انتقلت أندية كرة القدم اللبنانية من مرحلة الإرباك مع انطلاق الحراك الشعبي القائم في لبنان، إلى مرحلة التأقلم مع الوضع السائد. الحديث هنا ليس عن كلّ الأندية في الدرجة الأولى. بعضها يحاول الحفاظ على جهوزية لاعبيه وخصوصاً الفرق المنافسة على اللقب كالعهد والنجمة والأنصار. وفرق أخرى رفعت الصوت سريعاً ووصلت إلى حدود طرح فكرة تأجيل الدوري حتى مطلع العام أو حتى إلغائه.لم تخرج أندية كرة القدم عن السياق العام في لبنان مع انطلاق الحراك المطلبي. إرباك وتعطّل لدورة الحياة الطبيعية. التمارين توقفت خصوصاً في الأيام الثلاثة الأولى، قبل أن تستوعب الأندية ما حصل وتتكيف مع الوضع القائم.
الخطوة الأولى كانت بعودة انتظام التمارين بدءاً من يوم الاثنين الماضي. تمارين كانت منقوصة الصفوف مع غياب لاعبي مناطق الأطراف. أمرٌ تنبهت إليه الأندية سريعاً فقامت باتّخاذ إجراءات لوجستية لتأمين إقامة بعض اللاعبين في بيروت، أو الضغط على بعضٍ آخر لضرورة الالتزام بالحضور وعدم التذرّع بانقطاع الطرقات. فهناك أندية كانت صفوفها شبه مكتملة، في حين أن أندية أخرى كالنجمة مثلاً عانت من نقص كبير وصل إلى حدود العشرة لاعبين. بدا واضحاً أن الجميع قادر على الوصول في حال بذل جهداً لتحقيق ذلك، خصوصاً أن لاعبين آخرين من أندية أخرى ويقطنون في المنطقة عينها استطاعوا الوصول إلى تمارينهم.
أمرٌ عاجلته إدارة نادي النجمة سريعاً عبر تأمين وصول اللاعبين ليرتفع العدد أول من أمس إلى 28 لاعباً على أن يكتمل تماماً بتأمين وصول إدمون شحادة. في الأنصار أيضاً عادت الأمور إلى نصابها بشكل كبير، حيث ارتفع عدد اللاعبين المشاركين في التمارين بانتظار أن تعود عجلة الدوري إلى الدوران.
البرج من جهته، حذا حذو الأندية الأخرى فقام بتأمين إقامة لاعبيه القاطنين خارج بيروت، فاكتملت صفوف تمرينه الذي توقف ليوم واحد فقط منذ بدء الأزمة. الصفاء كذلك تبدو تمارينه شبه مكتملة والساحل أيضاً.
العهد خارج منظومة التأقلم مع الواقع حيث غادر الفريق اليوم إلى ماليزيا للانخراط في معسكر تحضيراً للقاء فريق 25 أبريل الكوري الشمالي في نهائي كأس الاتحاد الآسيوي في الرابع من تشرين الثاني الحالي. تمارينه لم تتوقف سوى ليوم واحد وصفوفه مكتملة.
الخطوة الثانية التي لجأ إليها بعض الأندية للتأقلم مع الوضع الراهن هي خوض المباريات الودية. فتوقف الدوري وغياب المباريات يؤثّران بشكل كبير على جهوزية اللاعبين، وبالتالي لم يعد هناك حلٌّ أمام الأندية سوى خوض المباريات الودية. فالأنصار استضاف العهد، والراسينغ حلّ بضيافة النجمة، وتوجّه البرج إلى بحمدون ضيفاً على الإخاء الأهلي عاليه، في حين لعب جاره شباب البرج مع المبرة. أما الصفاء فالتقى بشباب الساحل على ملعب العهد أمس أيضاً.
يقوم بعض الأندية بحراك لتأجيل الدوري حتى مطلع العام المقبل


في المقابل، لا تبدو الصورة واضحة شمالاً. فممثّلا المحافظة طرابلس والسلام زغرتا يتدرّبان من دون إقامة مباريات ودية. في زغرتا يعاني السلام من غياب بعض اللاعبين بشكل متقطّع، وخصوصاً القاطنين خارج المحافظة كحسن القاضي وأحمد يونس وياسر عاشور. وتقتصر التمارين على أيام الأسبوع وتغيب يومي السبت والأحد، كما تغيب المباريات الودية لتعذّر إقامتها بسبب الأوضاع.
