مثل معظم الأطفال المهووسين بكرة القدم، يحلم أولئك الذين يركلون الجلد المدور على «بيدر» الغازية، بارتداء قميص فريق البلدة الأول، وتمثيله في دوري الأضواء. الأحلام لا تتحقق دائماً، فالمشاكل كثيرة، والواقع مرّ، وما يبعد هؤلاء الصغار عن كرة القدم، أكثر مما يجمعهم بها، أوّلها الأهل، وليس آخرها التفكير بمستقبل جيد وحياة كريمة. حتى وقت قريب، كان جمهور نادي شباب الغازية «خلية نحل»، يجتمع ويشجع فريقه حتى ينافس على البطولة أو بالحد الأدنى تكون الغازية، «الحصان الأسود». الظروف تغيّرت، وكذلك الأحلام.ميزانية متواضعة يرصدها نادي شباب الغازية قبل بداية كل موسم، للمنافسة في دوري الأضواء. الغازية عادة لا ينافس على لقب الدوري، ولكنه دائماً ما يكون نداً قوياً لأندية المقدمة. يتفاعل قسم من أبناء البلدة مع الفريق. كل أسبوع يجتمع هذا الجمهور «الصامد». اللقاء الأسبوعي بات حالة اجتماعية، يقدرون نتائج ناديهم ضمن الإمكانيات. يعلق أمين سر النادي علي حسون قائلاً: «المهم أن يكون في كل بلدة ناد رياضي يلعب في مصاف أندية الدرجة الأولى»، وبوجود مواقع التواصل الاجتماعي، «الجميع يتواصل ويتكلم بأخبار النادي ونشاطاته».
اختلفت رياضة كرة القدم في البلدات الجنوبية. في الفترة السابقة، لم يكن هناك ملاعب. في الغازية كان هناك ملعب صغير وعدد كبير من اللاعبين، وأهالٍ يشجعون أبناءهم. كانت الجماهير غفيرة، أعداد كبيرة فعلاً. منهم من تأثر بانتقال بعض اللاعبين إلى فرق أخرى (فؤاد ليلا عام 1970 إلى الأنصار، علي حسون، أحمد فرحات، مالك حسون...)، فتحولوا إلى هناك والبعض دعم الأنصار على حساب شباب الغازية. الصورة اليوم معكوسة، ملاعب كثيرة ولكن تراجع عدد اللاعبين، ولم يعد الجمهور محصوراً بالنادي، الجمهور يحب الفوز، فلحق بالفرق الأقوى. خيار تشجيع فريق على آخر له علاقة بـ«السياسة»، بحسب ما يعلّق المشجع النجماوي محمود غدار.

جمهور الغازية «نجماوي»!
الجمهور هو الجمهور، له عقليته الخاصة، يحب لدرجة الجنون، وعندما يغضب من لاعب أو فريق، يحوله إلى خائن. الجمهور أيضاً لا يحب الخسارة، فتشجيع نادي الشباب الغازية يأتي عبر الانتماء أولاً بالنسبة لأبناء البلدة، فيما فضل آخرون تشجيع الأنصار أو النجمة أو العهد. كل مشجع يبحث عن الفوز، وكأنه يقول «فريقي الأقوى». المشجع الذي يبقى وفياً لفريقه رغم الخسارات والخيبات، لا شك أنه مميّز، ولكن عدداً ليس بالقليل يبحث عن الفوز والانتصارات.
يوم خاض نادي شباب الغازية مباراة ضد النجمة، اشتعلت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي معركة، بين «الأوفياء والخونة» كما وصفوا بعضهم البعض. «نصف الغازية جمهورها للنجمة»، لعبة اختُرعت للترفيه، وتحولت إلى تعصب، وتبادل للشتائم، حتى إن الأمور تدحرجت إلى حد التخوين. هنا تعلق إحدى مشجعات الغازية على الحادثة وتقول: «أنا أشجع الغازية وأختي تشجع النجمة، وكتار متل أختي»، وتبدو منزعجة.
مشجعة الغازية الوفية وتُدعى شهناز، لعب زوجها سمير سرداح في نادي الشباب الغازية في تسعينات القرن الماضي، وابنهما اليوم بات لاعباً في فريق الغازية للناشئين. لا تربط الأمور ببعضها، ولكنها تعلّق بالقول: «أنا ابنة الغازية، تربيت في هذه البلدة»، وترى أن من واجبها تشجيع الغازية، «أكون بلا أصل إذا شجعت فريقاً غير الشباب الغازية، أشعر أنه من واجبي أن أمنحهم الدعم».
في الغازية كان هناك ملعب صغير وعدد كبير من اللاعبين أما اليوم فالصورة معكوسة


