لم يغِب المشهد الرياضي عن الحراك الشعبي في ساحات لبنان، فأطلّت مشاهد معترضة على «السياسة الرياضية» المرتبطة أصلاً كما يعلم الجميع بالسياسة نفسها. مشاهد تركت مطالبات عند الجمهور بأمورٍ معيّنة، وهي عكست في مكانٍ ما مدى أهمية الرياضة عند قسمٍ كبير من أبناء المجتمع الذين لم يسقطوها من كل تلك المطالب الرامية إلى عيش حياة مثالية في البلاد.بين المزاح والجدّ تنوعّت مطالب «شعب الرياضة» في ساحة «الثورة»، فهناك من أراد المزاح مطالباً بتعاقد النجمة مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، وهناك من قالها بجديّة وبرباطة جأش مطالباً بإسقاط اتّحادات أساسية.
هو لبنان بلد التناقضات الذي أصبح بلد المطالبات في الوقت الحالي، حيث رأى الجميع فرصة للانقضاض والانقلاب على ما كان محرّماً أو ممنوعاً المطالبة به، ولو أن البعض في الشارع الرياضي لم يخفِ يوماً امتعاضه من «سلطة» حاكمة في هذا الاتّحاد أو من قرارات خرج بها اتّحاد آخر.
لكن الجرأة المذكورة هنا عند فئة معيّنة من الجمهور الرياضي، جعلته يذهب إلى أبعد من ذلك في الشارع ليربط الرياضة بالفساد المستشري في البلاد غير آبهٍ بصورٍ تنقل مطالبه وهو مكشوف الوجه، وغير مكترث لخروجه مباشرة على الهواء عبر شاشة التلفزيون ليتّهم وينتقد جهة رياضية مسؤولة.
مشهدان من صور ورياض الصلح اختصرا الكلام المذكور سلفاً، أوّلهما يطالب بإسقاط الاتحاد اللبناني لكرة القدم، وثانيهما يتّهم الاتّحاد اللبناني لكرة السلة بالفساد.
وبعيداً من الأسباب التي دفعت بعض الشبان إلى حمل هذه المطالب والاتهامات إلى الشارع، كان من الطبيعي أن تكون الرياضة حاضرةً في الحراك الحاصل، إذ أن القسم الأكبر من المتظاهرين هو من الجيل الشاب الذي يمكن الشعور بأنه من روّاد الملاعب من خلال هتافاته والموشّحات التي عدّل من كلماتها ولقّنها إلى بقية المتظاهرين وتركت تأثيرها من دون شكّ في كلّ الساحات. أضف أن للرياضة مطالب كثيرة لا تعدّ ولا تُحصى، وهي التي تعيش بمختلف أنواعها أوضاعاً صعبة جداً، بدا لقسمٍ كبير من متابعيها أن السياسة هي من الأسباب الرئيسية التي أوصلتها إلى هذه الحال.
من هنا، يمكن القول إن الثورة لو كانت رياضية بحتة لكانت أولى مطالب الشارع الرياضي هي إبعاد التأثيرات السياسية عن الرياضة عامةً، إن كان على صعيد اختيار رؤساء وأعضاء الاتّحادات أو إن كان من خلال الدعم الذي تحصل عليه الأندية بأطيافها المختلفة.
والواقع أن مطالب الشعب بتشكيل حكومة من ذوي الاختصاص هو أكثر ما تحتاج له الرياضة، إذ بدا واضحاً في تلك المرات النادرة أن المدركين لتفاصيل الرياضة التي يشرفون عليها يمكنهم إعطاؤها دفعةً إلى الأمام وتحسين وضعها بشكلٍ عام، بينما بقيت رياضات أخرى تدور في دوامة التراجع بفعل تمسّك بعض الإداريين بمناصبهم التي عيّنتهم الأحزاب فيها، من دون أن يهمّهم مدى نجاحهم في المشروع الذي يضطلعون به. لذا لا ضير من القول إن هناك مجموعة كبيرة من الاختصاصيين والمثقفين رياضياً على أعلى مستوى، أو اللاعبين السابقين، الذين لا يمكنهم الوصول إلى منصبٍ في اتّحادٍ ما لسببٍ بسيط وهو عدم انتمائهم إلى حزبٍ سياسي.
المطلب الأساسي لثوار الرياضة هو بفصل السياسة عنها كليّاً


