أيامٌ قليلة ويُسدل الستار على طواف الدراجات الأشهر في العالم «Tour de France» بنسخته السادسة بعد المئة. الطواف الذي يعدّ الأبرز سنوياً في روزنامة سباقات الدراجات الهوائية، يتخطّى كونه فعالية رياضية ينتظرها ملايين المتفرجين حول العالم. يشتهر السباق الأقدم في العالم كونه حدثاً سياحياً وتجارياً يقدّم للمتابعين والزائرين جولة تمتد على مسافة 3460 كيلومتراً، تضمّ أجمل المعالم الطبيعية والتاريخية المبهرة في فرنسا.تُعدّ فرنسا الوجهة الأكثر شعبية للسياح حول العالم، حيث زارها عام 2016 ما يفوق الـ 82 مليون سائح. ولا شك أن السباق العالمي الذي تحتضنه يؤدي دوراً مهمّاً في جذب عدد كبير من السياح، ولا سيما أنه يقدم جولة متلفزة مدتها 3 أسابيع تأخذ المشاهدين في رحلة بصرية من شمال هولندا إلى أقصى جنوب فرنسا. البطولة التي انطلقت في السادس من الشهر الحالي من العاصمة البلجيكية بروكسل، تكريماً للدراج البلجيكي إيدي ميركس، ستختتم منافساتها نهار الأحد المقبل على جادة الشانزليزيه الفرنسية. وميريكس، بالمناسبة، هو أحد أفضل الدراجين في التاريخ، إذ أحرز بطولة العالم ثلاث مرات. على أي حال، يستمرّ السباق لفترة 22 يوماً متتالياً، وتقدم خلاله العروض المميزة عبر مسار طويل يمرّ بثلاث مناطق بلجيكية و37 مقاطعة فرنسية، مستقطباً ما يقارب الـ 4 ملايين مشاهد في فرنسا كل عام أثناء التغطية المباشرة. ورغم أنّ المسار المحدد للطواف يتغير سنوياً، إلا أنّ هناك أمرين ثابتين. أولاً، يتحمّل المتسابقون مشقة جسدية كبيرة لمدة 3 أسابيع، وثانياً، يستمتع المتابعون كما كل عام بمشاهدة سحر جبال الألب وكروم العنب في الريف الفرنسي.
تسعى فرنسا إلى الاستفادة من السباق العريق لتعريف العالم على أجمل المواقع والمعالم فيها


وبطبيعة الحال، تسعى فرنسا إلى الاستفادة من السباق العريق لتعريف العالم على أجمل المواقع والمعالم السياحية فيها. فالهدف الأول والأخير هو تنشيط الاقتصاد عبر جذب السياح من مختلف دول العالم لاكتشاف سحر المدن الفرنسية وطبيعتها الخلابة. وكي تنجح في ذلك، فهي تقوم بنقل السباق إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور. فيتم بث طواف فرنسا في 190 دولة حول العالم عبر ساعات طويلة من التغطية المباشرة، إلى جانب جمهور رقمي ضخم يضم أكثر من 36 مليون متابع يتابعون المحتوى المصوّر للسباق بأربع لغات، ليصبح أحد أكثر المسابقات الرياضية التي تتم مشاهدتها في العالم. وطبعاً، ارتباط هذا الحدث بالجانب السياحي بشكل كبير جعله محط أنظار الشركات والعلامات التجارية التي تتسابق من أجل رعاية السباق والحصول على امتياز الارتباط به تجارياً. تستفيد جميع المدن والبلدات التي تقع على مسار السباق من ناحية تنشيط الحركة التجارية فيها. يزداد معدل الإقبال على الفنادق والمطاعم والمحالّ من قبل السياح المقبلين من مختلف الدول لمشاهدة السباق، الأمر الذي يساهم بدوران العجلة الاقتصادية خلال فترة الاستضافة. كل محطة من محطات الطواف تستوقف السائحين لاستكشاف أهم معالمها السياحية اللافتة. لذلك، لا عجب في أن أكثر من 200 مدينة في فرنسا وحدها تقدم طلباً كل عام للحصول على مكان لها على مسار Le Tour الشهير.
هكذا، أصبح طواف فرنسا فعالية رياضية ــــ سياحية تؤمن عائدات وأرباحاً كبيرة لفرنسا. وهذا الأمر ليس بالمستغرب بالنسبة إلى حدث رياضي وُلد أساساً بسبب حاجة تجارية. العودة بالزمن إلى عام 1903، تكشف أمراً مهماً، وهو أنه حين قررت مجلة لوتو L'Auto الفرنسية محاولة زيادة مبيعاتها عبر إطلاق ورعاية سباق للدراجات الهوائية، وذلك بعدما تراجعت مبيعاتها بسبب المنافسة مع مجلةLe Vélo، حدث شيءٌ لم يكن متوقعاً. حينها فاق نجاح السباق كل التوقعات، ليتحول عاماً تلو آخر إلى فعالية كبرى انتقلت من النطاق الفرنسي المحلي إلى العالمي المستقطب لأبرز محترفي هذه الرياضة.