تنطلق اليوم بطولة كأس الأمم الأفريقية من العاصمة المصرية القاهرة. التظاهرة الكروية الأكبر على مستوى القارة تبدو مختلفة عن سابقاتها، نظراً إلى الأسماء الكبيرة التي تضمها المنتخبات، وفي مقدمتها نجما نادي ليفربول الإنكليزي المصري محمد صلاح، والسنغالي ساديو مانيه، إضافة إلى حكيم زياش وغيرهم الكثير. المنتخبات متقاربة إلى حدّ كبير من حيث المستوى، وهو الأمر الذي يعد بمنافسة قوية (تواجه مصر منتخب زيمبابواي الليلة 23:00 بتوقيت بيروت).في العاشر من شباط/ فبراير 1957 أطلق الحكم الأثيوبي جيبيهو دوبي صافرته معلناً انطلاق أول بطولة أفريقية، في مباراة جمعت منتخبي مصر والسودان. المباراة التي حضرها 30 ألف متفرج انتهت بفوز مصر التي تأهلت إلى المباراة النهائية لمواجهة أثيوبيا، لتُتوّج لاحقاً بالبطولة بعد اكتساحها الخصم برباعية. كَبر الحلم الأفريقي، فزاد العدد من ثلاثة منتخبات شاركت في كأس الأمم الأفريقية في نسختها الأولى عام 1957، إلى 24 منتخباً عام 2019. خاضت أفريقيا ما بين النسختين نضالاً طويلاً كي ينتقل أبناؤها من دحرجة الكرة في الأحياء الشعبية إلى ركلها باحتراف على الملاعب الخضراء.
أنقر على الصورة لتكبيرها

مصر التي فازت بالنسخة الأولى من «الأميرة السمراء»، ستستضيف هذا العام كأس الأمم الأفريقية للمرة الخامسة في تاريخها، بعد أن تمّ سحب تنظيم البطولة من الكاميرون في وقتٍ سابق لتأخّرها في إنجاز المنشآت الرياضية.
في أراضي الفراعنة، يفطر المصريون على الفول، يتغدّون بمشاهدة مباريات كرة القدم، ويتعشّون بأغاني أم كلثوم. إلا أنّ الصوت الذي سيصدح من الأزقة والمقاهي هذا الشهر لن يكون أغنيةً لـ«كوكب الشرق»، بل هتافات جماهير الكرة وهي تتابع منافسات البطولة الأفريقية المنتظرة. النسخة الـ32 من البطولة ستنطلق اليوم (الجمعة 21 من حزيران/يونيو) وتمتد حتى 19 تموز/يوليو، وقد تم تأخير انطلاقتها عن التوقيت الأصلي للسماح للاعبين بالراحة بعد شهر رمضان. ستُلعب المباريات على ستة ملاعب موزعة على أربع مدن، ثلاثة منها في القاهرة وواحد فقط في كل من الإسكندرية والسويس والإسماعيلية. وللمرة الأولى في تاريخ البطولة، تأهل إلى النهائيات 24 منتخباً بعد زيادة عددها أخيراً، إذ كانت المنافسات السابقة تُقام بمشاركة 16 منتخباً فقط. وتبعاً للقوانين، تُقسّم الفرق إلى 6 مجموعات، كل مجموعة تضم 4 منتخبات، ويتأهل أول وثاني كل مجموعة إلى دور الستة عشر، بالإضافة إلى أفضل 4 منتخبات في المركز الثالث.
تم رفع قيمة الجوائز المالية هذا العام بالنسبة إلى الفائزين والمشاركين


ورغم أنّ البطولة الأهمّ في القارة السمراء لا تحظى بالاهتمام الإعلامي العالمي كسائر البطولات مثل كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية، إلا أنّ مبارياتها لن تكون أقلّ متعة عن نظيراتها الآسيوية أو الأوروبية. قارة أفريقيا المعروفة بكونها منجماً للثروات الطبيعية والمعدنية، تضمّ أيضاً جواهر كروية ستكون حاضرة للمنافسة على اللقب. المصري محمد صلاح والسنغالي ساديو مانيه لاعبا ليفربول، الجزائري رياض محرز لاعب مانشستر سيتي، الإيفواري ويلفريد زاها مهاجم كريستال بالاس... وغيرهم الكثير من نجوم الدوري الإنكليزي الممتاز، سيكونون حاضرين في البطولة لتشريف بلادهم.

