لا يمكن تقبّل فكرة أن نادياً بحجم نادي النجمة تنحصر إنجازاته ببطولة الشباب ثلاث مرات في السنوات الأخيرة. ألقاب جاءت بجهد شخصي من المدرب بلال فليفل وبـ«اللحم الحي» دون دعم إداري كما يقال. في بطولتي الناشئين والشباب، كانت نتائج الفريق «مخجلة». ليس بسبب ضعف مدربي أو لاعبي الفئتين، بل بسبب غياب الدعم. اليوم، يحاول القيمون على النادي تغيير الصورة.
يعيش النجمة حراكاً كبيراً على صعيد تجارب الفئات العمرية. بين بيروت والسكسكية وبنت جبيل وكفرجوز وعربصاليم، تحرّك المشرفون على هذه التجارب. خرجوا من بيروت نحو الجنوب في خطوة هي الأولى في تاريخ النادي. الأهم أن الجنوب لن يكون الوجهة الوحيدة خارج العاصمة. فدور الشمال آت. وحين يُقال الشمال ذلك لا يعني طرابلس فقط، بل إن التجارب ستصل الى عكّار. وأيضاً سيكون للبقاع حصته مع حديث عن التوجه الى بعلبك للبحث عن المواهب. قد تكون البداية من الجنوب بسبب وجود منافسة للنجمة هناك. العهد سبق النجمة في هذا الإطار، حيث أقام عدة تجارب على مدى السنوات الماضية. لكن النجماويين سيسبقون منافسيهم عبر الذهاب الى باقي المحافظات مع استمرارية مركزية بيروت.
مع نهاية الموسم الماضي، تعرّض النادي لضربة معنوية كبيرة باستقالة «عرّاب» هذه الفئات، المدرب محمد ابراهيم. خسر النادي قيمة إضافية كبيرة كان من الممكن أن تشكل، في ظل النية الحالية بزيادة الاهتمام الإداري، عنصر دفع قوياً على صعيد اكتشاف المواهب. ليس المهم فقط اكتشاف تلك المواهب، بل الأهم هو كيفية تدريبها وتحضيرها ضمن نظام عام موحّد في النادي، بدءاً من الفئة الأصغر حتى الفريق الأول. يُعوّل في هذا المجال على خبرة المدرب فليفل الذي أصبح مدرباً مساعداً في النجمة بعد مسيرة طويلة مع الفئات العمرية أثمرت عشر بطولات مع عدة فرق؛ آخرها الثلاث التي أحرزها النجمة في الشباب. دور فليفل قد يكون الأهم من ناحية الإشراف العام على كيفية تدريب المواهب انطلاقاً من عمله كمدرب مساعد في الفريق الأول. بات فيلفل همزة وصل بين الفريق الأول والفئات الأدنى وهو أمر بالغ الأهمية بحسب المتابعين.
بدأت التجارب في الجنوب وستنتقل إلى طرابلس وعكار


