لماذا فشلنا في التأهل إلى كأس العالم وكأس آسيا بعدما كنا على مقربة من الحدثين؟ من يتحمل مسؤولية هذا الفشل؟ هل هم أصحاب القرار بالتغيير الفني؟ هل هو المدرب الإيطالي جوسيبي جيانيني؟ هل هم اللاعبون؟ أم هي الكرة اللبنانية بأنديتها وهيكليتها عموماً؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير، لا شك في أنها طرحت بقوة أينما كان عندما أطلق الحكم الياباني يوداي ياماموتو صافرته، واضعاً حدّاً للحلم اللبناني في التأهل إلى كأس آسيا 2015 من ملعب «راجامانغالا» في العاصمة التايلاندية بانكوك.
بالتأكيد، تتضارب الآراء كثيراً، إذ إن كل متابع يضع اللوم على طرفٍ ما من أولئك الذين ضربت الأسئلة المذكورة أعلاه حولهم. لكن الأكيد أكثر أن مروحة الإجابة عن الأسباب تبدو أوسع بكثير؛ إذ إن تشريحاً دقيقاً لواقع الحال قد يترك قناعة بأنه يفترض علينا الاقتناع بأنه لا تخفى صعوبة تحقيق إنجازٍ كبير في ظل أجواء غير مثالية لإصابة النجاح، الذي لا يمكن بلوغه إلا بملاقاة النقاط الأساسية المطلوبة لأي نجاحٍ كروي.
البداية في حديث أيٍّ كان، هي حول قرار الاتحاد اللبناني لكرة القدم بتعيين جيانيني على رأس الجهاز الفني خلفاً للألماني ثيو بوكير الذي حقق نتائج معروفة مع المنتخب الوطني. لكن مع تخطي هذه المرحلة، وبغض النظر عن صوابية القرار من عدمه لناحية اعتبار أن «أمير روما» استحق هذا الشرف أو لا، وخصوصاً أن كثيرين يحمّلونه اليوم مسؤولية الفشل في الحفاظ على التقدّم الذي كان كفيلاً بالتأهل أمام تايلاند، فإن الاتحاد قام بكل ما يلزم لإنجاح مهمة المدرب وفريق عمله، إن كان على صعيد الدعم المادي أو الاستعدادات، وحتى على ملاقاة طلبه في إيقاف بطولة الدوري فسحاً في المجال أمام الإعداد بنحو مثالي للمباريات الدولية.
وإذ يمكن اعتبار أن جيانيني لم يحقق المطلوب منه، وخصوصاً أن الهدف كان التأهل إلى كأس آسيا، وهو أمر لم يحصل، فإن لهذا الفشل أبعاداً أخرى لا يعرفها سوى من يعمل على مقربة من أي مدربٍ أجنبي يأتي للعمل في لبنان، وتحديداً على مستوى المنتخبات الوطنية. وهنا لا يرتبط الأمر بالقول إن جيانيني لم يرتكب الأخطاء، لكن هناك تفاصيل مهمة جداً يتفق مدربون أجانب كثر على أنها تسهم أساساً في إفشال مساعيهم. وهذه العثرات هي طبعاً غير مقصودة، بل تأتي ضمن أسلوب عيش عرفته الكرة اللبنانية منذ زمنٍ طويل، وتتصل مباشرة بعمل الأندية في إعداد اللاعبين، وهو عمل لا يرتقي في أندية عدة إلى مستوى تقديم لاعبٍ جاهزٍ لتمثيل لبنان على أعلى مستوى دولياً. وهذه النقطة تبدو واضحة تماماً عبر مقارنة بسيطة مع اللاعبين الذين خرجوا للاحتراف، حيث تطوّر مستواهم بنحو رهيب، بينما بقي مستوى لاعبين بارزين في الدوري اللبناني متواضعاً على الساحة الدولية مقارنةً بأقرانهم المحترفين.
مثالٌ آخر يمكن إعطاؤه على ضرورة إسهام الأندية في تقديم لاعبٍ جاهزٍ للعب مع المنتخب، إذ معلوم أنه على المستوى الدولي لا يشرع مدربو المنتخبات الوطنية في العمل ضمن برنامج لإعداد اللاعبين بدنياً عشية المباريات، بل إن هذه النقطة تكون ثانوية في برامجهم، حيث يصل اللاعبون إليهم بجاهزية بدنية، فيتمحور العمل الكبير معهم على الجوانب التكتيكية دون سواها. وهذه المسألة بالطبع غير موجودة في لبنان، وسبق أن عانى منها بوكير وجيانيني، وخصوصاً الأخير الذي بدا بعيداً عن التنسيق مع الاندية وسخّر وقتاً كبيراً في البرنامج الإعدادي لتمارين رفع مستوى اللياقة البدنية، رغم أننا في منتصف الموسم حيث يفترض أن يكون اللاعبون في جاهزية تامة!
