تتفرّع أضرار «المصاب الأليم» عند الحديث عن كرة القدم اللبنانية، إذ أن الكل لحقته خسارة جرّاء توقّف موسمٍ كان واعداً بحسب المراقبين والمتابعين. موسمٌ انتظر الكل أن يأخذ اللعبة إلى مكانٍ آخر وخصوصاً بعد فوز العهد بلقب كأس الاتحاد الآسيوي، لكن أيّاً من التوقعات الإيجابية لا يمكن انتظارها بعد الآن، فما حصل قد حصل ولن يكون أي من القرارات أو الخطوات كفيلاً بتخفيف نسبة الخسائر التي طاولت جميع العاملين والمرتبطين بالكرة اللبنانية.البداية من اللعبة التي تلقّت صفعة قوية، إذ أنه بعد مرحلة التأهل إلى كأس آسيا 2019 وبعد إحراز أول لقبٍ خارجي، وبعد ارتفاع نسبة الاهتمام بالدوري المحلي، كان التوقّف القسري بعد ثلاث مراحل فقط على البداية، تخللتها مباريات مثيرة، ووعود بمنافسة حامية في مقدّمة ووسط وقاع الترتيب، وأيضاً بوقفة عالمية لافتة مع وصول رئيس الاتحاد الدولي جياني إنفانتينو على رأس وفد من النجوم العالميين لإطلاق مشروعٍ كبير من على الأراضي اللبنانية.

ابتعاد المعلنين
كل هذا جعل محبي الرياضة يترقّبون الجديد الذي يمكن أن تقدّمه كرة القدم اللبنانية إليهم، وهي التي بدت أنها تسير نحو مرحلة أفضل، ووسط مساعٍ كثيرة من قبل الجميع على رفع مستواها تنظيمياً، فنياً وإدارياً. لذا لا يخفى أن أي انطلاقة جديدة وبأي شكلٍ من الأشكال هذا الموسم أو الموسم المقبل، ستدفع القيّمين إلى إعادة رسم الصورة من النقطة الصفر والدخول في مرحلة ترميم لا بل إعادة بناء بفعل تراكم الخسائر التي وضعت اتحاد اللعبة في موقفٍ صعب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وذلك بعدما اجتهد لمحاولة مواكبة التطوّر السريع الذي تعيشه كرة القدم في قارة آسيا ومطالبة اتحادها القاري كل الاتحادات الوطنية بأخذ الطريق نحو الاحتراف المطلوب.
وفي موازاة وضع الاتحاد، وجدت الأندية نفسها في وضعٍ أصعب ومثقل بالخسائر المتفرّقة، وهي مسألة أرهقت غالبيتها أكثر مما استنزفتهم خلال سعيهم لتأمين ميزانياتهم وللتعاقد مع اللاعبين الذين رأت أنها بحاجةٍ إليهم.
بعض هذه الأندية كان قد صرف الكثير من الوقت والتعب لإقناع معلنين «بتزيين» قميصه ودعمه مالياً خلال الموسم. وهذه النقطة دونها صعوبات كما يعلم الجميع، إذ أن سوق الإعلانات كان قد ابتعد عن كرة القدم لسنواتٍ عدة، وباتت عملية رعاية الفرق ترتبط بمعارف هذا الرئيس أو ذاك، علماً أن المولجين بإعلانات الملاعب أيضاً تلقوا ضربةً على هذا الصعيد، إذ أن اللوحات الإعلانية كانت قد عادت إلى ملاعب الدوري للمرة الأولى منذ حوالى الثلاثة أعوام في عمليةٍ، كان السعي خلالها لوضع حجرٍ أساس نحو مرحلة تحمل معلنين كثراً إلى الملاعب، وبالتالي دخول اللعبة في مسارٍ مالي أفضل ينعش الخزائن المالية للأندية ويقوّي من قدرتها الاقتصادية، وتالياً يساهم في رفع مستواها عبر استقدام أجانب أفضل.