شقيقتها، تلاحق نادي النجمة حتى العاصمة بيروت، تحضر تدريبات الفريق، «لو كان لشباب الغازية حصة تدريبية في صيدا لا أدوس الملعب. مستحيل شجّع الغازية، أنا دمي نجماوي». هذا البيت المنقسم كروياً، يشكل مثالاً على كل منزل في بلدة الغازية الساحلية.
في المباريات، شهناز ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، تقوم بمشاركة منشورات على صفحة الغازية، ورابطة نادي شباب الغازية، تُطلع الجمهور على مواعيد المباريات، تتابع النتائج وتنشرها، «أقدّم الدعم». تتابع مع أمهات اللاعبين، وتحثهم على القيام بنشاطات خاصة بالنادي، ودعم الفريق، «الغازية في المراتب الأولى، يعني مثله مثل العهد والنجمة والأنصار. لماذا لا ندعم أولاد بلدتنا، لماذا ندعم الفريق الثاني».
تشكو شهناز من تراجع جمهور الغازية. في المراحل الأخيرة من البطولة، التقى شباب الغازية مع الإخاء الأهلي عاليه، «توقعت أن يكون هناك جمهور كبير للغازية، أذكر أنني كنت المرأة الوحيدة، فيما لم يتجاوز عدد جمهور نادي الغازية 30 مشجعاً»، بينما في أي مباراة لفريق النجمة يمكن ملاحظة وجود نصف شباب البلدة بوضوح ضمن جمهور النجمة. وتسأل لماذا هذا النصف لا يشجع أبناء بلدته، «لماذا يعطون الدعم الأكبر للنجمة، أو العهد، ما الفرق بين الغازية والنجمة، النجمة لديه لاعبون أفضل؟ على العكس الجمهور هو من يعطي الدعم الأكبر للفريق».

البطولة تحتاج إلى أسلحة
منذ تأسيسه عام 1961، كان نادي الشباب الغازية رافداً للنوادي الكبرى باللاعبين المميزين. «ما ينقص هو وجود أشخاص متمولين يدعمون الفريق أكثر بشراء اللاعبين كما يحصل مع العهد، النجمة والأنصار» بحسب المتابعين. من جهته يلقي أمين النادي علي حسون المسؤولية على الجميع، «نحن نتحمل جزءاً من المسؤولية والآخرين أيضاً. الغازية بوابة الجنوب وتستحق الأفضل». بحسب البعض تستحق الغازية أن تمتلك فريقاً منافساً، يعيد استقطاب الجمهور. بالنسبة للفئات العمرية، برأي حسون، هم الأساس ويفترض الاهتمام بهم أكثر، «هم الذين يجعلوننا نستمر في هذه اللعبة، ولكن للأسف نحن في وقت، المال هو الذي يتحكم في أي لعبة في هذا البلد، ونظراً للإمكانيات الضيقة، يكون كل اهتمامنا بالفريق الأول ولا نتابع الصغار كما يجب». ويعتبر حسون أنه يجب أن يكون التركيز على الناشئين أكثر، بتوفير موارد مادية أكبر، ليصبح هناك جيل ناشئ قوي، ولاعبون في المستقبل جميعهم من أبناء المنطقة، «يحققون لها ما عجزنا عن تحقيقه».

فريق الغازية الموسم الماضي

الأمر الغريب أن الشباب الغازية ليس منافساً دائماً على البطولة، في وقت تبدو فيه البلدة قادرة على تأسيس هكذا فريق. في الغازية معامل، صناعات، جمعيات، ملعب رياضي، كورنيش بحري، رجال أعمال كبار، كما البيئة المحبة للرياضة، ولكن الدعم غائب. معظم أبناء البلدة يقولون اسحموا لنا أن نقدم أي شيء يمكننا المساعدة به «طالما أنه ليس المال»، ليس تقصيراً أو بخلاً ربما، لكن الواقع الاقتصادي يمنعهم، كما أن ظروف العمل في الجنوب تراجعت نسبياً عن السابق.
على مواقع التواصل الاجتماعي يناشد البعض، أبناء بلدة الغازية من رجال أعمال وأصحاب شركات والمغتربين، أن يقدموا الدعم المادي والمعنوي لفريق كرة القدم، يعلق ربيع حسون «نتمنى الوقوف مع النادي الرياضي الذي يمثل البلدة والجنوب عامة»، فالبطولة تحتاج إلى أسلحة. وفي هذه النقطة، لا يختلف اثنان على أن وضع فريق الشباب الغازية يشبه غيره الكثير من الأندية في لبنان، خاصة أندية الدرجة الأولى، التي تعاني من ظروف مادية صعبة جداً. ويعبر البعض عن هذا الأمر بالقول: «الإفلاس ينهش الأندية».