لم يستسلم. عاد مرّة أخرى الى إسبانيا، بعدما كانت له تجربتان في الدوري الهولندي. مارتن أوديغار، الشاب النرويجي الذي يحمل اليوم على كتفيه تحدّياً يبدو أنه سيكون قادراً على تخطّيه. في عمر الـ 16، تعاقدت إدارة ريال مدريد مع لاعب كانت له تجربة واحدة في حياته، وتحديداً في الدوري النرويجي المحلي برفقة نادي سترومغودست. من تابع تحركاته في النرويج، وانطلاقاته وتمريراته الحاسمة، وهو لم يصل إلى عمر الـ 17 عاماً من عمره بعد، يدرك بأن هذا الشاب، الذي يداعب الكرة بين قدميه، سيكون له شأن كبير في المستقبل. صحف إسبانيا وصفته بالـ«قنبلة الجديدة» القادمة في ريال مدريد، فأن يتم التعاقد مع لاعب في عمر الـ 16، ليكون من بين لاعبي النادي الملكي، فهذا يدل على حقيقة واحدة، وهي ان موهبة حقيقية قادمة لا محال. في 2015، كان مارتن أوديغار يتقاضى مبلغاً وصل إلى 80 ألف يورو أسبوعياً، أي ما يعادل 320.000 يورو في الشهر الواحد. من هو هذا المراهق، الذي يستحق هذا المبلغ الكبير؟ كثيرون ممّن سبقوه، على غرار الأرجنتيني ليونيل ميسي في برشلونة، كريتسيانو رونالدو في سبورتينغ لشبونة، لم تحدث معهم هذه الطفرة أو النقلة في مسيرتهم الكروية بهذه السرعة كما حدث مع أوديغار. كل هذه العوامل، من المبلغ الذي دفع فيه (قدّر حينها بحوالى الـ 40 مليون يورو في 2014)، والمردود الذي يتقاضاه، كما صغر سنّه، وتألقه مع ناديه المحلّي، تعكس صورة نجم قادم سيكون بمثابة «الأسطورة» في ريال مدريد.
خلال موسم 2014/2015، وتحديداً في المباراة الأخيرة للنادي الملكي في الدوري، شارك مارتن أوديغار بديلاً، وكان ذلك مكان النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو. علت صيحات الجماهير، التي لم تشاهد أوديغار سابقاً على المستطيل الأخضر، إلا أنها جماهير تتابع صحف فريقها، التي بدورها تغنّت بهذا الشاب. ولكن بعد تلك المباراة اختفى الشاب النرويجي عن الملاعب، فماذا حصل؟
من المتوقع أن يعود أوديغار الى ريال مدريد الموسم المقبل


انتقل أوديغار بعد ريال مدريد إلى ثلاثة أندية في ثلاث تجارب احترافية مختلفة على سبيل الإعارة، منها اثنتان في هولندا، وواحدة تعيشها الجماهير الـ«باسكية» اليوم في ريال سوسيداد بالدوري الإسباني. مغامرة إثبات الذات الأولى كانت مع فريق هيرنفين الهولندي، الفريق الذي لم يقدّم معه أوديغار الكثير. لكن هذا الفتى كان مصمماً على إثبات ذاته، وعلى تقديم كل ما لديه من موهبة وإمكانيات ليبهر فيها ناديه الأول ريال مدريد، وليحجز مكاناً أساسياً له في «قلعة البيرنابيو». انتقل الشاب النرويجي إلى نادي فيتيس الهولندي أيضاً، والحديث هنا عن موسم 2018/2019، أي الموسم الماضي. في فيتيس، أكّد أوديغار الموهبة التي يمتلكها، أخرج كل ما في جعبته، وقدّم موسماً استثنائياً برفقة النادي الهولندي الأصفر. 11 هدفاً و12 تمريرة حاسمة، هي أرقام أوديغار مع فيتيس خلال 39 مباراة ما بين أساسي وبديل. أرقام تعكس مكانة هذا اللاعب الصغير، الذي وهو في الـ 19 عاماً، وبعد تجاربه الكثيرة ومواسمه التي قضاها بعيداً عن ريال مدريد، أصبح لاعباً يمكن الاعتماد عليه، أو إذا صح التعبير، يمكن للفريق الذي يشارك معه، الاعتماد عليه. يشغل أوديغار مركز صانع الألعاب، الـ«تريكوارتيستا» بالإيطالية، وهو مصطلح يعبرّ فقط عن هذا المركز، الذي يعدّ من بين أهم المراكز وأكثرها ندرة في عالم كرة القدم حالياً. الأرقام القياسية التي كسرها مارتن في بدايته تتحدّث عنه قبل أن تلمس قدماه ملعب ناديه الأول، ريال مدريد. في 2014، أصبح أصغر لاعب في تاريخ النرويج يشارك مع المنتخب الأول في عمر 15 سنة و253 يوماً. في 2015، أصبح أصغر لاعب في تاريخ ريال مدريد يشارك بديلاً.
خلال الموسم الحالي (2019/2020)، تفتّحت العيون على أوديغار، لم يعد مراهقاً كما في السابق، وها هي الصحف المدريدية عادت من جديد لتتغنّى بنجم فريقها الواعد، بعدما كان في فترة من الفترات السابقة «الأكذوبة» التي تعاقدت معها إدارة النادي في 2015. في ريال سوسيداد، يتقاضى أوديغار مبلغاً يصل إلى 2 مليون يورو سنوياً، وبعد بداية الموسم المميّزة (هدفان وتمريرتان حاسمتان خلال سبع مشاركات في الـ«ليغا»، إضافة إلى تصدّره قائمة أكثر اللاعبين خلقاً للفرص في الدوري الإسباني) التي تعد استكمالاً لموسمه الاستثنائي برفقة ناديه السابق فيتيس، ذكرت صحيفة «ماركا» المقربة من ريال مدريد أن إداريّي الفريق يفكرون في استعادة أوديغار الموسم المقبل، شرط دفع مبلغ الـ 2 مليون يورو لإدارة النادي الباسكي. وتتويجاً لما قدّمه من أداء في الشهر الماضي، حقق مارتن أوديغار جائزة لاعب الشهر في الدوري الإسباني. 3 سنوات كانت كافية لبناء شخصية نجم نرويجي قادم وبقوة إلى الملاعب الأوروبية، والذي سيكون من دون شك لاعباً في ريال مدريد الموسم المقبل. لكن تجربة أوديغار إذا ما دلّت على شيء، فإنما تدل على أن اللاعبين الشباب في أوروبا والعالم حالياً لا يمكنهم تحمّل الضغوط الكبيرة التي توضع عليهم، إن كان بسبب قيمة شرائهم وصغر سنّهم والآمال الكبيرة التي تعلّق عليهم، إضافة إلى وسائل الإعلام التي لا تكلّ ولا تملّ من الحديث عنهم. ابتعد أوديغار عن أبواق الإعلام والصحف العالمية، وعاد من جديد ليكون نجماً حقيقياً كما هو الآن.