لا يختلف اثنان حول حجم موهبة نجم نادي الرياضي ومنتخب لبنان وائل عرقجي، فهو بلا شك علامة فارقة بين أبناء جيله، وهو بالتأكيد الوريث الشرعي لجيلٍ ذهبي لم يجد أركانه الكثير من الخلفاء عند تركهم ملاعب كرة السلة اللبنانية.عرقجي كغيره من اللاعبين اللبنانيين الذين برزوا على الساحتين المحلية والآسيوية، استحق لفتة استثنائية عبر ظهور اهتمام خارجي به. هذا الاهتمام قيل إنه من دول في القارة الصفراء وتحديداً الصين، وكذلك من إحدى الدول الأوروبية، لكن بالتأكيد بقي الحلم الأكبر لدى الفتى الموهوب هو العبور الى الساحة الأقوى في عالم المستديرة البرتقالية، أي الدوري الأميركي للمحترفين.
هو طموح مشروع للاعبٍ يملك ثقة كبيرة على أرض الملعب، ترجمها غالباً بتصويباته الدقيقة في الأوقات الحاسمة، وباختراقاته في مواجهة لاعبين أقوى منه بدنياً أو حتى أطول. من هنا، يمكن وصف عرقجي بصانع الألعاب العصري الذي شكل علامة فارقة في الملاعب اللبنانية، رغم أنها قدّمت العديد من المواهب في المركز الرقم 1. لكن عرقجي يختلف عنهم جميعهم، لا بسبب طوله الذي يسمح للاعبين آخرين بشغل المركز الرقم 2 عادةً، بل من خلال الأسلوب الخاص الذي يقارب الأسلوب الأوروبي في صناعة الألعاب، ما يجعل أسهمه للاحتراف في الخارج عالية، وذلك في ظل وجود اقتناع حتى داخل الرياضي بأن الأمر هو مسألة وقت حتى يجد اللاعب نفسه بعيداً من بطل لبنان، وتحت أضواء الاحتراف الخارجي.
هذا الاستعراض الفني لعرقجي هو للدلالة على رفعة مستواه الفني، لكن الواقعية يفترض أن تكون حاضرة أيضاً عند الكلام عن إمكانية رؤيته في الـ«أن بي آي» في الفترة المقبلة.
صحيح أن الشاب الموهوب ترك أثراً طيّباً في المعسكر المصغّر لفريق دالاس مافريكس، وتلقى دعوة للمشاركة مع فريق ولاية تكساس في المخيم الصيفي، لكن هنا تكمن الصعوبة ويصحو الجميع من الحلم الجميل، إذ إن نجم منتخب لبنان ليس الوحيد الذي يملك الموهبة الفطرية والإمكانات الفنية، بل هناك مئات اللاعبين من حول العالم يسعون الى اقتحام ساحة دوري العمالقة، والقسم الأكبر منهم يأتي من بلدانٍ متقدّمة أكثر من لبنان على الصعيد السلوي.
إذا ما كان هناك لاعب لبناني يستحق الاحتراف على أعلى مستوى فهو عرقجي


المهم أن عرقجي ليس الأول الذي حاول القيام بخطوة كبيرة باتجاه الدوري الأميركي، إذ بعد تألقه في نهائيات كأس العالم 2002، تلقى النجم فادي الخطيب في السنة التي تلت دعوةً من فريق لوس أنجلس كليبرز للمشاركة في المعسكر المصغّر الخاص به. حينها لم يكن أحد يشك في إمكانية نجاح «التايغر» في هذا الاختبار، فهو لفت الأنظار سريعاً بين مجموعة من اللاعبين الذين كان قد تعاقد كليبرز معهم حديثاً، أو كان في اتجاهه لضمهم الى صفوفه. بعدها تضاربت الأخبار حول نهاية القصة، وذلك بين من قال إن الخطيب لم يكن موفّقاً في خطوته، وبين من أشار الى تلقيه عرضاً للتوقيع على عقدٍ لمدة 10 أيام، ليتدرّب مع الفريق ويكون تحت مجهر القيّمين عليه قبل توقيعه على عقدٍ نهائي، لكن هذا الأمر لم يحصل بحسب الرواية، بعدما طلب منه الرئيس التاريخي للحكمة أنطوان شويري العودة الى لبنان لاستكمال مسيرته مع الفريق الأخضر.