وفي السياسة أيضاً، يكثر «العرّابون» في الأحزاب والمسؤولون عن الرياضة فيها، وبعضهم يمكن الإشارة إليه للدلالة على أسباب تدهور الواقع الرياضي من خلال بعض الاتحادات غير الفاعلة أو تلك التي فُرضت عليها أسماء من باب المحاصصة المعروفة. هم يفكّرون بالطائفة والمذهب والحزب قبل المصلحة الرياضية، ما يترك الشارع أمام مطالبة الأحزاب أيضاً بمراجعةٍ ذاتية للشخصيات التي عيّنتها للإشراف على دائرتها الرياضية بهدف كسب الجيل الشاب، وهو أمر بدا أخيراً أنه بدأ يفلت من أيديها.
وانسحاباً إلى المطلب الثاني الأساسي الذي ردّده المتظاهرون، والذي يرتبط بالكفاءة والتخصّص، فهو يتمحور حول تسمية وزير شاب ورياضي في آنٍ معاً، أو إذا صحّ التعبير يأتي من خلفية رياضية. وهذا المطلب كان حاضراً قبل تسمية الوزراء في كل الحكومات المتعاقبة، ولم يتحقق حرفياً، ولو أنه مرّ بعض الوزراء القلائل الذين يعرفون واقع الشارع الرياضي نسبياً أو أقله يهوون نوعاً معيّناً من الرياضة، لكن من دون أن يعرفوا كواليسها وخباياها وزواريبها الكثيرة في لبنان. وزيرٌ طالبوا به من الرياضيين يعرف أين يجب أن تذهب المساعدات، وكيف يتمّ توزيعها ما ينعكس إيجاباً على المصلحة العامة. وزيرٌ يعرف التوقيت المناسب لدعم هذا الاتّحاد أو ذاك من أجل المساهمة في إنجازٍ ما قبل الاستحقاقات المفصلية، وهو وزير مطلوب أيضاً ألّا يتدخل في عمل الاتّحادات أو يفرض شروطاً عليها.
هذا في المشهد العام والمطالب الأساسية التي يبدو أنها تحتاج إلى ثورة منفردة لتحقيقها بفعل استحالة التجاوب مع هذه المطالب. لكن الأكيد أن مطالب من الفئة الثانية كان ليخرج بها «ثوار» الرياضة لتحسين أوضاعهم، منها تأهيل الملاعب من كل جوانب، إذ أن دورات المياه حتى غير مؤمّنة في قسمٍ كبيرٍ منها، وهي أقل ما يمكن تأمينه إلى كلّ من يتكبّد عناء المجيء إلى الملعب من مناطق بعيدة لمتابعة فريقه المفضّل. وهذه المشكلة ترتبط على وجه التحديد بملاعب كرة القدم أكثر من غيرها. تلك الملاعب التي كانت قد أعلنت الثورة بطريقة غير مباشرة من مدرجاتها اعتراضاً على الوضع العام في البلاد من دون أن ينصت أحدٌ إلى الإنذار الذي وجّهه جمهورها ليشكّل لاحقاً رأس حربة في الساحات.
مطلبٌ آخر قد يكون منطقياً إلى حدٍّ بعيد وهو ربما فكّر فيه العديد من نجوم الرياضة الذين تقاطروا إلى الساحات أخيراً، وهو تأمين ضمانات للاعبين الذين يقضون ربيع عمرهم في الملاعب، ثم يعيش قسمٌ كبيرٌ منهم حياة بائسة أو يجهدون للعثور على وظيفة براتبٍ متواضع كون ما يتقاضونه حالياً في رياضةٍ غير محترفة لا يمكنه أن يؤمّن لهم مرحلة اعتزالٍ كريمة.

(عدنان الحاج علي)

ومن المطالب التي يمكن أن يضعها الرياضيون في الحسبان هو إنشاء قناة رياضية تؤمّن للجمهور مشاهدة أكيدة للمباريات، بعيداً من القنوات المحلية غير المتخصصة، والتي غالباً ما يشنّ عليها المشجعون الهجوم عند عدم التقائها مع العديد من الاستحقاقات الرياضية، وذلك رغم أن الكل يعرف مدى الكلفة العالية التي ترخي بظلالها على القنوات لنقل المباريات، ومدى المخاطرة التي تأخذها عند شرائها لحقوق بثّ البطولات المحلية التي لا تعيد إليها أي أرباحٍ غالباً. لكن الواقع المرير أن لبنان من البلدان القليلة التي لا تملك قناةً رياضية وطنية يمكنها أن تضيء على كلّ النشاطات وتفرد مساحة هواء لإعطاء كل رياضة حقّها، وهو «حلمٌ» إذا ما تحقق سيؤمّن لمحبي الرياضة كل متطلباتهم.
إذاً وفي موازاة ولادة قناعة بأن سوء الإدارة السياسية انعكس سلباً على سوء الإدارة الرياضية في أماكن عدة بفعل ربط رجال الحُكم الرياضة واتحاداتها وأنديتها بهم، يمكن القول إنه لو كانت الثورة رياضية بحتة لكانت المطالب كثيرة، لكن لا شك في أن ثورة خاصّة بالرياضيين حضرت في قلب الشارع الكبير على مساحةٍ كبيرة من الوطن، وهي إذا ما دلّت على شيء فهو عدم فقدان الشارع الرياضي الأمل بغدٍ أفضل رغم الظروف الصعبة التي حجبت الصورة الجميلة التي تمتّعت بها بعض الرياضات في السابق، فبات وضعها الحالي نسخة مهترئة عمّا عرفته من فترة مجيدة.