ماذا بعد يا ميلان؟ ماذا بعد يا أبناء «الروسونيري»؟ هل حقاً أنتم الأبناء؟ هل هذا القميص الذي يرتديه الآن دانييللي بونيرا وعادل رامي ونايجل دي يونغ ومايكل إيسيان وأوربي إيمانويلسون هو ذاته الذي ارتداه يوماً فرانكو باريزي وباولو مالديني وفيليبو إينزاغي، ورقص فيه رونالدو ورونالدينيو «السامبا»، وجعله رود غوليت لا يبارح الأذهان؟ هل هذا القميص هو ذاته الذي كان يطير به ماركو فان باستن عالياً، ويكاد جينارو غاتوزو يتحدى العالم وحده من أجل أن يبقى شعاره مرفوعاً ولا يجرؤ الخصوم على إغماض عين ولا تنام جماهيرها بأمان؟
الخصوم؟ ما الذي لم يفعله الخصوم بميلان هذا الموسم؟ لم يكن ينقص إلا هذه الخسارة الأخيرة الأليمة أمام أتلتيكو مدريد (1-4) والخروج المخزي من البطولة الأحب على قلوب الميلانيين، دوري أبطال أوروبا، لتعرّي جل اللاعبين من هذا القميص، ولتؤكد أنهم لا يستحقون البتة ارتداءه وأنهم أصغر بكثير من حمل هذا الشعار الذي أدهش العالم في كل
الأحيان.
لا يشبع هذا «الميلان» بنسخة 2014 من الدوس على قلوب عشاقه ومناصريه. حتى من لا يكنّون الحب، بل مجرّد الاحترام لعراقة هذا النادي، أصبحوا حزينين على حاله وما فعلته به الأيام. من قال إن ميلان هو للميلانيين فقط؟ لا وألف لا، فالروسونيري، بتاريخه المضيء، هو الماضي الذي إليه تحنّ القلوب، ومن مدرسته نهلت أجيال وأجيال. أن تعشق ميلان، فأنت تعشق الكرة. وأن تخاصمه فهذا مدعاة، على الأقل، لكي يمدك بالحماسة الكروية، وأن يصل بها الى أقصى الحدود، وأن تفرح، أيما فرح، حين تنتصر عليه (ميلان الماضي).
الآن بات حتى الفوز (على قلّته) لميلان لا نكهة له، وهزيمته لا رونق لها عند الخصوم. كثرت الهزائم ومعها تبدلت الأحاسيس والأحلام.
حتى كبار القوم في ميلان باتوا ينامون لياليهم «على زعل»، ويستقبلون شمس صباحهم على غضب ووجوم. خذوا مثلاً ما قاله مدرب «الروسونيري» السابق وصاحب الأمجاد، الخبير أريغو ساكي، صبيحة أمس: «هذا (ميلان) لا يمكن أن يكون فريقاً. هذه ليست كرة قدم».
لا استثناء لمعظم اللاعبين من كل ما يحدث طبعاً، لكن ماذا عن هؤلاء الجالسين خلف مكاتبهم، ماذا عن أصحاب الياقات والقفازات البيضاء ومآدب العشاء؟ حتى في هذه أصبحوا فاشلين، من كانوا يوماً «أساتذة» البيع والشراء أضحوا عاجزين، لا بل إنهم أمعنوا في ذبح ميلان وأردوه من الوريد الى الوريد. ماذا عنك يا سيلفيو؟ ما الذي يدور في مخيلتك برلوسكوني؟ لا تدفع، لا تستثمر، لم تعد تعرف كيف ومن تبيع. ماذا إذاً تريد؟
مؤسف حقاً أن يصبح لاعب كالياباني كيسوكي هوندا حامل أحلام الميلانيين، وأن يكون المخضرم الغاني مايكل إيسيان «صفقة الشتاء» الكبيرة للومبارديين. مؤسف أن يشغل دفاع ميلان دانييللي بونيرا والهولندي أوربي إيمانويلسون، وأن يظل حتى اللحظة كريستيان إبياتي حامي العرين. مؤسف أن يرهن ميلان هجومه لمزاجية ماريو بالوتيللي، أن يعود الجميل البرازيلي كاكا ليزرع البسمة، فلا يجد له من مُعين!
يحدث أن يمرض ميلان، لا أن يُحتضر. لكن، هيهات، فإن «ميلاننا» الحالي تخطى هاتين المرحلتين، وأصبح البكاء عليه حتمياً وأليماً. ميلاننا الآن لا ينتظر سوى من يتقدم لدفنه، من يمحوه من الذاكرة ولا يبقي له أثراً يذكّر يوماً بما اقترفته أيدي كثيرين. فعسى أن تهبّ في الصيف المقبل عاصفة لا تبقي ولا تذر، ومعها يعود ميلان ذاك الذي لم يستوطن حبه قعر قلوب الآلاف فقط، بل ملايين البشر.