعتَين هي أقل مما حققته الأندية الإيرانية (6 ألقاب)، واللبنانية (5 ألقاب هي 3 للحكمة الأكثر إحرازاً لها و2 للرياضي)، والصينية والفيليبينية (3 لكلٍّ منها).
يرضى اللبنانيون بمبالغ أقل في الخليج بسبب توقف البطولة المحلّية


صحيح أن أندية الخليج صرفت مبالغ غير بسيطة لاستقدام اللاعبين الأجانب، منذ أن شرع اتّحاد جدّة تحديداً في رفع المستوى على هذا الصعيد يوم استقدم الأميركيَّين شيريل فورد وجوني رودز اللذين ساعداه على تخطّي الحكمة في البطولة الآسيوية عام 2002 (عادا ولعبا للفريق الأخضر)، ولكن بقيت المشكلة في إبقاء الفرق بمستوى عالٍ لمواسم طويلة بسبب العدد المحدود من الشبان المحليين الذين يفضّلون ممارسة المستديرة البرتقالية بدلاً من غيرها من الرياضات الشعبية ككرة القدم. وهذه الأخيرة عادت وذهبت الميزانيات الكبيرة إليها، إضافةً إلى تخصيص بلدانٍ مثل الإمارات وقطر ميزانيات ضخمة لتنظيم أحداثٍ عالمية في كل الرياضات المهمّة بسبب قدرتها على عكس صورة حسنة عن الدولة تكون نتائجها بلا شك أفضل من نتائج أيّ مشاركة سلوية، وخصوصاً مع عدم القدرة على اللحاق بالدول المتقدّمة التي سبقتها بمراحل عديدة أو تلك التي دخلت على الخط بقوة في الفترة التي لحقت بروز الخليجيين نسبياً، مثل سوريا والأردن.
المهم أنه ومع توقّف البطولة في لبنان وبقاء اللاعبين اللبنانيين المميزين من دون أيّ نادٍ، وجدت بعض الفرق الخليجية الأمر بمثابة الفرصة بالنسبة إليها لرفع مستواها ومستوى بطولاتها وإعادة لفت الأنظار إليها، وذلك من دون أن تكون بحاجةٍ إلى دفع تلك المبالغ الكبيرة التي تدفعها في مناسباتٍ محدّدة لاستقدام اللاعبين الأجانب. وهنا المقصود أنه صحيح أن أندية كرة السلة الخليجية لا تدفع مبالغ توازي تلك التي تدفعها عادةً للأجانب في كرة القدم، لكنها تدفع في المراحل المتقدّمة من بطولاتها السلوية مبالغ لا يستهان بها لاستقدام الأجانب الأفضل، وهي في هذه الفترة وفّرت على نفسها بعض الشيء وحصلت على لاعبين أصحاب مستوى مميّز.
وهنا الإشارة إلى اللاعبين اللبنانيين الذين لم ينتقلوا إلى ملاعب الخليج بنفس القيمة المالية التي يحصلون عليها عند ارتباطهم بالأندية اللبنانية، إذ تعرف الأندية الخليجية سلفاً أنهم لن يمانعوا الحصول على مبالغ مقبولة بالنسبة إليها من أجل الدفاع عن ألوانها، وذلك في ظلّ توقف النشاط في لبنان. لذا وبعيداً من حصول كرم مشرف على عقدٍ جيّد قيل إنه وصل إلى 250 ألف دولار لثلاثة مواسم مع فريق الوحدة السعودي (يلعب كمواطن بحكم ولادته في المملكة)، الذي يدرّبه غسان سركيس (تردّد أنه حصل على مبلغ مشابه)، فإنّ الهدف الأول للاعبين الآخرين بدا أنه البقاء في جهوزية من خلال لعب مباريات ولو قليلة بعيداً من الحصول على مبالغ كبيرة، إذ تفيد المعلومات بأنّ اللاعبين الذين خرجوا أخيراً باتجاه السعودية أو قطر يتقاضون حوالى 2000 دولار لقاء المباراة الواحدة، أمثال لاعب الشانفيل كريم عز الدين الذي انضمّ إلى الأنصار السعودي حيث خاض مباراتين معه في مواجهة الوحدة، أو الثنائي الدولي علي حيدر وعلي منصور اللذين وافقا على الانتقال إلى الغرافة القطري بعقدٍ قصير الأمد، لكنهما لم يشاركا معه بعد تأخّر وصول الاستغناء الدولي ومن ثم تجميد النشاط بعد وصول فيروس «كورونا» إلى الدوحة، التي كان أغلى اللاعبين اللبنانيين الذين حطوا فيها هو نجم النادي الرياضي وائل عرقجي الذي وقّع على عقدٍ لمدة شهرين مع نادي الشمال، لكن المفارقة أن ما يحصل عليه في ناديه القطري كراتب شهري يصل إلى أقل من نصف ما تقاضاه في بطولة لبنان شهرياً.