غالب رضا أيضاً تدرّب مع فريقٍ رديف لأحد فرق الـ«أن بي آي» من دون أن تتم الإضاءة على الموضوع، كما هي الحال بالنسبة الى عرقجي حالياً، في ظل تعامل وسائل الإعلام مع الدعوة التي تلقاها وكأنه وقّع فعلاً على عقد انضمامه الى الفريق السابق للنجم الألماني الشهير ديرك نوفيتسكي.
الإعلام أصلاً ظلم البعض في هذا الإطار، إذ إن روني صيقلي حاز شهرة عالمية من خلال الإعلام الأميركي أكثر من اللبناني، ربما لأنه لم يتخرّج في الملاعب اللبنانية، وربما لأنه لم يكن على تماس مع الإعلام اللبناني. لكن هذه النقطة تحديداً هي ما أوصلته الى دوري العمالقة حيث انطلقت مسيرته المميزة مع ميامي هيت، قبل أن يتنقّل بين فرق غولدن ستايت ووريرز، أولاندو ماجيك ونيوجرسي نتس. لاعب الارتكاز القوي كان قد خطا أولى خطواته في عالم كرة السلة في بلدٍ يملك قاعدة سلوية صحيحة ومهمة أي اليونان، قبل أن يعبر المحيط الى الولايات المتحدة، ويلعب في دوري الجامعات، ما يعني أنه سار على الطريق الصحيح للوصول الى النجومية.


هذه المسألة لم ولن تكون حاضرة في أي من الحالات المرتبطة باللاعبين اللبنانيين الطامحين إلى اللعب في الدوري الأميركي، إذ إن الواقع يقول بأن انطلاقة اللاعب هي الأساس، ومكان تلك الانطلاقة هو من الأساسيات أيضاً. والأهم هو ما يرافق هذه الانطلاقة من مقاربة تدريبية صحيحة على مختلف الأصعدة، وهي نقطة لا يمكن لمسها بشكلٍ مثالي في كرة السلة اللبنانية، حيث لم يتطوّر المستوى التدريبي الفني والبدني على حدٍّ سواء.
لكن رغم ذلك، لا يمكن إسقاط الأمل لناحية الخطوة المهمة التي أقدم عليها عرقجي، إذ إن الموضوع لا يرتبط بالبلد الأصلي في بعض الأحيان، والدليل الأبرز على هذه المقولة تألق باسكال سياكام مع تورونتو رابتورز ومساهمته الكبيرة في فوزه باللقب للمرة الأولى في تاريخه، حيث برز كأكثر اللاعبين تطوّراً خلال الموسم المنتهي. سياكام هو من الكاميرون التي انكفأت لفترة غير قصيرة على الصعيد السلوي، ولكن لاعبها شقّ طريقه الى البطولة الأهم. والأمر عينه ينطبق على اليابان، إذ قبل أيام اختار واشنطن ويزاردز روي هاشيمورا (والده من بنين ووالدته يابانية) في عملية «الدرافت»، ليكون أول لاعبٍ مولودٍ في «بلاد الأباطرة» يخوض تجربة في الدوري الأميركي. هي خطوة قد يضعها البعض طبعاً في سياق فتح باب على الأسواق اليابانية من قبل نادي العاصمة الأميركية، لكن لمَ لا يكون دالاس يملك فكرة مماثلة ويرمي الى أهدافٍ مشابهة في الشرق الأوسط، حيث تبدو موهبة لاعبٍ مثل عرقجي نادرة جداً؟