خسارة الأجانب
بالحديث عن الأجانب فإن الخسارة مشتركة هنا بين هؤلاء والأندية التي ارتبطوا بها. ففي المقام الأول صرفت هذه الأندية الأموال لإبرام الاتفاقات معهم من دون الاستفادة من خدماتهم. كما أن بعضها صرف مبالغ غير بسيطة لتجربة عددٍ من الأجانب قبل انطلاق الموسم، وقبل أن يتخذ قراراً حول اللاعبين الثلاثة الذين عزّز بهم صفوفه. أضف أن عملية الاستغناء عن الأجانب لم تكن بسلاسة كما يعتقد البعض، إذ في حالاتٍ عدة اضطر النادي لدفع قسمٍ من المستحقات المتوجّبة للاعبيه الأجانب من أجل فكّ الارتباط معهم، وذلك ضمن تسويات لا مفرّ منها لكي يبرّئ ذمته ويتفادى أي عواقب قانونية، ما جعل هؤلاء اللاعبين يتحررون من عقودهم أو ينضمون إلى أندية أخرى خارج لبنان من دون أن يكون هناك اي عائدات مالية لأنديتهم جراء هذه الانتقالات.
أما في المقام الثاني، فإن ابتعاد اللاعبين الأجانب عن المباريات لا شك في أنه أضرّ بمستوياتهم الفنية، وبالتالي هم افتقدوا المسرح الذي كان بإمكانهم تقديم أنفسهم عليه للانتقال إلى بطولة تتمتع بمستوى أعلى. كما أن توقّف الدوري اللبناني «حرق» ورقتهم بعض الشيء في سوق الانتقالات، فجعلهم يقبلون بعروضٍ أقل مما كانوا ينتظرون من تحوّلهم إلى بلدٍ آخر.
وإذا كانت خسائر الأجانب واضحة، فإن الخسائر التي لحقت باللبنانيين من مدربين ولاعبين هي أكبر بكثير، إذ أن غالبية الناشطين في مجال الكرة يعتمدون عليها في ما خصّ بحثهم عن لقمة العيش، وبالتالي فإن توقف غالبية الأندية عن دفع الرواتب أصابهم في الصميم وجعلهم يبحثون عن سبلٍ أخرى للنهوض، علماً أنه من الصعب على هذه الفئة إيجاد فرقٍ في الخارج وحتى في محيط لبنان حيث تتقدّم البطولات والفرق على ما لدينا هنا في جوانب مختلفة.
لا يمكن الحديث عن أي إيجابيات منتظرة في كرة القدم بعد الآن


كذلك، لا شك في أن فترة التوقف أضرّت بالملاعب التي لم تكن يوماً في أحسن حالاتها، فلا يمكن السؤال اليوم عن الوضع الذي قد يبدو عليه ملعب بيروت البلدي أو ملعب صيدا، وخصوصاً أن شحّ الأموال في البلديات ترك تأثيره السلبي على كماليات إنمائية وخدماتية عدة في المناطق، ما يجعل عملية صيانة الملاعب والاهتمام بها أمراً شبه مستحيل في الوقت الحالي، وخصوصاً أنه بالنسبة إلى بعض القيّمين ليس هناك أي داعٍ للقيام بأي خطوات من هذا النوع في ظل توقّف النشاط.
أما رواد الملاعب أي المشجعون الذين وجدوا غالباً في المدرجات متنفساً للهروب من المتاعب اليومية التي تواجههم، فإنه بلا شك قد تتقلّص أعدادهم مع عودة اللعبة إلى طبيعتها والسماح للجمهور بدخول الملاعب، فالوضع الاقتصادي الذي يعانون منه سيجعلهم يعيدون حساباتهم ويسخّرون أوقاتهم بحثاً عن حياةٍ أفضل عبر تأمين مستلزماتهم الضرورية بدلاً من صرف المال على التنقلات بين المناطق والملاعب لمتابعة فرقهم المفضلة.
إذاً هي حلقة واحدة يدور فيها الكل بشكلٍ مرهق، فالضرر حصل سلفاً والخروج من الأزمة لا يرتبط فقط بقرارٍ اتحادي لمواصلة اللعب أو بقرارٍ من هذا النادي أو ذاك للإبقاء على أجانبه واحترام اتفاقاته مع لاعبيه، فالحلول الآنية لن تجدي نفعاً بل إن تضافر الجهود وإبقاء الإيمان بإمكانية النهوض هما العناوين الأساسية للتخلّص من المعضلة، فالاستحقاقات المهمة قريبة دائماً وأي خطوات إضافية إلى الوراء تعني القضاء على ما تمّ العمل عليه منذ وقتٍ طويل للوصول إلى الأهداف المنشودة.