يمتلك المنتخب المصري أسماء مميّزة

هذا وقد أسفرت قرعة البطولة عن مواجهات عربية متوازنة في كل مجموعات البطولة، لكنّ المنتخب المغربي هو الوحيد الذي أوقعته القرعة في «مجموعة الموت» برفقة منتخبات كوت ديفوار وجنوب أفريقيا. ورغم أنّ آخر فوز للمغرب بالبطولة يعود إلى عام 1976، إلا أنّ المنتخب يملك حظوظاً كبيرة في الوصول إلى أدوار متقدمة، على الرغم من خسارته مباراتين وديّتين خلال التحضير للبطولة القارية. والأكيد أن الوديات تختلف عن الرسميات في عالم كرة القدم. يقدم أسود الأطلس أداء مميّزاً تحت قيادة هيرفي رونار، كما نافسوا بشجاعة خلال المشاركة في المونديال الروسي الأخير. واللافت أنّ رونار هو المدرب الوحيد الذي تمكّن من الفوز بالبطولة الأفريقية مع منتخبين مختلفين، زامبيا عام 2012 وكوت ديفوار عام 2015، وهو يتطلع حالياً إلى الفوز بها مع منتخب ثالث.
مصر المستضيفة وقعت في المجموعة الأولى، ورغم أنّ منتخب «الفراعنة» سيواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا وزيمبابوي في مرحلة المجموعات، إلا أنه يعتبر من أبرز المرشحين للفوز باللقب على أرضه. من ناحية الأرقام، المنتخب المصري هو الأكثر فوزاً بالبطولة برصيد 7 ألقاب، وهو أكثر المنتخبات مشاركةً وفوزاً وإحرازاً للأهداف، وصاحب أكبر سلسلة عدم هزيمة في تاريخ البطولة. التاريخ يصبّ في مصلحة أصحاب الأرض. ولا يجب نسيان أنّ «الملك» محمد صلاح يلعب في صفوفهم، ما يزيد فرصهم لاستعادة عرش القارة السمراء بعد غياب 9 سنوات منذ آخر تتويج باللقب عام 2010. ولكن بما أنّ منافسات المسابقة لطالما كانت مليئة بالمفاجآت والصدمات على مرّ السنين، فهذا يعني أنّ منتخبات مثل جنوب أفريقيا غانا قد تحظى أيضاً بفرصة الوصول إلى أدوار متقدمة من البطولة.
يمتلك المنتخب المصري أسماء مميّزة

أما من جهة المكافآت المالية، فقد أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم «كاف» عن زيادة قيمة الجائزة التي ستقدّم للفائز بالبطولة، إذ سيحصل بطل كأس أمم أفريقيا لهذا العام على مبلغ 4.5 مليون دولار، فيما يحصل الوصيف على 2.5 مليون بدلاً من مليوني دولار. كما سيحصل كل منتخب من الـ24 المشاركين في البطولة على مبلغ مالي قدره 600 ألف دولار. ورغم أنّ الجوائز المالية المخصصة للبطولة الأفريقية لا يمكن مقارنتها بتلك المخصصة للبطولات الأوروبية، إلا أنّ تحسينها ولو بقدر قليل قد يصنع فارقاً كبيراً للمنتخبات المشاركة، لا سيما أنها لا تحصل على الدعم المادي الكافي لتطويرها. لكن رغم كل التقصير المالي والإعلامي بحق الكرة الأفريقية، إلا أنّ هذا لم يخفف من حب الشعوب الجميلة هناك للعبة. أصوات المشجعين على المدرجات في الملاعب الأفريقية، كانت وستبقى الأقوى، فهي دلالة على إرادة الحياة، رغم كل محاولات التصفية هناك، وسرقة ثروات تلك البلاد وشعوبها. الكرة ستدور في مصر، وأعين أفريقيا والعالم تتبعها، وكل مشجع يحلم بأن تكون الكأس الذهبية بيد لاعب منتخب بلاده المفضل.