لا يختلف الحال في فريق طرابلس. تمارين قائمة بنسبة حضور تصل إلى 80%، لكن لا مباريات ودية. فاللاعبون بالكاد يصلون إلى التمارين على دراجاتهم النارية، و«الأجواء النفسية لا تساعد» كما يقول عضو اللجنة الإدارية فادي عياد. فبرأي الكابتن فادي خرج اللاعبون من أجواء كرة القدم وأصبح القلق وهاجس ما سيحصل غداً يسيطر على عقولهم.
يذهب عياد أبعد من ذلك ليتحدث عن قرار الاتحاد بتعليق النشاط، مقترحاً تأجيله أشهراً وتحديد عودة المباريات في آذار مثلاً، حتى تستطيع الأندية تخفيف أعبائها المالية عبر ترحيل لاعبيها الأجانب لحين عودة الدوري.
طرحُ عياد يلاقي قبولاً من أصوات أخرى خرجت لأندية تعاني مادياً وتحديداً الشباب الغازية والتضامن صور. سفيرا الجنوب لهما وجهة نظر تصل إلى حدود إلغاء مفاعيل الدوري، كما طرح التضامن صور في بيانٍ صادر عنه.
حتى أن هناك حديثاً عن حراك يقوم به بعض الأندية لتأجيل الدوري حتى مطلع العام.
وجهة نظر تبدو غير منطقية ومن المبكر الحديث عنها. فالفكرة غير واردة اتّحادياً، خصوصاً أن التوقف لم يتخطَّ الأسبوعين وبالإمكان تعويض هذ التوقف عبر تكثيف جدول المباريات بمعدّل مباراتين أسبوعياً. كما أن فترة التوقف بين الذهاب والإياب من الممكن تقليصها حتى يصبح بالإمكان إنهاء الموسم في التوقيت الذي يراعي مصالح الأندية على صعيد العقود والرواتب. وبالتالي لا داعي للذهاب بعيداً بطروحات لا تراعي مصلحة كرة القدم، طالما أن الأمور ما زالت ضمن حدود المقبول وبالإمكان إيجاد حلول بديلة تحافظ على الموسم.
وإذا كان هناك أمرٌ يتوجب على اتحاد اللعبة التفكير به فهو مباراتا منتخب لبنان في 14 و19 تشرين الثاني مع الكوريتين الجنوبية والشمالية ضمن التصفيات المزدوجة المؤهلة إلى كأسي العالم وآسيا. فمن المفترض أن تُقام المباراتان في بيروت. وفي حال استمر الحراك الشعبي قائماً، حينها يصبح من الصعب استضافة المباراتين، وبالتالي نقلهما إلى بلدٍ يحدده الاتحاد اللبناني. وهنا قد يجد اتحاد اللعبة نفسه مجبراً على تحييد هذا البلد سريعاً لمراعاة ظروف تأمين التأشيرات للفريقين الضيفين.
نقل المباراة يحمل في طيّاته إيجابيات وسلبيات على حدٍّ سواء. فمن ناحية يستطيع القيّمون على المنتخب إقامة معسكر طويل للاعبين نظراً إلى توقف الدوري، وتجميع اللاعبين المحلّيين وإقامة التمارين الجدية بشكل منتظم وبدرجة تركيز عالية بعيداً عن التشتت الفكري الذي يعاني منه اللبنانيون في هذه الفترة.
أما سلبيات إقامة المباراتين خارج لبنان، فتتلخّص في شقين: أولاً خسارة عامل الجمهور الذي يُعتبر أساسياً في تحفيز اللاعبين. وثانياً أن لاعبي منتخب لبنان معتادون على أرضية ملعب المدينة الرياضية، التي قد لا تتناسب مع طريقة لعب الكوريين سواء الجنوبيين أو الشماليين. فأرض ملعب المدينة الرياضية لطالما وقفت إلى جانب منتخب لبنان سابقاً، حيث فاز المنتخب اللبناني على كوريا الجنوبية 2-1 وتعادل 1-1 في مباراة أخرى، كما فاز بنتيجة كبيرة على الشماليين في تصفيات كأس آسيا 2019. وعليه، فإن خوض المباراة على ملعب بنوعية عشب مختلفة خارج لبنان، ولا شك أنها أفضل من عشب المدينة الرياضية، قد لا يكون لصالح اللبنانيين أمام الكوريتين في المباراتين المصيريتين في التصفيات.
صحيح أنه من المبكر الحديث عن هذا الموضوع حالياً، لكن لا شك أنه موجود في فكر القيمين على اللعبة بانتظار تبلور الأوضاع.