إذاً، أي مشروع طويل الأمد لبلوغ عتبة النجاح والعبور إلى العالمية، لا بدّ أن تكون الأندية شريكة أساسية فيه؛ فهي التي بمقدورها تطوير اللاعب وجعله أفضل، لا المنتخب الوطني. وفي هذا الإطار تبرز أمثلة عدة، منها ما عاناه المنتخب لإيجاد رأس حربة مميّز، حيث يقول مدرب أجنبي معروف مرّ على المنتخب الوطني إن بعض المهاجمين اللبنانيين الذين يبرزون في البطولة يسجلون أهدافهم بالصدفة؛ إذ إن غالبيتهم، رغم موهبتهم الفطرية، لا يعرفون كيفية التمركز بالشكل الصحيح أو الاستفادة من حالات معيّنة داخل منطقة الجزاء. أما الحلّ، فهو تخصيص مدربٍ للمهاجمين فقط، على غرار ما فعل فريق طرابلس الرياضي مثلاً، الذي استقدم الهداف التاريخي وارطان غازاريان للعمل على تطوير مهاجميه، وهي خطوة بدت ثمارها ناضجة وواضحة أخيراً.
كذلك هناك مثلٌ آخر على صعوبة إيجاد المنتخب لحراس مرمى بالمستوى المطلوب أسّستهم الأندية المحلية على الثوابت التقنية الصحيحة، وهذا ما يفسّر أفضلية الحارسين الأول والثاني في المنتخب الوطني، أي عباس حسن ولاري مهنا على سواهما، وذلك بفعل تلقيهما الأسس الضرورية في نشأتهما التي كانت في أوروبا.
هذا الكلام لا يأتي طبعاً لوضع اللوم أو المسؤولية على الأندية التي تعاني ما تعانيه أصلاً؛ فهي لا يفترض أن تكون وحدها في ميدان خلق منتخبٍ قوي؛ لأن هذه المسألة ترتبط بالاتحاد اللبناني أيضاً، وبشكلٍ أكبر؛ إذ إن تطوير المنتخب الأول لا بدّ أن يترافق مع سياسة ذكية وفعالة لمجموعة المنتخبات اللبنانية.
وهنا الحديث عن منتخبات الفئات العمرية التي لا بدّ أن تحظى بنفس الاهتمام الذي خصّه الاتحاد للمنتخب الأول؛ إذ في نهاية المطاف هذه المنتخبات هي الرافد الأساسي لمنتخب الوطن، فتبرز بالتالي ضرورة إيجاد المدربين المناسبين لها؛ إذ إن التأسيس الصحيح وإفادة اللاعب من الخبرة الدولية التي يكتسبها في سنٍّ صغيرة، هما المفتاح لتقديمه نجماً عند بلوغه مستوى الكبار. لذا لا بدّ أن يكون الارتباط وثيقاً بين كل هذه المنتخبات، وصولاً إلى المنتخب الأول، وفي تجربة المدرب المصري الراحل محمود الجوهري مع الكرة الأردنية، مثال واضح، وهو الذي وضع سياسة عامة للعبة في بلاد «النشامى» ليصل منتخبها إلى مرتبة أعلى من نظيره اللبناني حالياً.
واستطراداً، لا يمكن إسقاط أهمية عمل المدرب المحلي من خلال إيجاد دورٍ له إلى جانب نظيره الأجنبي لتوضيح الصورة قدر الإمكان حول واقع اللاعبين وقدراتهم الحقيقية، وخصوصاً لناحية الاختيارات الصحيحة لمن يستحقون فعلاً الانضمام إلى المنتخب.
لفترةٍ طويلة جداً لن يكون المنتخب مدعواً لاستحقاق مهم على الساحة الدولية، لكن الكل مدعو الآن لملاقاة مشروعٍ طويل وجديّ يضع لبنان عن جدارة في المحافل الكبرى، لا عبر الصدفة أو الحظ أو حتى خدمات الآخرين.

يمكنكم متابعة شربل كريم عبر تويتر | @charbel_krayem