في السابق، كان هناك تجربة مع المدرب الروماني تيتا فاليريو، حين رفّع عدداً من لاعبي الشباب الى الفريق الأول. فوجئ المدرب الروماني حينها بأن لاعبي الشباب يسيرون ضمن نظام مختلف عن نظام الفريق الأول. أبلغ هذا الأمر لأمين سر النادي السابق سعد الدين عيتاني وفشلت التجربة. بعد سنتين، قام فليفل بعمل مختلف أدى الى صعود أكثر من لاعب الى الفريق الأول أثبتوا وجودهم ولم يظهروا غريبين عن نظام الفريق. محمود كعوار، مهدي الزين وأندرو صوايا كلها أسماء برزت الموسم الماضي.
اليوم، بعد خسارة المدرب ابراهيم، حاولت الإدارة التعويض عبر تسليم موضوع الفئات العمرية الى موسى عاشور. قد لا يملك الأخير خبرة تدريبية كونه من المشجعين، لكن اختياره كان انطلاقاً من متابعته القريبة لموضوع الفئات العمرية في النادي على مدى سنوات. في بادئ الأمر، بدت الخطوة غريبة نظراً الى خبرة عاشور المتواضعة، لكن الأيام أثبتت أن الخيار كان صحيحاً.
انطلق عاشور بمشروع قد يكون الأهم للنادي هذا الموسم، في ظل الصورة الضبابية التي تحيط بالمنارة. جاء مشروع التجارب في المحافظات كصدمة إيجابية. حصر عاشور موضوع اكتشاف المواهب والاهتمام بالفئات العمرية بأبناء النادي. طُرحت أسماء عدة من خارج النجمة، لكن عاشور أصرّ على أن من يكتشف مواهب النجمة هم لاعبون نجماويون سابقون. وقع الاختيار على اللاعبين السابقين يوسف فرحات ورائد أبو النصر مع المدرب وسام عبد الله الذي تسلم المهمة بعد استقالة المدرب محمد ابراهيم. لم يكتفِ عاشور بوجود المدربين على أرض الملعب، بل شكّل لجنة خبراء خارجه مؤلفة من لاعبين سابقين أيضاً كجمال الخطيب وعلي صفا ومحمد حاطوم. أسماءٌ لها وزنها والأهم «نجماويون خالصون» أخذوا على عاتقهم مهمة إيجاد جيل جديد من اللاعبين لناديهم.
شاهد المسؤولون مئات اللاعبين من أعمار تتراوح بين 12 و18 عاماً، والحصيلة كانت انضمام أكثر من عشرة لاعبين الى النادي حتى الآن وتوقيعهم على الكشوفات. اختار المسؤولون اللاعبين الأفضل وقرروا ضمّهم الى الفئات العمرية.
يتحدث صفا الى «الأخبار» عن هذه التجربة وأهميتها من ناحية محاكاة المواهب التي لا تستطيع الحضور الى بيروت والخضوع للتجارب. لكن ما هي المعايير التي يتم على أساسها الإختيار؟
«توفّر المهارات الأساسية لدى اللاعب وجاهزيته الفكرية. فقد كنا نتابع حركته في الملعب وطريقة تمريره للكرة، إضافة الى بنيته الجسدية. فالأهم هو أن لا يكون اللاعب بحاجة الى عمل كبير كي يصبح جاهزاً. وحين يتم اختيار عدة أسماء يتم التوافق على بعض منها وتُرفع التوصية بضمّهم» يقول صفا لـ«الأخبار». ويضيف لاعب النجمة السابق «في بعض الأحيان يتم لفت نظر اللجنة من قبل المدربين الى بعض اللاعبين المميزين فيتم التركيز عليهم ومتابعتهم». يتحدث صفا عن اهتمام الناس، «خلال التجارب في الجنوب، كنا نجد النجماويين الى جانبنا مستعدين لتقديم المساعدة والدعم اللوجستي خدمة للنادي الذي يحبون».

احتضن ملعب كفرجوز يوم السبت تجارب النجمة في النبطية (كريم السيّد)

يتحدث عاشور لـ«الأخبار» عن أن التجارب لم تحتج إلى الدعاية والترويج كي يحضر مئات اللاعبين. «كان يكفي أن نعلن عن إجراء تجارب في المكان والزمان المحددين حتى تجد مئات اللاعبين حاضرين. في معظم الأحيان، كانت التجارب تمتد حتى الليل وفي بعض الأحيان الى ما بعد الساعة المحددة بسبب ضغط اللاعبين».
لا شك أن الفكرة ممتازة بنظر الكثيرين، لكن الأهم الدعم الإداري لها وإيجاد آلية تدريبية صحيحة في المستقبل عبر مدربين لديهم خبرتهم في الفئات العمرية. من الملاحظات على خيارات عاشور على الصعيد المدربين استعانته بمدربين أو لاعبين سابقين لا يملكون خبرة في الفئات العمرية كيوسف فرحات ورائد أبو النصر وهم مبتعدون عن هذا المجال. صحيح أنهم نجماويون ولديهم خبرتهم الطويلة كلاعبين، لكنْ هناك فرق بين اللاعب والمدرب. هذا لا يقلل من قيمتهم الفنية، وحتى من الممكن أن تثبت الأيام أنهم ناجحون، لكن في نظرة أولية تبدو الاختيارات غريبة، بحسب متابعين لهذا المشروع.
أمرٌ آخر هو أن هذا المشروع سيكون مصيره غير واضح إذا لم يكن هناك دعمٌ مادي ــــ إداري. الحماسة والتخطيط وحتى تأمين الأموال بشكل شخصي من المشرف على المشروع أمرٌ جيد، لكن الأهم بحسب أصحاب الاختصاص هو تخصيص ميزانية سنوية للفئات العمرية لا تقل عن الستين ألف دولار.
اليوم، يستطيع عاشور تأمين الأموال، لكن غداً قد لا يستطيع، وحينها يكون المشروع بأكمله مهدداً، إذا لم يكن هناك قرارٌ من رئيس النادي أسعد صقال بتأمين الأموال. فضم لاعبين من خارج بيروت يعني تأمين تنقلاتهم وحضورهم الى العاصمة على أقل تقدير، إضافة الى مصروف خاص. وهذا يتطلب ميزانية كبيرة، وعملاً إدارياً ليس بالسهل. المستقبل لا شك أنه سيكشف النتائج.